يوم 14/نيسان/ 2024م أو5 شوال 1445ه تاريخ معركة الأحزاب أو معركة الخندق، يوم له رمزيته التاريخية والدينية عند المسلمون حيث وقعت الحرب بين معسكر المسلمين والقبائل العربية المتحالفة مع اليهود، ووجه الشبه حيث ساهمت دول عربية إسلامية بالرصد وإطلاق صواريخها صد المسيرات الإيرانية، فهذا تواطؤ واحد يعكس الشرخ الواسع بين السياسي المعلن والاتفاقات الغير معلنة.
أولاً: ميزات الهجوم:
- هجوم مزود بتقنيات الذكاء الاصطناعي كافة وجاء متسماً، حيث تصريحات وزير الخارجية الإيرانية بكونه مبني على حسابات دقيقة بما فيها قواعد الاشتباك والأهداف المحددة، وهجوم هجيني زاوج فيه بين المعدات التقنية والتكنولوجية الحديثة الأسلحة التقليدية.
- الصبغة الاستراتيجية: هي معركة التحول في النهج الاستراتيجي من الصبر الاستراتيجي إلى سياسة الضربة بالضربة ما يخلق الردع الكفيل بمنع الكيان الإسرائيلي على التصرفات المتهورة عسكرية كما يحلو لها.
- تثبيت أركان الأيديولوجيا: معركة المصداقية بعد اختبار المصداقية حيث إيران دولة أيديولوجية مزودة بأليات تنفيذ تقرن القول بالعمل، وتستحق المكانة الأولى في بدول محور المقاومة ولقد أصبحت اليوم نقطة ارتكاز هذا المحور.
- مصداقية القادة: منذ البداية توعد القادة الإيرانيون بالرد، وثارت أسئلة المصداقية، فجاء الرد فثبت المصداقية، هذا يعني أن ما بعد الضربة سيكون العالم امام نوع جديد من المواجهة بين إيران وإسرائيل، وقد تضطر دول كبرى للتدخل لحل أي احتكاك مستقبلي.
- الذعر الأمني: الصدمة الثانية لكيان الاحتلال بعد صدمة طوفان الأقصى الذي جاء بأساليب جديدة وتكتيكات للغزو الجوي والبحري والبري، وما رافقها من اقتحام لثكنات عسكرية واسر عدد كبير من الجنود الإسرائيليين، ولكن صغر هذه الجماعة /حماس/ وقلة عتادها أمران غير موجودان عند إيران، وتمثل عنصر المفاجأة بمراحل الهجوم والكثافة النيرانية ونوعية الهجوم لا سيما الطائرات المسيرة والصواريخ الفرط الصوتية والبالستية، والأماكن التي استهدفتها بما فيها القاعدة الجوية التي انطلقت الصواريخ التي استهدفت القنصلية وهنا نلحظ رمزية الرد وأبعاده.
ثانياً: ألغاز الهجوم:
والجميع الان يسأل عن الضحايا أين هم؟ نقول لهم أسالوا قواعد الاشتباك التي حددها الطرف الإيراني والتي تمثلن بعدم الإقدام على ضرب أية قواعد مدنية أو اقتصادية رغم التكاليف الباهظة التي تسبب بها القصف الإيراني. وهنا سيخرج من يسأل أين الضحايا العسكريين؟ والجواب ما هو دليلكم أن المناطق التي قصفت والقواعد قد تم أخلائها حتى لم تقع أية أصابات؟! رأينا وكالات أخبار دولية لم تنقل أخبار عن الإصابات!
ثالثاً: أهداف الهجوم:
- وزير الخارجية الإيراني: “كون عملياتنا العسكرية محصورة في الدفاع المشروع ومعاقبة الكيان الصهيوني،
- استخدمت طائرات بدون طيار وصواريخ موجهة ودقيقة لضرب قاعدة عسكرية إسرائيلية تُستخدم لإيداع طائرات “إف 35″ التي تم استخدامها في الهجوم على مبنى سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في دمشق”.
- استهدفت مركزا استخباراتيًا للكيان الصهيوني استخدم لتوجيه جميع العمليات خلال الأشهر الستة الماضية.
- القوات المسلحة الإيرانية لم تستهدف أي أماكن اقتصادية أو مأهولة بالسكان.
