أولاً: منطلقات الاستراتيجية الأمريكية ضد الصين:
تشكّل الصين في عالم اليوم مصدر ثقل عالمي على مختلف الأصعدة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً بالتلازم مع نهج سياسي معتدل يؤكد على الأمن والاستقرار واحترام سيادة الدول وتفضيل الحلول السياسية للصراعات التي يشهدها العالم، ومع ذلك إن الولايات المتحدة الأمريكية تفسّر مكانة الصين وتحرّكاتها على أنّها مزاحمة لها على مكانتها الدولية مما يجعلنا نبحث بالأسس التي تقيم الولايات المتحدة الأمريكية على أساسها سياساتها تجاه الصين من قبيل ما يلي:
اولاً: النفوذ والأيديولوجيا: وقعت الصين اتفاقيه أمنيه مع جزر سليمان في المحيط الهادئ، فكان الرد الأمريكي لقاء بين رئيسة وزراء نيوزيلندا وجو بايدن الذي “ذل لسانه” فقال: “دولة لا تشاركنا قيمنا ومصالحنا الأمنية من شأنه أن يغير بشكل أساسي الاستراتيجية والتوازن في المنطقة ويزيد مخاوف الأمن القومي لدينا”.
وبالتالي نفهم من هذا التصريح الذي أعتبره من النوع الفاضح لأنّه كشف عن العقلية السياسية والأمنية الأمريكية ذات الأمدين الاستراتيجيين القريب والبعيد، ويمكن التأسيس عليه أن منطلقات الاستراتيجية الأمريكية ضد الصين تتأسس على ما يلي:
أولاً: القيم الليبرالية: بما يعني العامل الأيديولوجي الذي كان سبباً في صراع الأمريكي مع الاتحاد السوفيتي سابقاً.
ثانياً: المصالح الأمنية للولايات المتحدة: المتمثلة بتوسيع شبكة تحالفاتها وبقائها القطب الأول وعدم منافستها في مناطق النفوذ العالمية، وعدم ظهور أقطاب من شانها تراجع السيطرة الأمريكية التي تكرسها بأشكال متعدّدة.
ثالثاً: الحفاظ على التوازنات في مناطق النفوذ الأمريكي خصوصاً مسألة الحلفاء وأمنهم واعتبارهم عمقاً استراتيجياً للولايات المتحدة وأي خلل يصيب هذا النسق يعتبر من منظور الإدارة الأمريكية إخلالاً بأمنهم القومي، وهذا ما ينطبق على الصين في مناطق النفوذ المشتركة، فعلى سبيل المثال شكّلت منطقة جنوب المحيط الهادئ منذ الحرب العالمية الثانية أهميه عسكرية لواشنطن وأقامت فيها العديد من القواعد البحرية كواجهة بحرية واجرت فيها العديد من التجارب النووية، في حين تعتبر الصين منطقة جنوب المحيط الهادئ منطقة نفوذ صينية ويعارضون بشدّة التحرّكات الأمريكية هناك ، وما ينطبق على منطقة جنوب المحيط الهادئ ينطبق على منطقه بحر الصين الجنوبي وتايوان وجنوب اسيا.
تشعر الولايات المتحدة بالذعر عندما ترى دولاً تقبل على التحالف مع الصين وتباشر بمختلف الوسائل لعرقلة هذه التحالفات، وهنا نذكر أن منطقة جنوب المحيط الهادئ بعد الحرب العالمية، شهدت تقليل المستوى الدبلوماسي الأمريكي فيها وقللت المساعدات الاقتصادية لدولها، وهنا ندقق على وسائل الارتباط بتلك الدول ووسائل “خلق النفوذ” إذ أغلبه بالوسائل العسكرية، ولا يمكن وصف الصين بالنظر إلى وسائل خلق النفوذ بأنّها دولة ذات طموح عسكري لأن نظيرتها الأمريكية شنت العديد من الحروب في العالم والأمثلة كثيرة.
