في 18/ أيلول/ 2023مـ تداولت وسائل الإعلام السورية أمس تفاصيل الاجتماع الذي عقدته الهيئة العامة لمجلس الأعمال السوري الصيني سبل تطوير التعاون الاقتصادي بين سورية والصين، وتعزيز دور مجلس الأعمال في هذا الإطار، لتوسيع آفاق التعاون بين البلدين، لتشمل مختلف المجالات، أكد خلالها السفير المفوض فوق العادة لجمهورية الصين الشعبية لدى سورية شي هونغوي عمق الصداقة التاريخية بين البلدين، وأن التعاون الاقتصادي والتجاري جزء مهم من العلاقة بين البلدين رغم التأثير الخطير للعقوبات أحادية الجانب غير الشرعية التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية والغرب على سورية.
يعود تفعيل علاقات الصين وسورية صداقة إلى أغسطس عام 1957م، حيث شهد هذا العام، وصول أول سفير صيني إلى دمشق تشن تشي فانغ، وصولاً إلى مارس عام 1986م، حيث أقام حزب البعث السوري علاقات حزبية ودّية مع الحزب الشيوعي الصيني، وظهر التفاهم السوري الصيني عبر تأييد الصين جهود سورية لاستعادة الجولان المحتل مقابل تأييد سورية موقف الصين في قضية تايوان؛ هذه المواقف السياسية التي أثمرت وأنتجت مشاريع عملية عدّة من قبيل ما حدث في أيار1991م إذ أقيمت في سورية جمعية الصداقة السورية- الصينية، كذلك أقيمت جمعية الصداقة بين البرلمان السوري والمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني في مايو 1999م ، وصولاً إلى عام 2004م خلال زيارة الرئيس السوري بشار الأسد للصين، حيث طرح الرئيس الصيني {هو جين تاو} ثلاثة مقترحات لتطوير العلاقات الصينية السورية، وهي حسبما ذكرها موقع chainatodt.com.cn :
أولاً: تعزيز التبادل السياسي بين البلدين. الحفاظ على تبادل الزيارات والاتصالات الرفيعة المستوى، توسيع التبادل الودي بين البرلمانين والحزبين وأبناء شعبي البلدين، وتوثيق التشاور والتنسيق بين البلدين والأجهزة الحكومية في البلدين حول القضايا الهامة والشؤون الدولية.
ثانياً: توسيع التبادل الاقتصادي والتجاري بين البلدين، مع تواصل تحسين التعاون بين البلدين في المرافق الأساسية والغزل والنسيج والأجهزة الكهربائية المنزلية، إبراز تفوق البلدين المتكامل، واستكشاف مجالات تعاون جديدة، وتعزيز التعاون في البترول والاتصالات والزراعة والعلوم والتكنولوجيا، الخ بين البلدين.
ثالثاً: دفع التبادل والتعاون بين البلدين في التعليم والثقافة والسياحة والصحة. تعزيز المعرفة والصداقة بين الشعبين، لإرساء أسس راسخة لتطوير العلاقات بين البلدين.
وفي ظل الحرب على سورية منذ 2010م، فقد أيدت الصين سورية بحربها على الإرهاب واستعادة كامل أراضيها وسيادتها، وساندت سورية بما تملك من مكانة في مجلس الأمن، مع تأييد كامل الجهود الدبلوماسية في مسارات الحل السياسي وفق جنيف واستانا وسوتشي، هذه المواقف أفرزت أرضية مناسبة لمجالات أخرى من التعاون أبرزها الاقتصادي، وضمنت ثبات سورية في الخندق الصيني المناهض للهيمنة الأمريكية.
وبالعودة إلى التاريخ، بدأ التبادل التجاري بين الصين وسورية منذ زمن بعيد، حيث وصل طريق الحرير القديم المشهور دمشق وتدمر في سورية، والذي جعل من سورية ركيزة محورية في مشروع طريق الحرير الصيني العالمي التوجّه، كما يذكر أن الصين وسورية وقعتا الكثير من اتفاقيات التعاون الاقتصادي والتجاري، من أهمها:
- اتفاقية التجارة والدفع (ديسمبر 1955).
- اتفاقية التجارة والتعاون الاقتصادي والتكنولوجي (فبراير 1963).
- اتفاقية التجارة (1972).
- اتفاقية التجارة الطويلة المدى (1982).
- اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمار (1996).
- اتفاقية التجارة والتعاون الاقتصادي والتكنولوجي (2001).
- اتفاقية منع الازدواج الضريبي (مارس 2003) الخ، وأقامت الحكومتان الصينية والسورية لجنة اقتصادية وتجارية مشتركة.