رابعاً: هل ستقوم إسرائيل بالرد:
على الصعيد النظري أو الإعلامي المعلن الذي يوجد العديد من التصريحات التي تتوعد بذلك وطالبت به والأسباب عديدة منها لحفظ مكانتهم وصورة إسرائيل النميطية في الذهنية المحلية لدى المستوطنين، قال وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير إنه يجب اتخاذ رد قوي على الهجوم الإيراني، واضاف بن غفير في بيان إنه من أجل خلق ردع في الشرق الأوسط، يجب أن يكون الرد “جنونيا ومروعا” على إيران، مطالبا بهجوم على إيران على غرار الهجوم الإسرائيلي الدامي في غزة. دعا وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، في بيان إلى “عدم ضبط النفس” أمام إيران.
العجيب هنا أن الإسرائيلي يتحدث عن خلق ردع في حين يتسبب دائماً بعمليات عدوانية ضد إيران وهنا إيران هي التي بموقع الرد لا الإسرائيلي، ولكن هذا اعتراف بقوة إيران وتفوقها الإقليمي بشكل مكافئ للقوة الاسرائيلية خصوصاً بعد سلسلة الاستفزازات التي أسفرت عن الرد الإيراني الأخير.
على الضفة الأخرى قال رئيس هيئة الأركان المسلحة الإيرانية محمد باقري: إذا قام الكيان الإسرائيلي بالرد على عملية إيران، فإن ردنا المقبل سيكون بالتأكيد أوسع بكثير من هذه العملية. ولطالما توعد الإيراني منذ البداية بالرد ونفذ تهديداته فإن هذا الرد قابل للتنفيذ ولا يمكن تجاهله على الصعيد الإسرائيلي.
وبهذا الخصوص نقول إن الإيراني كشف علانية عن القواعد التي استند إليها الرد الإيراني وهذا ما يعرف بقواعد الاشتباك، والتي حددها وزير الخارجية علناً بما ينفي أي تنسيق مسبق من تحت الطاولة بالابتعاد عن الأماكن المدنية والاقتصادية، عدم استهداف الأفراد أو القواعد الأمريكية في المنطقة، اتباع أقصى درجات الدقة لتوجيه الضربة، حصر العمليات لإيرانية العسكرية في الدفاع المشروع ومعاقبة الكيان الصهيوني. وعلى هذا الأساس فإن معايرة الرد العسكري وضبطه ضمن حدود معينة يثبت عدم رغبة إيران بتوسيع دائرة المواجهة مع الكيان الصهيوني بل حصر مداها ضمن نطاق الرد فقط، ولعل الرسالة وصلت إلى إسرائيل لذا إن الحديث الإسرائيلي عن الرد هو بعيد عن الواقع ولن يتم.
ما هي التداعيات الإقليمية؟
إن ما نسميه تداعيات إقليمية بغض النظر عن نوعها، تحدث عندما تنشب حرب إقليمية غير خاضعة لإدارة الصراع ولا لقواعد اشتباك واضحة أو متفق عليها، وهذا يحتاج لمعرفة فيما إذا كانت ستقع مثل هذه الحرب أو لا .
لقد هددت إيران يقصف القواعد الأمريكية الموجودة في الدول التي ستسمح باستخدام أراضيها ضد إيران، ولقد اشتركت السعودية والأردن بإسقاط المسيرات ولم تقم إيران بقف تلك الدول ولا تبادلت معها السجالات السياسية، ومن جهة أخرى قالت الولايات المتحدة بأنها لن تدعم عسكريا إسرائيل في حرب ضد إيران، ورغم عدم تمتعها بالمصداقية ولكنه يعكس عدم رغبة بتوسيع نطا الحرب، والأهم كما قلنا حددت إيران أهداف واضحة لم تتجاوزها أي لا تريدي توسيع نطاق المعركة بل حصرها في نطاق الضربة بالضربة، وهذا له أثر استراتيجي بعيد المدى أي أن إيران اليوم بدأت بالعمل باستراتيجية الردع الاستراتيجي ما سيجعل إسرائيل تقف عن عملياتها الاستفزازية ضد إيران ولكن كيف هذا وهي تعتبرها خطر وجودي عليها، لذا إن الوقت الراهن لن يشهد حرب إقليمية ولكن المستقبل قد يحمل مثل هذه المواجهة في حال تتتالت ردود الفعل بين الطرفين وتعدد الفاعلين المشتركين بالصراع، وألاً وأخراً هذا يعتمد على التحرك الإيراني وتفسيره من منظور إسرائيل والأعمال التي ستقدم عليها، ولكن لا مصلحة لأطراف الصراع في المضي قدما بحرب مفتوحة إقليمية الطابع.
د. ساعود جمال ساعود
رئيس قسم الدراسات السياسية في مرصد طريق الحرير