وجّه اللواء باقري رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة في 16/9/2022م، رسالة تحذيرية لدول المنطقة حول التعاون مع النظام الصهيوني على صفحته الشخصية ، حيث صرّح سردار باقري في رسالته بأن عضوية النظام الصهيوني في القيادة المركزية الأمريكية ستجعل مرافق التجسس (وحتى العملياتية) لأمريكا وحلفائها متاحة للنظام الصهيوني المغتصب ، وهذا سيزيد من التهديد لبلدنا الحبيب”. ونقل الرسالة عبر وزارة الخارجية إلى الدول المضيفة للجيش الأمريكي”، ومما قاله رئيس الأركان الإيراني :” نحن نستعد ونحذّر … نصيحتنا الدائمة والودية لدول الجوار هي الأخوة والتعاون لترسيخ أمن المنطقة من قبل دولنا وعدم الاعتماد على الأجانب”. وبالتدقيق ، إنّ رسالة اللواء باقري بما فيها من مضامين وعبارات ذات دلالة، لم تأتي من فراغ بل لها جذور أيديولوجية، ولم تأتي لأسباب أمنية وسياسية فقط، ولم يكن تصرّفه فردي بل عبّر عن موقف الدولة الإيرانية ككل، ولقد كان لرسالته دوافع تاريخية وواقع وجودي يمس أمن ووجود إيران ويحول دون تطور علاقتها الخارجية مع محيطها بما ينعكس سلباً بشتى المجالات.
وبالعودة للرسالة، فإنّ عبارة الدول (المضيفة للجيش الأمريكي) التي استخدمها اللواء باقري تسلط الضوء على أحد أهم الخلاقات والملفات العالقة بين إيران من جهة ودول مجلس التعاون الخليجي من جهة أخرى ألا وهي مسألة أمن الخليج الفارسي أو كما يسّمى إعلامياً “الخليج العربي” ، حيث تقف هذه القضية الشائكة، إضافة إلى العديد من القضايا الأخرى التي تحول دون الوصل إلى توافق وتنسيق بين الطرفين الإيراني والخليجي. وبالفعل هذا مثير للقلق بالنسبة لإيران لأن منشآت التجسس (وحتى العملياتية) لأمريكا وحلفائها ستكون تحت تصرف الكيان الصهيوني الغاصب، ولكن هذا لن يمر مرور الكرام! بل لا بدّ سيقابله من الجانب الإيراني توسيع وجود وتعميق الدوريات الجوية والبحرية، وتعميق النخب الاستخبارية، والقيام بعمليات بحرية مختلفة، والتمارين الصاروخية والطائرات المسيرة … الخ حسب وكالة تسنيم الإيرانية.
أتفق مع الآراء القائلة بأنّ عضوية الجيش الصهيوني في القيادة المركزية الأمريكية ، تزيد من احتمال قيامه بنشاط عسكري في المنطقة الجغرافية للقيادة الإقليمية للجيش الأمريكي ضد إيران، لذا من حقها التوجس والحذر من هذا الوجود والتخطيط للتصدّي له في حال حصل أي عمل عسكري معادي، وليس موضوع المقال أن أقوم بمناقشة عضوية اسرائيل بالقيادة المركزية وماهية مخاطره على إيران ومحاسنه لغيرهم، بل سأركز على قضية أمن الخليج التي تعتبر موضع خلاف بين الفرقاء الفاعلين هناك وأعني بالتحديد إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، على أن ندرس بحياد قدر الإمكان
بالطبع لا ننسى تعليق وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس في 16/1/2021م، على قرار واشنطن ضم بلاده إلى القيادة المركزية الأمريكية، حيث قال:” إنّ القرار “سيعزز القرار التعاون بين الجيش الإسرائيلي والجيش الأمريكي في مواجهة التحديات الإقليمية، جنبا إلى جنب مع صداقات إضافية ومصالح مشتركة”. علماً أنّ القيادة المركزية الأمريكية تأسّست عام 1983م وتشرف وتدير على الأعمال العسكرية لأمريكا بما في ذلك في أفغانستان وسورية واليمن والعراق، ولقد تزايد خطر هذه القيادة أو المقر الأمريكي للعمليات العسكرية إن صح القول بعد اتفاقيات إبراهام، وتحديد القواسم المشتركة بين الأمريكي والإسرائيلي ومن سار بركبهم ضد ما يسمونه تهديدات إقليمية، وبالطبع كانت إيران في مقدمة مخاوفهم، والمسألة التي أناقشها هي الوجود الأجنبي بشكل عام بكونه موضع خلاف بين الدول المطلة على الخليج الفارسي أو العربي حسب تسمية الطرفين الإيراني والخليجي.