على من تراهن واشنطن؟
ثانياً: أين وصلت الولايات المتحدة الأمريكية في خطة تطويق الصين؟
تختلف الدولة التي تراهن عليها الولايات المتحدة الأمريكية فيما يخص استخدامها كأداة ضد الصين باختلاف مناطق النفوذ ولا نعتقد أن لها أداة بحد ذاتها وإن كانت الأحاديث تدور حول الهند كبديل للصين، كما أنه يجب تحديد المجال الذي تعمل الهند على طرح نفسها كبديل، المجال الذي تتلقى الدعم الدولي لتعزيزه، وبالتالي هذا يتوقف على مقدرة الهند على منافسة الصين فيه، وهنا يدور الحديث عن المجال الاقتصادي بدعم أمريكي عبر الحرب التجارية التي تشنها ضد الصين بما يخدم المصالح الهندية.
تحاول الولايات المتحدة تعميق التعاون مع جميع الحلفاء المحتملين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ لدعم مصالحها الخاصة واحتواء الصين.
أولاً: الهند جزء من أدوات “احتواء الصين”:
تسعى الولايات المتحدة لتعزيز شراكتها الاستراتيجية مع اليابان وكوريا الجنوبية، القريبتين من تايوان تحسباً لأي مواجهة محتملة مع الصين في المحيطين الهادئ والهندي، تعمل في الوقت نفسه على زيادة وجودها العسكري في الفلبين، وكذلك الأمر بالنسبة للهند في جنوب أسيا.
أولاً: على التوظيف الجيوستراتيجي للفلبين: أعلن وزير الدفاع الأمريكي لويد جيه أوستن صفقة لمنح الجيش الأمريكي حق الوصول إلى أربع قواعد أخرى في الفلبين، وبذلك يصل العدد الإجمالي إلى تسعة، الأمر الذي يجعل من الفلبين شريكاً استراتيجياً رئيسياً لواشنطن في المنطقة في حالة نشوب صراع مع الصين حول تايوان.
ثانياً: التوظيف العسكري الاستخباراتي لأستراليا والمملكة المتحدة: أعلنت بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا في سبتمبر/أيلول 2021 إنشاء حلف عسكري يحمل اسم أوكوس لـ “حماية مصالحها” في المحيطين الهادئ والهندي أمام النفوذ الصيني هناك، وهو ما أثار استياء على رأسها الصين التي رأت فيه بداية “حرب باردة” جديدة.
ثالثاً: توظيف النفوذ لدبلوماسي الأمريكي في جزر سليمان في المحيط الهادئ: منذ توقيع الصين لاتفاقية أمنية مع جزر سليمان في عام 2022، وعلى الرغم من غياب دام أكثر من 30 عاماً، فتحت الولايات المتحدة سفارة في دولة جزر سليمان الواقعة في المحيط الهادئ، حسبما أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن مطلع فبراير/شباط الجاري، في سعي لتعزيز العلاقات الدبلوماسية في المحيط الهادئ في إطار مواجهة الصين، وفقاً لصحيفة الغارديان البريطانية.
رابعاً: في عام 2023م: استضاف الرئيس الأمريكي جو بايدن قادة جزر المحيط الهادئ في قمة واشنطن التي تعهد فيها بالمساعدة في درء “الإكراه الاقتصادي” الصيني، ووعد بالعمل بجدية أكبر مع الحلفاء والشركاء لتلبية احتياجات سكان الجزر.
خامساً: تحديث معاهدة أمنية بين الولايات المتحدة واليابان التي- تم التوقيع عليها قبل أكثر من 60 عاما- والغرض من هذه الوثيقة هو إعادة هيكلة القيادة العسكرية الأميركية في اليابان، وبالتالي، زيادة استعداد الدولتين القتالي العملياتي، حيث يجمعهما شعور بالقلق إزاء النمو المتزايد لتأثير الصين، ويتفق الجانبان على ضرورة تطوير تحالفهما العسكري، وتعمل اليابان كقائد في بناء نظام التحالفات الأميركي بدليل تشكيل آليات ومنصات للحوار مع دول جنوب شرق آسيا مثل الفلبين والهند، لمجرد أن طوكيو تتمتع بعلاقات أفضل مع الدول الإقليمية ومستوى أعلى من الثقة المتبادلة.
