بالتأكيد ليست الديمقراطية وحقوق الإنسان وحق تقرير المصير ما يدفع الأمريكيين إلى المساومة إلى تايوان والتعهد بتقديم الدعم السياسي والعسكري في حال عملت الصين على إرجاعهم إلى الوطن الأم. هذا التعهد الذي قدمه جورج بوش الأبن سابقاً وأعاده ترامب بعد انتخابه، واليوم رئيسة الكونغرس في عهد بايدن تقوم بزيارتها الدورية إلى تايوان والتي سبقها زيارة العديد من المسؤولين، ترافقها أساطيل عسكرية لحمايتها هذا الإجراء الاستفزازي الذي يهدف إلى منازعة الصين في حقها التاريخي والحضاري الأمر الذي يهدّد أمنها القومي؛ هذا الأمن الذي لا يقبل التجزء، فلم يمضي زمنٌ طويل على اجتماع اللجنة المركزية التاسعة عشر للحزب الشيوعي الصيني، حيث أكّد الرئيس تشي جي بينغ على ما سمّاه الأمن القومي الصيني بمعناه الشمولي والعام كإشارة صريحة وواضحة منه إلى تايوان التي يعتبرها جزء من أمن الصين ككل في تصريح مباشر من الرئيس الصيني حول عدم سماحه بالمحاولات الداعمة للانفصاليين، وقطعه للطريق على من يحاول العمل على فصل الصين (الأم) عن تايوان (الأبنة).
إضافة لما سبق فقد مجّد الرئيس الصيني بمبدأ (دولة واحدة ونظامان) أي الاشتراكي السائد في الصين أو ما يعرف اليوم بنموذجها العالمي الرائد (الديمقراطية الصينية ذات الخصائص الاشتراكية) من جهة، والرأسمالي السائد في هونغ كونغ المقرر عودتها لحضن الصين عام 2047م ، حسب الاتفاقية البريطانية- الصينية، حيث تمكّنت الصين من تلافي عيوب كلا النظامين وتعويضها بمحاسن الأخر، إذ ثبت أنّه لا يوجد أيدولوجية سياسية أو اقتصادية ولا تجربه تنموية إلا ويعتريه سلبيات وايجابيات من الواجب تداركها في سبيل النهضة والتقدم.
الغريب هنا أنّ أمريكا تدرك أن تايوان مسألة أمن قومي، وبالنسبة للصين، مما يدفع للتساؤل ما الذي يجعلها تتمسك بدعمها لتايوان ومحاولة انفصالها رغم درايتهم أكثر من غيرهم أن الصين اليوم غير صين الأمس، ولعل الأسباب التخمينية التي يجمع عليها الباحثين كثيرة منها: أن تايوان ورقة بيد أمريكا لزعزعه أمن الصين في مناطق نفوذها، والضغط على الصين بخصوص ملفات دولية حساسة كعلاقتها مع روسيا وايران، ونشاطها الأقتصادي المتزايد.
على الرغم من صوابيه ما سبق لكونه يصور أجزاء من حقيقة الأمر بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، ولكن السبب الوجيه قد يكون بالرغبة بضبط أمريكي لمناطق الفوز بينهما وبين القوى العالمية، فعلى سبيل المثال تتنافس اليوم الصين وأمريكا على القاره الأفريقية بشكلٍ ملفت للانتباه للإستفادة من الميزات والموارد الاستراتيجية لها، والتي تتمتع بها تلك المنطقة التي اعرفها تكفل لهما التفوق العالمي واستمرار الوجود وسد حاجاتهما الديموغرافية والاقتصادية المتزايدة كنوع من الحسابات المستقبلية لهما، لذا إنّ هذه الاجراءات تشكّل نوعاً من الضغط لتحقيق التوازن وضبط الوجود في مكان أخر من مناطق النفوذ العالمية المتنافس عليها.
خلاصة القول، إن كلامنا سالف الذكر لا ينفي ما لتايوان من أهميه بالنسبة لأمريكا، ونضيف لا سبق إن مضيق تايوان ذات أهمية استراتيجية للتجارة الدولية على غرار أهمية بحر الصين الجنوبي الذي تقع هونغ كونغ على سواحله إذا أنّه مخزون طاقوي بالنسبة للصين وأمريكا؛ لذا تندرج الافعال الأمريكية في تايوان ضمن اطارين أولهما استثمار الطاقة لحرمان الصين من تحقيق طفره اقتصادية تحرم امريكا من عرش القطبية الأحادية عالمياً، وثانيهما: تسوية توزيع النفوذ والأدوار في مناطق النفوذ المتواجدين فيها لذا غالباً ستمر هذه الهجمات الإعلامية التي يشهدها العالم بين الطرفين الصيني والأمريكي بسبب تايوان بدون أي إجراءات عسكرية عكس ما يروج له القطيع الأوسع من السياسيين والإعلاميين في الوقت الراهن.
بقلم الدكتور ساعود جمال ساعود