يعلم القاصي والداني أنّ هناك تناقض علني في موقف الطرفين الإيراني والخليجي من مسألة أمن الخليج الفارسي، حيث ترى إيران في الوجود الأجنبي في منطقة الخليج الفارسي لا سيما الأمريكي، تهديداً مباشراً لأمن الخليج عامّةً ولأمّنها القومي خاصّة، وتعتبر أنّ أمن الخليج من مسؤولية دوله الثماني المتشاطئة عليه، الأمر الذي يعني رفض إيران للوجود الأجنبي في تلك المنطقة، وتطلق لقب الأجنبي على أي طرف خارج الدول الثماني، ولقد ترجمت إيران مقترحاتها بشأن ترتيبات أمن الخليج العربي إلى مبادرات فعلية عبر محاولاتها الهادفة لتعزيز مصالح الأطراف كافّة، ومن أمثلة تلك المحاولات اقتراح وزير الدفاع الإيراني في نوفمبر/ 2006م على دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية توقيع معاهدة للدفاع والأمن، بهدف ضمان أمن منطقة الخليج خصوصاً ما يتعلّق بتطوير ترتيبات دفاعية وعسكرية، وتنظيم مناورات مشتركة وتفعيل عمليات مكافحة الإرهاب وتهريب الأسلحة والمخدرات .
وفي مقابل هذه الرؤية الإيرانية، انتهجت دول مجلس التعاون الخليجي عامّة خيار التحالف مع القوى الكبرى في النظام الدولي كالتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية، تأسيساً على منطلقين: أوّلها: أنّ دول الخليج تعد من ضمن الدول الصغرى التي يحيط بها دولاً مجاورة لديهم عناصر قوة أكثر تفوقًا كمً ونوعاً.
وثانيها: الخبرة التاريخية السلبية لبعض الدول الخليجية مع بعضها ومع الدول المجاورة لها، ومثالها الغزو العراقي لدولة الكويت عام 1990م الذي كان سبباً في التحوّل الجذري في ابتداع دول الخليج لما سمّوه بنظرية (الخطر من داخل المنطقة)، وليس من خارجها كما كان سائدًا تقليدياً.
ولقد تولّد الخلاف بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي بهذا الشأن بناءً على اختلاف مضمون الرؤيتين حول أمن الخليج، فقد وقع الخلاف بين الطرفين، ومازال مستمراً لغاية الوقت الراهن، إذ أنّ أغلب الدول الكبرى التي تحالفت وتتحالف معها دول الخليج بما فيها الكويت، تعتبر من الدول تتبنّى نهجاً معادياً لنهج ومصالح الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بدليل تحالف إيران مع روسيا والصين مثلاً مقابل تحالف دول الخليج بالتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وأمّا بالنسبة لتفسير أسباب التواجد العسكري الأمريكي الكثيف، فإنّ بعض الباحثين الامريكيين يرجعه إلى تنامي القدرات العسكرية الإيرانية التي يتوقّعون أنّها قد “تستهدف” دول الخليج بها، وكما يردّوه إلى التخوّف من مقدرة إيران على إنتاج أسلحة متطوّرة خاصّة بها مع تقليّل اعتمادها على الغرب في هذا الأمر.
يكمن الخلاف بين إيران والخليجي فيما يخص مسألة أمن الخليج بوجود عددٍ من القواعد العسكرية الأمريكية في دول الخليج التي ترى بأمريكا شريك وحليف سياسي وعسكري موثوق يؤمن لها الحماية والتقدّم في عالم لغاية اليوم يحكمه القطب الواحد، الأمر الذي يزعج إيران لإدراكها لحقيقة الأهداف الأمريكية من تواجدها بمنطقة الخليج كتأمين معابر نفطها مثلاً، ومن أمثلة القواعد الأمريكية في الكويت قاعدة معسكر الدوحة التي تعتبر أهم القواعد الأمريكية الموجودة بالكويت، هذه القاعدة التي تقع شمال غرب مدينة الكويت، على بعد 60 كم من الحدود مع العراق، فيها أكثر من 10 آلاف جندي أمريكي متمركزين بها، ومشاة البحرية ، و1000 دبابة، وأقسام للطائرات المقاتلة والمروحيات، كما تضم الكويت عدة معسكرات أخرى تابعة للقاعدة الأمريكية منها قاعدة “علي السالم” الجوية التي تضم الفرقة الجوية رقم 386، إضافة إلى معسكر التدريب فرجينيا، وعلى العموم مهما تكن أراء دول الخليج جمعاء ومواقفها الرافضة للرؤية الإيرانية، فإنّها لا تستطيع منع المشاركة الإيرانية في أمن الخليج لاعتبارات سياسة وأمنية، ولأنّ الموقع الجغرافي لها يفرض نفسه بحكم التجاور بينهم، إضافة إلى الثقل الاستراتيجي الذي تمثّله إيران في منطقة الشرق الأوسط على شتّى النواحي.
وبالخلاصة إنّ الخلاف حول أمن الخليج بين الطرفين الإيراني والخليجي ناجمة عن تقدير اعتبارات المصلحة والأمن القومي للطرفين، لقد كانت هذه الاعتبارات المنطلق الذي جعل دول الخليج تقيم علاقات متعددة الجوانب مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهي السبب في السماح بإقامة القواعد العسكرية الأمريكية على أراضيها، وبالنسبة لإيران، فقد كانت اعتبارات حماية الأمن القومي وما زال سبب الرفض الإيراني للوجود الأمريكي في منطقة الخليج العربي.
بقلم الدكتور ساعود جمال ساعود