سادساً: التوظيف الأمريكي لحليفها الهندي لعرقلة المشاريع الصينية: ألغت الحكومة الهندية الحكم الذاتي لأقليم كشمير عام 2019م، أن ضم الهند لإقليم كشمير يهدد مشروع طريق الحرير الصيني بشكل مباشر، حيث تقوم الصين بإنشاء ممر اقتصادي يربطها بميناء جوادر الباكستاني الاستراتيجي الواقع على بحر العرب، يمر بإقليم كشمير الباكستاني محل النزاع مع الهند، والذي تطالب بضمه كاملا لها، ممّا يعني أن الضم يقصد به عرقلة إقامة الممر الاقتصادي الصيني وبالتالي محاولة عرقلة مشروع الحزام والطريق، كانت باكستان قد وافقت عليه وتستمر بترسيخ علاقاتها مع الصين وإيران في النواحي الاقتصادية والعسكرية وهو ما تفسره الهند والولايات المتحدة بأنّه جبهة مناوئة لها.
لكن مع تصاعد التوتر بين الصين وكل من أمريكا والهند، قامت أمريكا باستخدام الهند واليابان في مايو 2019، للقيام بالمناورة في بحر الصين الجنوبي، الأمر الذي أثار إزعاج الصين وردّت عليه الصين بإطلاق مناورة عسكرية في يوليو 2019 بالقرب من جزيرة تايوان، حيث لا يزال الاقتحام العسكري للجزيرة حال إعلان استقلالها، بالرغم من الحماية الأمريكية المفروضة على الجزيرة.
سابعاً: توظيف التحالفات ضد الصين: وفي عام 2024م تقوم واشنطن بتطوير حوار أمني رباعي مع كانبيرا(استراليا) وطوكيو ونيودلهي(الهند)، وبهدف ضمان الأمن في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. والواقع أن هذه الصيغة تعني المواجهة المشتركة للصين وهو ما يتحدث عنه زعماء الغرب بانتظام.
كما قررت واشنطن إقامة حوار مشترك مع طوكيو ومانيلا(الفلبين). ففي 11 أبريل، سيستضيف الرئيس جو بايدن رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا والرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس جونيور في البيت الأبيض. وستكون هذه أول قمة ثلاثية بهذه الصيغة.
بالنتيجة تحاول الولايات المتحدة تعميق التعاون مع جميع الحلفاء المحتملين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ لدعم مصالحها الخاصة واحتواء الصين. وبالنسبة للغاية من استخدام حلفاء أمريكا كقاعدة متقدمة أو درع دولي ضد الصين، فإنها تكمن بالحاجة إلى حلفاء يمكنهم توفير القوات والأسلحة والمساعدة في تغطية التكاليف المواجهة مع الصين عسكرياً وأقتصادياً، فعلى سبيل المثال تراهن الولايات المتحدة على المساعدة العسكرية من اليابان وكوريا الجنوبية. كما وعدت الولايات المتحدة بتقديم المساعدة للفليبين في بحر الصين الجنوبي واليابان في بحر الصين الشرقي، حسب رأي أستاذ التاريخ بالجامعة الأمريكية في واشنطن بيتر كوزنيك.
وبالنسبة لوجهة النظر الصينية: ترى جمهورية الصين الشعبية في هذا كله خطوات عدائية؛ ومن جانبها، تحاول القيام بعمل دبلوماسي نشط بين دول جنوب شرق آسيا من أجل إقناعها بعدم الدخول في مثل هذه الأشكال من التفاعل ”
الرد الصيني الرسمي: وأزاء مضمون التصرفات الأمريكية ردّت الصين على هذه التحركات على لسان وزير خارجيتها: وانغ يي على هامش انعقاد مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي في بكين من أن عواقب الصراع بين الصين والولايات المتحدة ستكون كارثية، وندّد بسياسات واشنطن، وقال إنّها تستمر في محاولاتها لـ”قمع” بلاده وتوسّع العقوبات الأحادية ضدها. وقال أيضاً: “أن بلاده تعتقد أن البلدين يمكنهما إيجاد الطريقة المناسبة لتحقيق التعايش”. وأضاف “نحن نعارض بحزم جميع أعمال الهيمنة والتنمر، وسندعم بقوة السيادة الوطنية والأمن فضلا عن مصالح التنمية”.
احتجت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ وقالت: “من منطلق المصلحة الذاتية، تواصل الولايات المتحدة تعزيز انتشارها العسكري في المنطقة بعقلية محصلتها الصفرية، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم التوتر في المنطقة ويعرض السلام والاستقرار الإقليميين للخطر”.
