شهد شهر تموز تصدير المزيد من الفحم الحجري الروسي إلى الهند مزامنة مع اعلان بريطانيا والاتحاد الاوروبي حظر استيراد الفحم من روسيا بعد بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في اوكرانيا، متحالفين بذلك علناً مع اوكرانيا؛ التي رغبت في لعب دور “الخاصرة الرخوة” ، لتهديد أمن روسيا عبر جعل أراضيها ساحة لحلف الناتو.
وحول التفاصيل دخل قرار حظر الاتحاد الأوروبي وبريطانيا استيراد الفحم الروسي حيز التنفيذ اعتبارا من اليوم، كجزء من العقوبات التي تهدف لـ”الإضرار بالاقتصاد الروسي”، والمضحك المبكي هنا أجندتها السياسية، حيث أن هذا الإجراء السياسي سيسبب لهم بخاسرة لا بأس بها مما يوحي بأن كلا من البريطاني والأوربي بحكم المرغم حتى لو أتخذ الأمر إعلامياً شاكلة لا توحي بذلك، والدليل البسيط أن واردات الاتحاد الاوروبي من الفحم الحجري الروسي قد بلغت في عام 2021 حوالي 48.7 مليون طن حسب قناه (R. t) الروسية ظناً منهم أن ذلك سيحرم روسيا من عائدات الفحم التي كانت تصدرها روسيا، غير أن دولاً أخرى تجمعها علاقه حميميه مع روسيا كان لها كلمة ورأيا وتصرفاً أخر مضاداً لما قام به وفعله البريطاني والأوروبي سوياً ونعني بها الهند.
وبمعرض الحديث فقد ذكرت وكالة “رويترز” مستشهدةً بوثائق جمركية ومصادر في قطاع الصناعة: ففي يوليو/تموز، صدّرت روسيا 2.06 مليون طن من الفحم إلى الهند، بزيادة بلغت أكثر من 20% عن الشهور السابقة، ما يجعلها ثالث أكبر مورد للوقود الأحفوري إلى جنوب آسيا، وذكرت الوكالة أنّ مشتري الفحم الهنود استخدموا في الأسابيع الأخيرة اليوان الصيني ودولار هونغ كونغ واليورو والدرهم الإماراتي، حيث تستخدم الشركات الهندية العملات الآسيوية بشكل متزايد لشراء الفحم من روسيا، رافضة المتاجرة باستخدام الدولار الأمريكي كبديل لعدم الاصطدام بالعقوبات الغربية.
وهذا ما طرح الكثير من التساؤلات أبرزها: هل ستتأثر علاقة الهند بالاتحاد الأوربي وبريطانياً جرّاء اتخاذها منحىً مساعداً لروسيا في ظل حرب العقوبات الاقتصادية التي تواجهها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها؟ ولعل الإجابة على هذا السؤال لا يكون بالأراء بل بالإثبات والإدلة التي لا مهرب في سبيلهما من الأرقام والبيانات المعتمدة عالمياً.
والبداية تكون مع إجمالي حجم التبادل التجاري بين الهند والاتحاد الأوربي، فإنّ بيانات منظمة التجارة الدولية لا تذكر أي نسب خلال الأعوام الثلاث الأخيرة (2019م – 2020م – 2021م)، ولكن بالعودة لعام2015 و2016م، فقد كان الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري للهند حيث وصلت التجارة الثنائية (في كل من السلع والخدمات) إلى 115 مليار يورو في عام 2017م، ووصلت صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الهند إلى 45.7 مليار يورو في عام 2018م، ونمت صادرات الهند إلى الاتحاد الأوروبي إلى 45.82 مليار يورو في عام 2018م، فشتان بين ما كانت عليه بالأمس وبين ما هي عليه اليوم والسب الملفات السياسية بشكل رئيسي، ولعل شرائها للبضائع الروسية في محنتها الاقتصادية سيزيد من حد التنافر بين الأوربي والهندي.
وأما فيما يتعلٌّق بواردات الهند من المملكة المتحدة، فقد بلغت عام 2021م (6،745،002) مليار دولار أمريكي، في حين بلغت صادرات الهند إلى المملكة المتحدة (10,374,395) مليار دولار أمريكي حسب بيانات منظمة التجارة الدولية.
