أعرب أحد ضباط المخابرات العسكرية الاسرائيلية في فديو مصور عن خشيتهم من الجيش المصري واصفاً إياه بالخطر الوجودي الوحيد الذي يهد اسرائيل في الشرق الأوسط، مما يطرح تساؤل حول أمكانية توجيه القيادة السياسية الحالية المصرية الحالية للجيش المصري باتجاه معادي لإسرائيل، علماً أن إمكانيات الجيش المصري تمكنه من ذلك, وفيما يلي مناقشة هذه الفكرة:
أولاً: تعود العلاقات بين مصر واسرائيل إلى عقود طويلة، وعلى الرغم من أنها مرت بمراحل متعددة من التوتر والحرب ولكنها سرعانما رست على الهدوء ، ومن أبرز المراحل التاريخية التي شهدت حروباً بين الجانبين كانت:
أولاً: في عام 1948م اندلعت حرب 1948م بين إسرائيل والدول العربية، بما في ذلك مصر. انتهت الحرب بهزيمة مصر واحتلال إسرائيل لشبه جزيرة سيناء.
ثانياً: في عام 1967م اندلعت حرب الأيام الستة بين إسرائيل والدول العربية، بما في ذلك مصر. انتهت الحرب بانتصار إسرائيل واحتلالها لشبه جزيرة سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية.
ثالثاً: في عام 1973م اندلعت حرب أكتوبر بين إسرائيل والدول العربية، بما في ذلك مصر. انتهت الحرب “بهزيمة إسرائيل” وانسحاب القوات الإسرائيلية من شبه جزيرة سيناء.
ثانياً: من أكبر الدلائل ان علاقات الطرفين رست على الهدوء بعد سلسلة من الحروب قيامهما بتوقيع اتفاقيات السلام والتي نلخصها بما يلي:
أولاً: اتفاقية كامب ديفيد: وقعت في 17 سبتمبر 1978، وتضمنت الانسحاب الإسرائيلي من شبه جزيرة سيناء، وإقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين.
ثانياً: اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية: وقعت في 26 مارس 1979، وتضمنت تفكيك القوات الإسرائيلية من شبه جزيرة سيناء، وإقامة منطقة عازلة بين البلدين.
ثالثاً: معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية: دخلت حيز النفاذ في 26 مايو 1980، وتضمنت التزام مصر بضمان أمن إسرائيل، والتزام إسرائيل بضمان أمن مصر.
مثّلت هذه الاتفاقيات تطبيعاً عاماً بين مصر والعدو الاسرائيلي وخروج مصر عسكرياً وسياسياً ومن دائرة الصراع العربي – الصهيوني رغم أنها سابقاً ” صرعت العقول” بفكرهم القومي الذي لم يبقى منه سوى جثة هامدة ينفر الناس من رائحتها، والمهم أنه لم يحدث أي حروب منذ ذاك الوقت.
ثالثاً: ما تزال مصر تتمسك بالتطبيع مع اسرائيل نظرا لجملة النتائج الت قادت لها اتفاقيات التطبيع ، حيث أدت اتفاقيات السلام بين مصر وإسرائيل إلى آثار اقتصادية واجتماعية وسياسية إيجابية على البلدين:
الأثر الأول: الآثار الاقتصادية:
- زيادة التجارة بين البلدين:أدت اتفاقيات السلام إلى زيادة التجارة بين البلدين، حيث زاد حجم التجارة بين مصر وإسرائيل من 50 مليون دولار في عام 1979 إلى 2.5 مليار دولار في عام 2022.
- زيادة الاستثمارات الأجنبية: أدت اتفاقيات السلام إلى زيادة الاستثمارات الأجنبية في البلدين، حيث زادت الاستثمارات الأجنبية في مصر من 10 مليارات دولار في عام 1979 إلى 100 مليار دولار في عام 2022.
- زيادة التعاون الاقتصادي: أدى اتفاقيات السلام إلى زيادة التعاون الاقتصادي بين البلدين، حيث تم إنشاء العديد من المشاريع الاقتصادية المشتركة، مثل مشروع قناة السويس الجديدة.