وأكدت الصين حقها في تايوان حيث قال وانغ :” أن الذين يدعمون استقلال الجزيرة سيحترقون لأنهم “يلعبون بالنار”، مؤكدا أن بلاده لن تسمح مطلقا لتايوان بالانفصال عن الوطن الأم، وفيما يخص التوترات المستمرة في بحر جنوب الصين، قال الوزير الصيني إن بلاده ستدافع عما سماها حقوقها المشروعة في هذه المنطقة المتنازع على أجزاء منها بين الصين ودول أخرى.
الممرات البديلة لمبادرة الحزام والطريق ودور الهند فيها:
مبادرة “إعادة بناء عالم أفضل”:
في عام 2022م أتخذ قرار باشتراك مع الهند “بمبادرة عالم أفضل” على هامش قمة الدول السبع الثامنة والأوربعين. ما مضمونها ؟ ما خطرها على مبادرة الحزام والطريق؟؟
هي مبادرة اقتصادية دولية قامت بها مجموعة السبعة، أطلقت في يونيو 2021، وهي مصممة لتوفير بديل لمبادرة الحزام والطريق الصينية لتطوير البنية التحتية في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، بالإضافة إلى دعم استثمارات القطاع الخاص في مجال الأمن الصحي والتكنولوجيا الرقمية.
بقيادة الولايات المتحدة، ستعمل دول مجموعة السبع على معالجة البنية التحتية البالغة 40 تريليون دولار التي تحتاجها البلدان النامية بحلول عام 2035.
تعتمد المبادرة على شبكة النقطة الزرقاء، وهو تعاون يهدف إلى بناء شبكة عالمية من خلال التمويل القائم على الإقراض لبناء الطرق والجسور والمطارات والموانئ ومحطات الطاقة.
وتعتبر هذه المبادرة المرة الأولى التي تقدم فيها الدول الغربية بديلًا تمويليًا لمنافسة مبادرة “الحزام والطريق” الصينية التي أُطلقت عام 2013.
تأتي المبادرة في إطار السياسة الخارجية للولايات المتحدة في عهد جو بايدن، والتي تتبنى نهجًا أكثر صرامة حيال الصين وتواجهها مباشرة وبشكل غير مباشر، وتحرص على حشد حلفاء الولايات المتحدة لمواجهة النفوذ الصيني المتزايد دوليًا.
تصدّرت الصين جدول نقاشات قمة مجموعة السبع، وتم تقديم مبادرة “بناء عالم أفضل” على أنها بديل أفضل من مبادرة “الحزام والطريق”.
من الممكن أيضًا اعتبار مبادرة “الحزام والطريق” كسياسة للدولة الصينية منفردة ومشروع بقيادة الرئيس الصيني شي جين بينغ، ويتم تمويل غالبية مشروعات المبادرة من خلال بنوك حكومية صينية وصندوق استثماري مملوك للدولة. أما “إعادة بناء عالم أفضل” فإنها تتعدد أطرافها ومصادر تمويلها، فهي تضم أعضاء مجموعة السبع بما فيها من مؤسسات حكومية تنموية مختلفة. وكما سبقت الإشارة، تعهدت الولايات المتحدة بأن تكون عملية تمويل المبادرة معتمدة على مشاركة متعددة الأطراف من خلال القطاع الخاص، وبنوك التنمية الدولية، والمؤسسات المالية الدولية.
كلا المبادرتان متفقتان في النظرة الاستراتيجية العامة من زاوية امتلاكهما أهداف جيوسياسية:
أولاً: تهدف مبادرة “الحزام والطريق” الصينية إلى إعادة إحياء طريق الحرير للتجارة القديمة وإنشاء حزام اقتصادي لربط قارات آسيا بأوروبا وإفريقيا مما يساهم في تعزيز النفاذ الصيني عالميًا.
ثانياً: الهدف جيوسياسي لمبادرة “إعادة بناء عالم أفضل” موحد لدول مجموعة السبع يتمثل باحتواء التوسع الصيني بشكل غير مباشر، رغم الستار المعلن أنها مبادرة ذات غرض تنموي.