وبالمقارنة مع روسيا الحليف الرئيسي في عالم اليوم للهند حيث تجمعهم علاقات بكافة المجالات بما فيها العسكري والاقتصادي والتكنولوجي والتي لم تخضع للعقوبات الأمريكية، فإنّ إجمالي حجم التبادل التجاري بين الهند و روسيا وفق تقديرات مركز التجارة الدولية فقد بلغت صادرات الهند إلى روسيا (3,334,264) مليار دولار أمريكي ، في حين بلغت واردات الهند من روسيا (8,695,038) مليار دولار أمريكي في عام 2021م. وبالنتيجة إن واردات الهندي من الروسي تفوق نظيرتها من البريطاني، وهذا نقطة لصالح روسيا.
من ناحية يمكن للهند أن تفسر خطوتها الاقتصادية هذه بسد حاجاتها التي تستحق تجاوز الاعتبارات الايديولوجية ، ولعل هذا سبب غير كاف للقول بأن الهند دخلت المعركة في المحور الروسي والصيني ضد المحور الأمريكي وحلفائه، لأن العلاقات الامريكية . الهندية من الناحية الاقتصادية توصف بأنها من المستوى المتفوق، وهذا يمكن إثباته، حيث أنّ واردات الهند من الولايات المتحدة الأمريكية وفق تقديرات مركز التجارة الدولية (41,386,816) مليار دولار أمريكي، في حين بلغت واردات الولايات المتحدة الأمريكية من الهند (71,510,497) مليار دولار أمريكي في عام 2021م، وبالقيام بعملية طرح بسيط للفارق بين الصادرات والواردات كلا على حده سينتج لدينا ما يلي:
أولاً: الفارق بين صادرات الهند إلى روسيا وصادراتها إلى الولايات المتحدة الأمريكية (71،510،497- 3,334,264 = 68.176.233 مليار دولا أمريكي ).
ثانياً: الفارق بين واردات الهند من روسيا ووارداتها من الولايات المتحدة الأمريكية يمكن تحديده وفق ما يلي:( 41,386,816 – 8,695,038 = 32.691.778 مليار دولار أمريكي).
بالنتيجة لقد رجحت كفة الصادرات والواردات الهندية بعد المقارنة لصالح الولايات المتحدة الأمريكية لتتفوق بذلك على روسيا، لنصل لنتيجة بأن علاقات الهند مع روسيا ليست المعادل الاقتصادي لعلاقاتها مع الأمريكي في حال تخلت عنه بل إن علاقات الهند بالصين هي المعادل للعلاقات الأمريكية- الهندية.
وعلى سبيل التأكيد والإثبات للفكرة السابقة بالنسبة للصين فإن واردات الهند من الصين (87,535,136) دولار أمريكي وهي تفوق نظيرتها من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا بريطانيا متفرقة، كذلك بالنسبة لصادرات الهند إلى الصين التي تبلغ(23,036,597) مليار دولار أمريكي ، كذلك تفوق نظيراتها.
وبالنتيجة – حسب معيار بيانات التبادل التجاري – فإن مصلحة الهند تظهر من خلال نسبة تبادلها التجاري أنّها تصب في صالح العلاقة مع الصين أكثر من الولايات المتحدة الأمريكية التي لا ننكر أنها الشريك الثاني للهند، مما يجعل الهند مجبورة على الموازنة بعلاقاتها الخارجية بين الصين وأمريكا من الناحية الاقتصادية.
وعلى ضوء هذه المقارنة لا يمكن القول بأن الهند بتحديها للعقوبات المفروضة على روسيا أو عبر مساندتها لروسيا باستيراد المواد المحظورة ـ بأنّها تتحدى الأمريكي بتحايلها على العقوبات الأمريكية المفروضة على روسيا ليكون ذلك كإعلان عن تخندقها في المحور الصيني ، الروسي، كوريا الشمالية ، الإيراني، السوري، هذا المحور المناهض للهيمنة الأمريكية وتسلطها العالمي.
بالمجمل إنّ هذا الحدث ذو بعد استراتيجي لأنّ قسمٌ كبير من الدول، إضافة للمساهمة فيها قد تقيّدت بالعقوبات الأمريكية وتخوفت منها على أكمل وجه، لذلك خرق الهند لها ليس حدثاً عادياً، وتجعل المراقب يقول ببداية الحسم، الذي سيكون سبباً محورياً في شاكلة عالم المستقبل أي عالم القطبية المتعددة.
بقلم الدكتور ساعود جمال ساعود