بقلم الدكتور حيدر جواد الخفاجي – كلية العلوم السياسية – جامعة بغداد – العراق الشقيق.
ان الانظمة السياسية هي الإطار العام الذي تُدار من خلاله شؤون الدولة وتُنظم فيه العلاقة بين السلطات الحاكمة من جهة، وبينها وبين المواطنين من جهة أخرى.و يقوم النظام السياسي على مجموعة من القواعد والمؤسسات والآليات التي تحدد طبيعة الحكم، وشكل السلطة، وكيفية ممارستها، ومدى خضوعها للمساءلة والرقابة.
وتختلف الأنظمة السياسية باختلاف طبيعة بنيتها الفكرية والمؤسسية، فمنها الأنظمة الديمقراطية التي تقوم على المشاركة الشعبية والتعددية والفصل بين السلطات، ومنها الأنظمة السلطوية أو الاستبدادية التي تتركز فيها السلطة بيد فرد أو نخبة محدودة، وغالبًا ما تعاني من ضعف في المشاركة والشفافية.
وعند الحديث عن الأنظمة السياسية، يبرز أيضا الفرق بين الأنظمة المستقرة وغير المستقرة. فالأنظمة المستقرة تتميز بوجود مؤسسات قوية وشرعية راسخة، حيث تُحترم القوانين والدساتير، ويتم تداول السلطة بشكل سلمي ومنظم، كما أن ثقة المواطن بمؤسسات الدولة تكون مرتفعة، الأمر الذي يمنحها القدرة على إدارة الأزمات بآليات مؤسساتية دون الانزلاق نحو الفوضى. في المقابل، فإن الأنظمة السياسية غير المستقرة غالباً ما تعاني من ضعف الشرعية السياسية وهشاشة المؤسسات، إضافة إلى غياب الثقة بين الحاكم والمحكوم، وتكثر فيها الصراعات الداخلية على السلطة، مما يجعلها أكثر عرضة للأزمات أو أكثر ميلاً إلى اصطناعها.
سواءا على المستوى الداخلي ، وغالبا ما تكون ذات طبيعة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، مثل الانقسامات الحزبية والبطالة والتضخم والاحتجاجات والتي تُعد من أخطر التحديات التي تواجه الأنظمة السياسية، لكونها تنشأ من داخل البنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وغالباً ما تعكس اختلالات عميقة في إدارة الحكم وقد تكون خارجية كالحروب والتدخلات الدولية والنزاعات الحدودية.
وهناك أيضاً الأزمات المفتعلة أو المصدّرة، وهي التي تُصنع عمداً لأغراض سياسية بهدف التغطية على أزمات داخلية أو لصرف أنظار الرأي العام عن فشل في إدارة الدولة.
وغالبا ما تعمد الأنظمة السياسية غير المستقرة،عندما تجد نفسها عاجزة عن مواجهة الأزمات الحقيقية المرتبطة بالاقتصاد أو المجتمع أو الفساد، إلى صناعة أزمة وهمية أو تضخيم أحداث ثانوية لتتحول إلى قضية وطنية كبرى تشغل الرأي العام وتغطي على مواطن الضعف في إدارة الدولة و قد تلجأ إلى افتعال أزمة خارجية مع دولة مجاورة أو قوة إقليمية لتوحيد الداخل خلفها،
وتهدف هذه الممارسات إلى تحقيق عدة غايات، أبرزها الحفاظ على بقاء النظام السياسي في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وتوجيه أنظار المجتمع بعيداً عن المشكلات الحقيقية مثل الفقر والبطالة والفساد، فضلاً عن إضعاف المعارضة وتشويه صورتها، إضافة إلى حشد الدعم الشعبي عبر اللعب على المشاعر الوطنية أو القومية.
غير أن هذه الأهداف لا تتحقق إلا بشكل مؤقت، فالنتيجة على المدى القصير قد تتمثل في كسب النظام لوقت إضافي واستعادة شيء من السيطرة، أما على المدى الطويل فإن الأزمات الحقيقية سرعان ما تتفاقم ويزداد فقدان الثقة بين الشعب ومؤسسات الحكم، الأمر الذي قد يقود في نهاية المطاف إلى انهيار النظام أو اندلاع ثورات شعبية.
ومن أجل معالجة هذه المعضلات، لا بد من تبني آليات إصلاحية جادة تركز على تعزيز الشرعية السياسية عبر المشاركة الشعبية والديمقراطية، وتقوية المؤسسات الدستورية بما يضمن استقلال القضاء وفاعلية البرلمان وحرية الإعلام. كما يتعين إدارة الأزمات بموضوعية من خلال آليات وحلول واقعية، مع الالتزام بالشفافية والمساءلة في محاربة الفساد وضمان نزاهة الحكم. وإلى جانب ذلك، تحتاج الأنظمة إلى انتهاج سياسة خارجية متوازنة تتجنب افتعال الأزمات أو تصديرها، والعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة بما يقلص الفوارق الطبقية ويعزز الاستقرار الداخلي.