ممر الهند – الشرق الأوسط – أوربا:
الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا هو ممر اقتصادي مخطط يهدف إلى تعزيز التنمية الاقتصادية من خلال تعزيز الاتصال والتكامل الاقتصادي بين آسيا والخليج العربي وأوروبا.
تتمحور فكرة المشروع الذي تدعمه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حول ربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط، بما يخفّض التكاليف اللوجستية للنقل، ويعزّز فرص التنمية في المنطقة التي يشملها. ويتكوّن المشروع من ممرّين: هما الممرّ الشرقي ويربط الهند بدول الخليج العربي، والممرّ الشمالي الذي يربط دول الخليج بأوروبا عبر الأردن وإسرائيل. في 10 سبتمبر 2023، تم الكشف عن مذكرة التفاهم خلال قمة مجموعة العشرين في نيودلهي 2023 .
طموحات الممر الهندي الأوروبي تتجاوز النطاق الضيق للتجارة والاقتصاد لتشمل كل شيء بدءا من شبكات الكهرباء وحتى الأمن السيبراني.
الإشاعات لتشويه سمعه مبادرة الحزام والطريق:
يقول مراقبون إن الطموحات الكبرى للمشروع تضاءلت بشكل كبير، إذ تباطأ الإقراض للمشاريع مع تباطؤ الاقتصاد في الصين. وتعرب دول مثل إيطاليا عن رغبتها في الانسحاب، وتشعر دول مثل سريلانكا وزامبيا أنها أصبحت عالقة في فخ الديون، وغير قادرة على الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالقروض.
وواجهت مبادرة الحزام والطريق انتقادات منها أن من “أهدافها الأساسية اكتساب النفوذ الاستراتيجي من خلال المشاركة في التنمية، وافتقارها إلى الرقابة المالية السليمة”.
محددات نجاح الممرات في تهديد مبادرة الحزام والطريق:
وعلى الرغم من العقبات، فقد حقق الصينيون “قدرا مذهلا”، كما أن مشروع الممر الهندي الأوروبي لا يرقى حتى إلى أن يكون “منافسا”، كما يقول باراغ خانا، مؤلف كتاب “الترابط الجغرافي”.، مضيفا أنه يمكن في أفضل الأحوال أن يكون ممرا متوسط الحجم.
تتمتع الصين بالسبق مدة 10 سنوات في مبادرة الحزام والطريق، إذ تجاوز إجمالي الاستثمارات في إطار المبادرة تريليون دولار في شهر يوليو/تموز من هذا العام. وقد انضمت أكثر من 150 دولة بوصفها شركاء، وهو ما أدى، كما كتب جيريش لوثرا في بحث عن الموضوع، إلى توسيع نطاقه الجغرافي بشكل كبير “من مبادرة إقليمية إلى مبادرة شبه عالمية”.
كل ما فعلته هو رسم خريطة جغرافية محتملة للممر، وتحقيق ذلك سيكون معقدا للغاية. ويقول خانا: “أود أن أرى تحديدا للوكالات الحكومية الرئيسية التي ستتولى مسؤولية الاستثمارات، ورأس المال الذي ستخصصه كل حكومة، والأطر الزمنية”.
ثم هناك أيضا تعقيدات جيوسياسية واضحة لإدارة العلاقات بين الدول الشريكة، ويقول خبراء إنه لن يمر وقت طويل حتى يفشل التعاون التكتيكي من هذا النوع.
وسوف ينافس الممر الهندي الأوروبي قناة السويس، وهي الممر المائي المستخدم لنقل البضائع بين مومباي وأوروبا. وبقدر ما تتحسن العلاقة مع الإمارات والسعودية فإنها ستتضرر مع مصر.
محدد مقدرة الهند على منافسة الصين اقتصاديا:
هناك محاولات لخلق ممرات بديلة منافسة لمبادرة الطريق والحرير كجزء من خطة احتواء الصين اقتصاديا وسياسياً، والهند شريك بها، ولكن مسألة تقديم الهند كدولة بحد ذاتها بديلاً عن الصين مسألة أخرى تماماً، لا سيما من الناحية الاقتصادي لأن هناك فوارق كبيرة سياسياً واقتصاديا، وحتى سياسات “الاحتواء” لا تستطيع إلغاء وجود الصين.
