أثار توقّف المحادثات النووية بين إيران والقوى العالمية بشأن الحرس الثوري توقّفت بعد قرابة شهرين من الخلاف حسب منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي مخاوفاً من فشل المحادثات النووية، ممّا يقضي بشكلٍ شامل على الاتفاق النووي الموقع عام 2015م “.
لا تزال مطالبة إيران للولايات المتحدة برفع تصنيف ترامب للحرس الثوري الإيراني كمنظّمة إرهابية أجنبية، وتصرّ على أنّه لم يكن مصنفاً كجماعة إرهابية عند توقيع الاتفاق، كما أن اللوبي الصهيوني في الداخل الأمريكي يدفع باتجاه بقاء الحرس الثوري الإيراني على قائمة الحظر دون أن يكون الحرس الثوري الإيراني؛ السبب الوحيد الذي إثارة مخاوفهم من إيران بل هنالك أسباب أخرى أهمها ما عبّر عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت: ” أنّ المال الذي ستحصل عليه إيران جراء الاتفاق سيصل إلى … المنطقة، وسيعرضنا ودولا أخرى للخطر، كما سيعرّض القوات الأميركية في المنطقة للخطر”. بالطبع حسب ما صرّح في وقت سابق، وعلى ما يبدو أنّ أصدر مجلس الشيوخ الأمريكي بأغلبية ساحقة قراراً غير ملزم يحظر على إدارة بايدن إزالة التصنيف الإرهابي عن الحرس الثوري الإيراني مقابل إحياء الصفقة.
ما سلف وضع المحادثات النووية أمام مفترق طرق وبرز احتمال توقفها دون أي نتائج فعلية بقوة وثرت التكهنات والسناريوهات حول الموضوع منها السيناريوهات التي وضعها سيد حسين موسافيان مفاوض نووي إيراني سابق عدم إبرام الصفقة وبالتالي الرجوع الأمريكي لسياسة الضغط الأقصى على إيران بالتعاون مع الدول الغربية والعربية في الخليج.
والسيناريو الثاني تقليل التوترات والمساعدة في حل المأزق الحالي عبر إجراءات يتفق عليها من قبيل رفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب مقابل رفع والقيادة المركزية الأمريكية التي صنفتها طهران منظمة إرهابية.
وبالنظر للسيناريو الأول فحسب رأي حسين موسافيان هذا سيدفع طهران أكثر نحو روسيا والصين، وسترفع من قدرة برنامجها النووي، وإلى مستوى صنع الأسلحة كحماية ضد ضربة عسكرية أمريكية أو إسرائيلية”. وتقييماً لهذا السيناريو أجد أنه مبالغ فيه وينطوي على قدر من والبديهية (علاقات إيران مع الصين وروسيا قائمة من قبل ولا تتأثر بالمتغيرات القائمة) اللاعقلانية ( الدخول في السباق النووي يعني تصعيد مقابل غربي غير مسبوق قد ينتهي بخطأ فادح)، وعلى الأغلب ستتجه إيران لمزيد البراغماتية والانفتاح على الخارج بغية حل القضية سلمياً، ولن تتجه للتصعيد نظراً لمغبات ذلك عسكرياً واقتصادياً.
وبالنسبة للسيناريو الثاني لا أعتقد أن الأمريكي ينظر بعين الرهبة لوضع قيادته المركزية بقائمة الارهاب من قبل طهران، ولا يكترث بالأمر نظراً لانعدام الأثار السلبية المرتبة على ذلك ، وعلى هذا الأساس فإن مبدأ المقايضة يتوقف على طبيعة الملفات ولا أعتقد يوجد شيء مهم بالنسبة للأمريكي وحلفائه مثل وصف الحرس الثوري بالإرهاب.
بالمجمل تتمثّل الإيجابية الجوهرية بعودة إيران للمفاوضات النووية بسحب إيران الذريعة من بعض الأطراف التي تريد إعادة طهران إلى أحكام البند السابع لميثاق الأمم المتحدة” بقبولها بالعودة إلى طاولة المفاوضات وفي هذا تعرية للسياسة الأمريكية تجاه إيران، ولكن نجاحها يبقى متوقفاً على مجموعة من المحددات نذكر منها:
أولاً: الهواجس الأمنية: يستدل على أهمية المخاوف الأمنية الأمريكية من إيران مما أدلى به مايكل كوريلا القائد الجديد للقيادة المركزية الأمريكية، حين وصف إيران بأنّها القوة الأكثر زعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط وشدّد على أن الولايات المتحدة لن تسمح لإيران بامتلاك أسلحة نووية، وقال لقناة العربية ” إن مخاوف الولايات المتحدة بشأن إيران تتجاوز قدراتها النووية”.
ثانياً: عدم الحسم السياسي: إنّ الأمريكي لغاية الأن لم يتبنّى قراراً سياسياً حول قضية الضمانات وإخراج أشخاص طبيعيين واعتباريين إيرانيين من قائمة الحظر من قبيل قيام مجلس الشيوخ الأمريكي قام مؤخرا بالمصادقة على مشروع قرار يقضي باستمرار الحظر ضد البنك المركزي الإيراني وكذلك منع إلغاء الحظر المفروض على حرس الثورة الإسلامية.
ثالثاً: مصالح حلفاء أمريكا في مناطق امتداد النفوذ الإيراني: فعلى الرغم من التقارب الأخير بين قطر وإيران من جهة والسعودية وإيران من جهة أخرى إلا أن دول الخليج لديها – كما أبدت وصرّحت- من قبل مخاوف أمنية من التطوّر العسكري لإيران، رغم ما ابدته إيران من حسن نوايا تجاه دول الجوار على لسان مسؤوليها ولكن لغير فائدة، هذا مرتبط بملفات أخرى موضع خلاف بين دول مجلس التعاون الخليجي والإيراني مثل ملف الوجود الأجنبي في المنطقة.
رابعاً: الضغوطات الداخلية: وتتمثّل بضغوطات اللوبي الصهيوني على الإدارة الأمريكية لأنه ليس من مصلحة “اسرائيل” التي تخشى على أمنها ووجودها من إيران بأنّ يتم رفع توصيف إرهابي عن الحرس الثوري هذه القوة المرعبة بالنسبة “لإسرائيل”.
خامساً: انهيار سياسة كبح اللجام” الأمريكية ، أي انهيار الخطط الأمريكية للحد من تقدّم إيران: هذا على المستويات كافة، إذ أنّ رفع العقوبات سيعود بمنافع جمّه على إيران اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وسيؤهل إيران لبلوغ مراتب متقدمة من التطوّر سينعكس سلباً على الولايات المتّحدة الأمريكية جرّاء شبكة التحالفات التي تجمع إيران مع دول معادية للنهج الأمريكي.
وبالنتيجة إنّ ما سلف مجموعة من المحدّدات التي يتوقف نجاح المحادثات النووية عليها وما تبقى من محدّدات مهم لا ننكر ذلك، ولكن يبقى ما تم إيراده محوري أكثر من غيره، وإذا لم يتم تجاوز هه العقبات وإيجاد تسويات لها، فإنّها ستؤدّي إلى فشل المحادثات من الجهة الأمريكية، وأجزم أن هذه المسائل المحورية لن يتم تجاوزها وإن قدمت أمريكا تنازلات جزئية وصيغ معينة فكذلك سيكون رفع العقوبات مدروس وجزئي.
الدكتور ساعود جمال ساعود