الأثر الثاني: الآثار الاجتماعية:
- تحسن العلاقات بين الشعبين: أدت اتفاقيات السلام إلى تحسن العلاقات بين الشعبين المصري والإسرائيلي، حيث أصبح هناك المزيد من التواصل والتبادل بين الشعبين.
- زيادة السياحة: أدت اتفاقيات السلام إلى زيادة السياحة بين البلدين، حيث أصبح هناك المزيد من السياح الإسرائيليين الذين يزورون مصر، والعكس صحيح.
بعد توقيع معاهدة السلام، شهدت العلاقات بين مصر واسرائيل بعض التحسن، تم إنشاء علاقات اقتصادية وأمنية بين البلدين، وأصبحت مصر موردا رئيسيا للغاز الطبيعي لإسرائيل.
رابعاً: موقف مصر السياسي في عهد السيسي من القضية الفلسطينية وفوارق المساعي السياسية العسكرية حيث تظهر واضحة، فقد أعرب السيسي عن هذا الموقف في عدة مناسبات، منها في عام 2017، قال السيسي في خطاب له أمام الأمم المتحدة: “إننا ندعم حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية”، وفي عام 2018، قال السيسي في خطاب له أمام البرلمان المصري: “إننا ندعم القضية الفلسطينية بكل قوة، ونؤمن بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة”. وفي عام 2018، عارضت مصر قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ، وفي عام 2019، شاركت مصر في مؤتمر باريس للسلام في الشرق الأوسط، والذي ركز على القضية الفلسطينية ، وفي عام 2023، وافقت مصر على إعادة فتح معبر رفح بشكل تدريجي، وذلك بعد ضغوط من المجتمع الدولي.
خامساً: هناك مقترحات حول قيام مصر بنقل سكان غزة إلى أراضيها، ولكن هنالك عدة أسباب تجعل مصر لا توافق على ذلك منها:
- الاعتبارات الأمنية:ترى مصر أن قطاع غزة هو موقعا متقدما يشتبك مع قوات الجيش الإسرائيلي في الجنوب، ويزعج إسرائيل ويمنعها من تعزيز قوتها. لذلك، تخشى مصر من أن يؤدي نقل سكان غزة إلى مصر إلى زيادة التهديد الأمني على البلاد.
- الاعتبارات الاقتصادية:تعاني مصر من أزمة اقتصادية حادة، ولا تملك الموارد اللازمة لاستيعاب 2 مليون فلسطيني من سكان غزة. كما أن استيعاب هذا العدد الكبير من اللاجئين قد يؤدي إلى تفاقم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية في مصر.
- الاعتبارات السياسية:ترى مصر أن نقل سكان غزة إلى أراضيها سيكون بمثابة اعتراف بشرعية حماس، التي تسيطر على قطاع غزة. كما أن هذا الاعتراف قد يؤدي إلى زيادة النفوذ الفلسطيني في مصر، وهو أمر غير مرغوب فيه بالنسبة للحكومة المصرية.
بالإضافة إلى هذه الأسباب، هناك أيضا بعض العوامل التاريخية والثقافية التي قد تؤثر على موقف مصر من قضية نقل سكان غزة إلى أراضيها. فمصر لديها تاريخ طويل من الصراع مع الفلسطينيين، وقد تكون مترددة في استيعاب مزيد من الفلسطينيين في أراضيها. كما أن هناك اختلافات ثقافية واجتماعية بين الفلسطينيين والمصريين، قد تجعل من الصعب على الفلسطينيين التأقلم مع الحياة في مصر.
ولكن نفتح باب الاحتمالات لنقول: أنه من المهم ملاحظة أن موقف مصر من هذه القضية قد يتغير في المستقبل. فمع استمرار الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، قد تضطر مصر إلى إعادة النظر في موقفها، واتخاذ خطوات لمساعدة سكان غزة.