ولقد لوحظ مؤخراً عدّة تحركات هندية على الصعيد الاقتصادي لكن من باب المنافسة من قبيل ما يلي:
أولاً: تعول الهند في توسعها الاقتصادي على الشراكة مع أوروبا المتقدمة اقتصادياً، فضلاً عن بلدان منطقة آسيا والمحيط الهادئ، التي تعد على الأقل واعدة من حيث التجارة، وقد وقعت مؤخراً اتفاقية تجارية مع دول رابطة التجارة الحرة الأوروبية.
تمكن هذه الاتفاقية كلا من الطرفين الهندي- الأوربي من الوصول: إلى أسواق واسعة، إضافة إلى تنويع سلاسل توريد جديدة، والمساهمة في نظام اقتصادي عالمي أكثر تنوعا ومرونة، خصوصا في مجال قطاع التكنولوجيا ومراكز الابتكار المتنامية في الهند توفر فرصاً للتعاون في مجال التقنيات المتقدمة، مما يعني منافسة الصين على المزايا التي تتفوق بها ومحاولة استمالة الأوربي وتقليل اعتماده عن الصين.
ثانياً: يجري التفاوض على اتفاقيات تجارية مع ودول الخليج لتحفيز الإنتاج المحلي وخلق فرص العمل، ومن المتوقع حسب مركز سيتا- كما يجري التخطيط لإبرام اتفاقيات مع لندن وبروكسل بعد الانتخابات البرلمانية في الهند، التي ستجرى في أبريل ومايو م2024.
الهند تستغل ظروف الاقتصاد الصيني وسط الضغوط الامريكية المساعدة للهند لهروب الاستثمارات الأجنبية إلى خارج الصين، ولهذا السبب، تسحب الشركات الأجنبية رؤوس أموال كبيرة من الصين، خوفاً من العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة، وتنقل الإنتاج، بما في ذلك إلى الهند.
مراكز البحوث والدراسات الغربية تشن حرب الرقم ضد الصين، وتستغل تداعيات أزمة كورونا – وأزمة سوق العقارات- وانخفاض تدفق رؤوس الأموال الأجنبية إلى الصين – ليستغلوا ذلك بالقول إنّ الناتج المحلي سينخفض من 5.4% إلى 4.6% بحلول عام 2026م مقابل نمو الناتج المحلي بنسبة للهند لقرابة 7.5%.
إن هذه الاتفاقيات ضرورية بحكم حاجة الهند لها هي الطرف المبادر، ولنها لا ترقى لدرجة استغناء الأطراف عن علاقاتهم مع الصين لصالح الهند إلا من ناحية الاستثمارات نظراً لظروف التنافس مع الولايات المتحدة الأمريكية. ويبقى أن نشير أن هناك فوارق كبيرة بين الاقتصادين الصيني الثاني عالمياً والهندي الخامس عالمياً؟
فجوة كبيرة بين الاقتصادين يصل الناتج المحلي الإجمالي في الهند إلى 4 تريليون دولار، وفي الصين إلى 18 تريليون دولار، ومع ذلك، فإن الأولى لديها فرصة، إن لم تكن لتتجاوز جارتها، فعلى الأقل للاقتراب منها في عدد من المناطق.
الهند تعتمد على الصين، لأنه من أصل 135 مليار دولار من حجم تجارتها الخارجية، يأتي 100 مليار دولار من الصين، وهذا يمثل رافعة قوية لنفوذ بكين على نيودلهي.
يؤدي التنافس الاقتصادي المحتمل إلى تفاقم علاقة الهند المضطربة مع الصين، وخاصة فيما يتعلق بالنزاعات الإقليمية، ولم يتمكن الطرفان من تقسيم منطقة في جبال الهيمالايا منذ نصف قرن، وهو ما يصاحبه بين الحين والآخر اشتباكات مسلحة عنيفة على الحدود.
للتذكير مبادرة الحزام والطريق: هي مبادرة صينية قامت على أنقاض طريق الحرير في القرن التاسع عشر من أجل ربط الصين بالعالم، لتكون أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية.
رئيس قسم الدراسات السياسية في صحيفة طريق الحرير
د. ساعود جمال ساعود