أحد أهم أهداف اعتراف إدارة بايدن بالإبادة الجماعية للأرمن على يد العثمانيين في هذا التوقيت بالذات، هو إعادة تعويم رئيس الوزراء الأرميني “باشينيان” الذي تعرض لانتقادات شديدة من قبل شعبه وجيش بلاده، بسبب أدائه السيء خلال الحرب الأخيرة في قاره باخ، والتي تم تحميله مسؤولية الهزيمة التي لحقت ببلاده على إثرها.
باشينيان أعلن استقالته من رئاسة الوزراء عقب القرار الاميركي الخاص بالاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن، تمهيداً لإجراء انتخابات مبكرة في حزيران المقبل، كما أعلن أنه سيخوض تلك الإنتخابات.
باشينيان الغير مرغوب به من قبل روسيا، والذي عمل منذ وصوله للسلطة إلى اتباع سياسة التخلي عن روسيا، إلى الحد الذي قطع معه كل العلاقات التي تربط بلاده بها،والإتجاه لتقوية علاقاته بالولايات المتحدة التي كان لها دور بارز في وصوله لرئاسة الوزراء، كان قد زار اسرائيل وأعرب عن استعداده لنقل السفارة الأرمنية إلى القدس.
في حرب “قره باغ” الأخيرة، تعمّد باشنيان التأخر لمدة شهر في طلب المساعدة الروسية لوقف التقدم الأذري المدعوم من تركيا، ظناً منه أن الولايات المتحدة ستهب لنجدته في حينها، ولم يكتفي بذلك بل إنه وبعد أن فرضت روسيا كلمتها، وأوقفت الحرب التي كانت تتجه وفق ما تريده أذربيجان وتركيا، سارع إلى إطلاق تصريحاته المهينة للسلاح الروسي، عندما ادعى أن صواريخ اسكندر الروسية التي أطلقها الجيش الأرميني في معركة قره باغ لم تنفجر، مما دفع بوزير الخارجية الروسي للرد عليه عندما أوضح أن ارمينيا لم تستخدم صواريخ اسكندر في الحرب، في حين اعتبر رئيس لجنة العلاقات الروسية الأرمينية في مجلس الدوما الروسي، أن تصريحات “باشينيان” هي تسويق للدعاية الكاذبة التي يبثها الملياردير اليهودي الامريكي “جورج سورس” عن السلاح الروسي.
في كتابه “رقعة الشطرنج الكبرى” زيبغينو بريجنسكي أن بلقنة دول منطقة القوقاز وأوراسيا التي تضم أكثر من 400 مليون نسمة، يجب أن يكون هدفاً للولايات المتحدة لضمان تفردها في قيادة العالم، عبر تدخلها في الصراعات التي ستحدث داخل دول هذه المنطقة، إدارة بايدن التي أعادت صياغة استراتيجية الولايات المتحدة بطريقة تحاكي رؤية بريجنسكي في جوانب كثيرة منها، أصدرت قرارها الأخير بالاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن كجزء من هذه المحاكاة بعد فشل محاولاتها الاخيرة في كل من اوكرانيا وبيلاروسيا ، ولم يفوت الرئيس بايدن عند إعلانه القرار أن يتغزل بالشعب الأرمني ويذرف عليه دموع التماسيح، وكذلك لم يفوت باشينيان أن يرحب بالقرار الامريكي ويعتبره دليلاً على عمق العلاقات مع الولايات المتحدة.
ما يهم الولايات المتحدة وربما ما تخطط له، هو تقوية باشينيان وأنصاره للعودة إلى السلطة، أو على الاقل لاصطناع اضطرابات في هذا البلد على طريقة الثورات الملونة عقب الانتخابات القادمة، والتي لا يحظى فيها باشينيان بحظوظ تذكر.
والهدف الأكبر للولايات المتحدة هو افتعال الاضطرابات في منطقة القوقاز على الحدود الجنوبية لروسيا، وفي منطقة أوراسيا استكمالاً لمخططها الذي يرمي للتأثير وإفشال وعرقلة التحالف الروسي الصيني الإيراني.
م. حيان نيوف