سادساً: مصر مستعدة للعب دور سياسي يظهر مكانتها الاقليمية وتفوقها العربي الاسلامي زالمشاركة بأي تسوية لإنهاء الحرب ، ولكن ليس للتدخل عسكرياً، وتاريخياً فقد فتحت مصر معبر رفح من قبل لتقديم مساعدات إلى الفلسطينيين، وذلك في عدة مناسبات، منها في عام 2014، فتحت مصر معبر رفح لتقديم مساعدات إنسانية إلى غزة بعد الحرب الإسرائيلية على غزة ، وفي عام 2021، فتحت مصر معبر رفح لتقديم مساعدات إنسانية إلى غزة بعد التصعيد العسكري بين إسرائيل وحماس، ومؤخراً في عام 2023، فتحت مصر معبر رفح لتقديم مساعدات إنسانية إلى غزة بعد الانفجار الذي وقع في مستشفى الأهلي العربي المعمداني في غزة.والمهم هنا أنه عادة ما يتم فتح معبر رفح من قبل مصر بعد ضغوط من المجتمع الدولي، أو بعد وقوع أزمة إنسانية في قطاع غزة ، وتهدف مصر من فتح معبر رفح إلى تحسين الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، ومساعدة الشعب الفلسطيني على مواجهة الأزمة الإنسانية التي يعاني منها. وللملاحظة الدقيقة أنّ مصر قد أغلقت معبر رفح منذ عام 2020م، وذلك بسبب مخاوفها من أن تتمكن حركة حماس من استخدام المعبر لتهريب الأسلحة والعناصر الإرهابية.
سابعاً: الخطير في الموضوع عند التحدث عن احتمال قيام عمل عسكري مصري ضد اسرائيل – في حال حدث- وهذا قطعا لن يحدث، فمن المهم الحديث عن علاقة مصر بحماس، الحقيقة أن مصر تخاف من حماس لعدة أسباب، منها:
- التهديد الأمني: تعتبر مصر أن حركة حماس تهديدا أمنيا لها، حيث تسيطر حماس على قطاع غزة، وهو منطقة حدودية مع مصر. وقد اتهمت مصر حركة حماس بدعم الإرهاب، ونقل الأسلحة إلى الجماعات المسلحة في سيناء.
- التهديد السياسي: تعتبر مصر أن حركة حماس تهديدا سياسيا لها، حيث تسعى حركة حماس إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة في قطاع غزة والضفة الغربية، وهو ما يتعارض مع سياسة مصر، التي تدعم حل الدولتين.
- التهديد الاقتصادي: تعتبر مصر أن حركة حماس تهديدا اقتصاديا لها، حيث تعاني قطاع غزة من أزمة اقتصادية حادة، وقد تؤدي هذه الأزمة إلى تفاقم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية في مصر.
- وتعتبر مصر حركة حماس حركة إسلامية متطرفة، وقد اتهمت مصر حركة حماس بدعم الإرهاب، ونقل الأسلحة إلى الجماعات المسلحة في سيناء. وقد أدى هذا الاتهام إلى تصاعد التوتر بين مصر وحماس، وعلى الرغم من أن حركة حماس قد أعلنت أنها لن تقوم بأعمال إرهابية ضد مصر، إلا أن مصر تبقى حريصة على عدم السماح لحركة حماس بتهديد أمنها.
السؤال الأخير : هل تضحي مصر بعلاقاتها مع إسرائيل من أجل القضية الفلسطينية؟ تتمتع مصر بعلاقات دبلوماسية واقتصادية مع إسرائيل، وقد أدت هذه العلاقات إلى تحقيق فوائد كبيرة لكلا البلدين. وقد ساهمت هذه العلاقات في استقرار المنطقة، ومنع اندلاع صراعات جديدة.
على الرغم من أن مصر تدعم القضية الفلسطينية، إلا أنها لن تضحي بعلاقاتها مع إسرائيل من أجل هذه القضية. فمصر تدرك أن العلاقات المصرية الإسرائيلية ضرورية لاستقرار المنطقة.
د. ساعود جمال ساعود