بقلم: الدكتور السيد حيدر جواد الخفاجي – كلية العلوم السياسية – جامعة بغداد – العراق الحبيب.
تمثل الانتخابات في جوهرها عملية ديمقراطية منظمة، يجري من خلالها اختيار ممثلين للشعب في مواقع صنع القرار سواء في السلطتين التشريعية والتنفيذية أو في الهيئات المحلية والنقابية. وهي ليست مجرد إجراء شكلي للتصويت، بل وسيلة تمنح المواطنين الحق في المشاركة الفعلية بصنع القرار وتعزز شعورهم بالانتماء والمسؤولية تجاه وطنهم. كما تضفي الشرعية على السلطة من خلال التصويت الحر والنزيه الذي يمنح الفائز قبولًا شعبيًا ويحد من التوترات السياسية والاجتماعية.
وإضافة لما سلف، تُعد الانتخابات فرصة لتجديد النخب السياسية وإتاحة المجال لقيادات جديدة قادرة على تقديم برامج واقعية تلبي احتياجات المجتمع. فهي أداة لمحاسبة المسؤولين من خلال حرمان غير الكفوء من الاستمرار في مواقع السلطة، في مقابل دعم من يثبت نجاحه. وبذلك تصبح الانتخابات وسيلة لتعزيز المساءلة وضمان التزام المسؤولين بمصالح المواطنين، فضلًا عن كونها آلية سلمية لتداول السلطة وتجديد شرعيتها.
أما المشاركة السياسية بشكل عام، فهي ركيزة أساسية للديمقراطية، إذ تتيح للمواطنين التعبير عن آرائهم والانخراط في الشأن العام من خلال الانتخابات، الاستفتاءات، الانتماء إلى الأحزاب والنقابات، أو الانخراط في منظمات المجتمع المدني، إضافة إلى أشكال التعبير المباشر كالمظاهرات السلمية ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي التي أصبحت ساحة لصناعة الرأي العام. ومن هنا تتجلى أهمية المشاركة في كونها تعزز شرعية النظام السياسي، وتقلل احتمالية اللجوء إلى العنف أو الفوضى، كما تسهم في رفع مستوى الوعي السياسي وتحقيق العدالة وتكافؤ الفرص بين مختلف فئات المجتمع.
غير أن هناك ظاهرة أخرى شائعة، تتمثّل بضعف الثقة بالعملية السياسية التي تؤّدي إلى اللامبالاة الشعبية والتي تتجسد بشيوع حالة من عدم الاهتمام أو ضعف الاكتراث التي يبديها المواطنون تجاه قضايا الشأن العام، مثل السياسة أو الانتخابات أو القرارات الحكومية أو حتى القضايا الاجتماعية. وهي تعكس فجوة بين المجتمع ومؤسسات الدولة، إذ يشعر الأفراد أن مشاركتهم أو رأيهم لن يغير شيئاً، أو أن العملية السياسية غير مجدية لهم.
ومن أهم مظاهر اللامبالاة الشعبية هي ظاهرة العزوف الانتخابي، حيث يعبر المواطن عن رفضه للوضع القائم بالمقاطعة والامتناع عن التصويت، وهو ما يعد شكلاً من أشكال الاحتجاج الصامت الذي يكشف هشاشة العلاقة بين المواطن والدولة. فالعزوف ليس مجرد موقف فردي، بل رسالة جماعية تعكس الاستياء من الأداء السياسي والسياسات المتبعة، مما يهدد شرعية العملية الانتخابية ويضعف التمثيل السياسي الحقيقي.
وبالنسبة للتداعيات، هناك العديد من الأثار السلبية التي تترتب عن انتشار العزوف السياسي بين صفوف المواطنين، أبرزها انخفاض نسب المشاركة، وتراجع شرعية السلطة، واستمرار الوجوه التقليدية في الحكم دون محاسبة، فضلًا عن تعميق الانقسامات السياسية وزيادة الفجوة بين المجتمع والدولة، وهو ما يؤدي إلى إضعاف العملية الديمقراطية وجعلها أكثر عرضة للأزمات.
ولمعالجة هذه الظاهرة (العزوف عن المشاركة السياسية)، يقترح الدكتور والباحث السياسي والقانوني حيدر الخفاجي، في خلاصة دراسته الموجزة والمركزة، ضرورة القيام باتخاذ مجموعة من الإجراءات، منها:
أولاً: تعزيز الثقة بالعملية الانتخابية عبر ضمان النزاهة والشفافية ومراقبة الانتخابات محليًا ودوليًا.
ثانياً: إصلاح النظام السياسي والانتخابي بما يكفل تمثيلًا عادلًا لمختلف الفئات والشرائح الاجتماعية.
ثالثاً: تمكين الشباب والمرأة وإتاحة الفرصة أمام القيادات الجديدة لدخول الحياة السياسية عبر قوانين وتشريعات داعمة.
رابعاً: تنشيط دور الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني لتكون قادرة على تأطير مطالب المواطنين وتحويلها إلى برامج عملية.
خامساً: رفع الوعي السياسي من خلال التعليم والإعلام لتعزيز إدراك المواطن بأهمية صوته في صناعة التغيير.
سادساً: تحسين الأداء الحكومي عبر مكافحة الفساد وتقديم خدمات ملموسة تعزز ثقة المواطن بالدولة.
بالنتيجة، إن تطبيق الخطوات السابقة، يمكن قدر الإمكان من تحويل الانتخابات من مجرد آلية شكلية إلى فرصة حقيقية للتغيير والإصلاح، وضمان مشاركة واسعة تجعل العملية السياسية أكثر فاعلية وشرعية واستقراراً.