بقلم: الدكتور زياد الهاشمي /العراق / باحث واستشاري في الاقتصاد والنقل الدولي.
تحرير: د. ساعود جمال ساعود
يشرح الدكتور زياد الهاشمي، فيقول: لطالما سعت الصين على مدى عقد من الزمان إلى بناء شبكة نقل برية وبحرية واسعة، لضمان وصول سلس لمنتجاتها إلى أسواقها في أوروبا وغرب آسيا، حيث تجسد هذا المسعى في مبادرة “الحزام والطريق“، التي اعتمدت على مسارات بحرية تقليدية، إضافة إلى مسارات برية سككية جديدة، فبينما كان “الممر الشمالي“ يربط الصين بأوروبا عبر روسيا، بدأ العمل لاحقاً على تطوير “الممر الأوسط“ الذي يمر بآسيا الوسطى ثم تركيا قبل أن يصل إلى أوروبا.
حول منعكسات التغيرات الجيوسياسية يقول الدكتور العراقي: “جاءت المصالحة التاريخية بين أذربيجان وأرمينيا لتفتح باباً جديداً في هذه اللعبة” الجيوسياسية”، حيث تضمن الاتفاق إنشاء ممر بري استراتيجي يربط أذربيجان بتركيا، هذا الممر الذي أُطلق عليه اسم “ممر ترامب“، سيعمل على تسهيل التدفقات التجارية بين الشرق والغرب، وتحت إشراف وتمويل وإدارة أمريكية.
قد يبدو هذا الممر في ظاهره تحدياً للمصالح الصينية، إلا أن الصين قد ترى فيه فرصة ثمينة، فلكي يحقق هذا الممر الجدوى الاقتصادية، يحتاج إلى تدفقات تجارية ضخمة ومستمرة لتغطية تكاليف التشغيل المرتفعة، وهو ما لا يمكن تحقيقه دون التجارة الصينية الهائلة، وبذلك ستكون الولايات المتحدة مضطرة للتفاوض مع الصين، والسماح لها باستغلال الممر مقابل رسوم عبور، وإلا فإن المشروع برمته مهدد بالفشل، وفي هذا السياق، تبرز تركيا كأحد أكبر المستفيدين من هذا المشروع، إذ سيعزز الممر ارتباطها البري الاستراتيجي مع أذربيجان، ويضمن مرور البضائع الصينية عبر أراضيها وصولاً إلى أوروبا، وهذا سيولد عائدات وفرص عمل هائلة للاقتصاد التركي.
في خضم هذه التحولات، قد تجد إيران نفسها خارج دائرة المنافسة، بعد أن كانت تأمل في أن يمر “الممر الأوسط“ الصيني عبر أراضيها، ومع ذلك، لا يزال لديها بصيص أمل في إنشاء وصلة سككية تربطها بالممر القادم من الصين، لزيادة حجم تبادلها التجاري معها. هنا يعلق رئيس مركز الدراسات قائلاً: (ما كتبه الدكتور الهاشمي، يوضح أهمية التحرك السريع لإيران لإجراء مفاوضات مع الصين بهدف تجنيبها التداعيات الجيو- إقتصادية والجيوسياسية وترابطها بالملف الأمني، ومقتضيات حماية الأمن القومي الإيراني). يتابع د. هاشمي: ورغم ذلك فإن دورها في ربط الشرق بالغرب سيتلاشى، بينما يبقى أملها معلقًا على “الممر الجنوبي“ الصيني الذي لا يزال قيد الدراسة.
أما العراق، فموقعه الجغرافي يجعله بعيداً عن هذه الشرايين التجارية الحيوية، لكن الفرصة لا تزال قائمة أمامه لربط مشروع “طريق التنمية“ الخاص به بالمنظومة السككية التركية، بما يمنحه منفذًا إلى أوروبا.
في المحصلة، يبدو أن كلاً من الصين وتركيا هما أكبر الرابحين في هذه اللعبة الجيواقتصادية المعقدة، بينما تبرز إيران كخاسر رئيسي، أما الولايات المتحدة، فسيتوقف حساب الربح والخسارة لديها على قدرتها على التفاوض مع الصين، فإذا أخفقت في إبرام اتفاق يسمح لها باستغلال الممر، فإن مصير مشروعها سيكون الفشل.