الجميل بالموضع ما لفتت الانتباه إليه نائبة رئيس جمعية الصداقة السورية – الصينية، أميرة ستيفانو في عام 2018م حين قالت أن علاقات الصين وسوريا الدبلوماسية تعود لـ 61 آنذاك، بينما لعلاقات التجارية تعود لمئات السنين، وقالت ستيفانو في لقاء خاص مع وكالة “سبوتنيك“: “الصين تنظر إلى سوريا على أنّها من المناطق الأكثر ضعفا للنفوذ الغربي في منطقة الشرق الأوسط، حيث التقت عام 2002 أهداف السياسة الخارجية السورية مع المساعي الصينية الهادفة إلى زيادة نشاطها الاقتصادي عندما طرح الرئيس السوري بشار الأسد استراتيجية تحويل سوريا إلى قاعدة لنقل الغاز ومنطقة تجارة حرة تصل الشرق بالغرب عبر ربط البحار الخمسة، وهذا ما رأت فيه الصين إحياء لطريق الحرير لتشكيل أطول ممر اقتصادي رئيسي في العالم “.
ولقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين وسورية في عام 2003م قرابة 94ر506 مليون دولار أمريكي؛ ارتفع إلى 57ر720 مليون دولار أمريكي في عام 2004م.
احتلت الصين المرتبة الأولى عام 2010م بين الشركاء التجاريين لسورية بنسبة تصل إلى 6.9 من إجمالي التجارة السورية، خلال سنوات الأزمة حيث تشير التقديرات إلى أن قيمة التبادل التجاري تزيد عن مليار دولار”.
وصولاً إلى يناير 2022م حيث وقعت الصين وسوريا اليوم (الأربعاء) على مذكرة التفاهم الخاصة بالتعاون بين الحكومتين الصينية والسورية ضمن مبادرة الحزام والطريق في دمشق، الأمر الذي نبعت أهميته آنذاك من المواءمة بين مبادرة الحزام والطريق واستراتيجية التوجّه شرقاً المطروحة من قبل سورية.
هناك الكثير من الأسباب التي باتت معروفة حول قيمة سورية ومكانتها في المشروع الجيوسياسية الصيني الذي يؤهلها بخطواته العملية إلى استعادة مجدها الإمبراطوري وهذا ليس مبالغة، والمهم بالنسبة للصين خو أهمية الموقع الجيوسياسي لسوريا للصين: • نقطة انطلاق للوصول إلى الأسواق الأوروبية والإفريقية: تقع سوريا على البحر الأبيض المتوسط، مما يجعلها نقطة انطلاق مثالية للصين للوصول إلى الأسواق الأوروبية والإفريقية. يمكن للصين استخدام سوريا كنقطة عبور لبضائعها إلى هذه الأسواق، مما سيساعدها على تقليل تكلفة النقل وزيادة قدرتها التنافسية. • عقدة استراتيجية للربط بين آسيا وأوروبا وأفريقيا: تقع سوريا في قلب الشرق الأوسط، مما يجعلها عقدة استراتيجية مهمة للربط بين آسيا وأوروبا وأفريقيا. يمكن للصين استخدام سوريا كنقطة عبور لاستثماراتها ومشاريعها في المنطقة، مما سيساعدها على تعزيز نفوذها في هذه المنطقة الحيوية. • مصدر للاستقرار في الشرق الأوسط: تعاني منطقة الشرق الأوسط من عدم الاستقرار، مما يشكل تحديًا للمصالح الصينية في المنطقة. ترى الصين أن سوريا يمكن أن تكون مصدرًا للاستقرار في الشرق الأوسط، مما سيساعدها على تحقيق مصالحها الاقتصادية والتجارية في المنطقة. اهتمام الصينيين بأهمية الموقع الجيوسياسية لسوريا في شرق المتوسط، باعتبارها عقدة جغرافية مهمة في المشروع الصيني لذا سورية جزء أساسي بمبادر الحزام والطريق، والحرب التي اندلعت ضد سوريا جعلت الصين تشعر بالقلق حيال هذه العقدة الجيوستراتيجية العالمية بالنسبة لخطوط الإمداد العالمي.
وبالتأسيس على ما سبق من غير الغريب ما تشهده العلاقات السورية الصينية من تطورات بينية عميقة التأثير، لأن الرصيد التاريخي مليْ بالتعاون والتنسيق سياسيا واقتصادياً بدافع المصالح والحاجات المتبادلة، واليوم يأتي الأسباب السياسية الناجمة عن جملة المتغيرات الإقليمية والدولية التي باتت معروفة للقاصي والداني لتعمق هذه التعاون وترتقي به لمستوى تحالف استراتيجي، فما لا تسطيعه سورية بالاقتصاد تسطيعه بالسياسية والموقع.
د. ساعود جمال ساعود