أعلنت الصين في 16/9/2022م، أنّها ستفرض عقوبات على المديرين التنفيذيين لشركتين للدفاع والفضاء لديهما دور وحصّة في صفقة أسلحة بقيمة 1.1 مليار دولار لتايوان، التي تحاول الانفصال عن الوطن الأم بتحريض ودعم أمريكيين؛ الأمر الذي تقف الصين ضده وتحاربه لكونه شأن داخلي.
في مؤتمر صحفي في بكين ، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية ماو مينغ أن الحكومة الصينية، قررت فرض عقوبات على رئيس شركة Raytheon، والرئيس التنفيذي جريج هايز ورئيس مجلس إدارة شركة Boeing ومديرها التنفيذي تيد كولبيرت.
والخطير بالأمر هو اختصاص هذه الشركات، ونوعية الأسلحة، حيث Boeing Defense)) هي الشركة المصنعة الرئيسية لصواريخ، بينما شركة ((Raytheon Sidewinder ونظام الرادار. وفيما لو وصلت هذه الأسلحة لكان حدثاً نوعياً يضر بالصين ويفاقم المخاطر الانفصالية لبعض شرائح التايوانيين.
ولقد أكدّت الصين أن مبيعات الأسلحة الأمريكية لتايوان، تنتهك مبدأ الصين الواحدة، وأحكام الإعلانات المشتركة الثلاثة ، التي تشكّل أحد الركائز التي تبنى عليها العلاقات الدبلوماسية الأمريكية- الصينية ، وتعتبر معيار ( علني ) للحكم على تدهور أو ازدهار العلاقات بينهما سياسياً من جهة، وعسكرياً من جهة أخرى ولكن في حال تدهور الأمور، وهنا قال ماو تسي تونغ:” إنّ الصين مصمّمة على حماية سيادتها وأمنها”. وبالطبع هذا شرعي وقانوني.
ودعا المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، الولايات المتحدة إلى الالتزام بمبدأ الصين الواحدة والتزاماتها في الإعلانات المشتركة، ووقف مبيعات الأسلحة والاتصالات العسكرية مع تايوان، وتجنب خلق عوامل خطر جديدة قد تؤدي إلى التوتر في مضيق تايوان، هذه الدعوات تأتي بعد سلسلة الاستفزازات الأمريكية التي بدأت بزيارة بيلوسي لتايوان وما أعقبه من مناورات صينية، برسائل مضمنه أن تايوان شأن صيني بحت ولا يسمح لأحد بالتدخل.
وللتذكير إنّ سياسة الصين الواحدة هي سياسة تُشدد أنه لا توجد سوى دولة واحدة ذات سيادة تحمل اسم الصين، على عكس فكرة وجود دولتين: الأولى جمهورية الصين الشعبية، والثانية جمهورية الصين (تايوان)، كما يختلف مفهوم «الصين الواحدة» عن «مبدأ الصين واحدة»، وهو المبدأ الذي يصر على أن كلا من تايوان والبر الرئيسي للصين أجزاء لا تتجزأ من «صين» واحدة.
وأما بخصوص البيانات الثلاثة التي من المفترض هي موضع التزام واتفاق بين الطرفين الأمريكي والصيني، يمكن التذكير بمضمونها لتوضيح منافاته للأفعال الأمريكية وهي:
أولاً: البيان الأول (فبراير 28، 1972م): والمعروف ببيان شنغهاي، يلخص الحوار التاريخي الذي ابتدأ بين الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون وتشو انلاي رئيس الوزراء الصيني في فبراير 1972. بعض القضايا التي تم تناولها في البيان شملت رؤية الطرفين حول فيتنام، شبه الجزيرة الكورية، الهند وباكستان واقليم كشمير. وربما الأهم اتفاق الطرفين على احترام السيادة الوطنية للاخر والنزاهة الإقليمية. الولايات المتحدة ابلغت الصين بشكل رسمي برغبتها بصين موحدة غير مجزئة.
ثانياً: البيان الثاني (1 يناير 1979)، البيان المشترك حول ترسيخ العلاقات الدبلوماسية، ويعلن بشكل رسمي عن بدء العلاقات الطبيعية بين الولايات المتحدة وجمهورية الصين الشعبية. وبه تعترف الولايات المتحدة بأن حكومة جمهورية الصين الشعبية وحدها الحكومة الشرعية للصين. بالإضافة إلى اعلان حكومة الولايات المتحدة انها قد تنهي العلاقات الرسمية مع جمهورية الصين الوطنية (تايوان)، بينما تحتفظ بالروابط الاقتصادية والثقافية معها. كلا الطرفان أكدا رغبتهما لتقليل خطر التضارب الدولي إضافة إلى تجنب السيطرة على أي دولة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
ثالثاً: البيان الثالث والاخير (17 أغسطس 1979)، المعروف أيضا ببيان 17 أغسطس. يؤكد من جديد على رغبة كل من الطرفين بتقوية الاواصر الاقتصادية، التعليمية، العلمية والتكنلوجية. وكلا الطرفين اعادوا تأكيد التصريحات بخصوص قضية تايوان المذكورة في البيان السابق. رغم عدم الوصول إلى استنتاج نهائي بخصوص قضية مبيعات السلاح لتايوان، الولايات المتحدة اعلنت نيتها لتقليل مبيعات السلاح لتايوان بشكل تدريجي.
والمخالفة العلنية التي تعتبر بمثابة تملص وتخلي أمريكي عن الإلتزام بالبيانات الثلاثة يرسخ الإنكار الأمريكي لمضمون سياسة الصين واحدة، والدليل الصارخ إعلان الحكومة الأمريكية بقيادة الرئيس الأمريكي جو بايدن أمام الكونجرس في 2 سبتمبر أنّها تخطط لبيع ما مجموعه 1.1 مليار سلاح ، بما في ذلك 60 صاروخًا مضادًا للسفن من طراز Harpoon و 100 صاروخ Sidewinder لدعم أنظمة رادار التتبع الإلكترونية.
وبالنظر لما حصل من قبل الشركتين الامريكيتين، وبالاستناد إلى قانون لمواجهة العقوبات الخارجية رسمياً الذي تم إقراره العام 10/6/2021م، فإنّه يمكن الحكومة من فرض عقوبات وقائية ضد الكيانات والأفراد الأجانب الذين يتدخلون في الشؤون الداخلية للبلاد، كجزء من العقوبات ، مثل رفض إصدار التأشيرة ، وحظر الدخول إلى الصين ، وإلغاء التأشيرة ، والترحيل ، ومصادرة الممتلكات المنقولة وغير المنقولة، وجميع أنواع الأصول في الصين ، وتجميد وحظر العلاقات مع القانون الصيني الكيانات والأفراد.
وبالمجمل يحصل هذا التدهور الظاهر في العلاقات الأمريكية – الصينية سياسياً وأمنياً على الرغم من أن العلاقات التجارية مستمرة قدماً والدليل الميزان التجاري بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية الذي بلغ عام 2019م(295,530,720) دولار أمريكي، إذ ارتفعت الصادرات والواردات بين الطرفين لتصل في عام 2021م إلى (396,153,652) دولار أمريكي، لذا يمكن تفسير ما يجري حول تايوان بأنه إدارة صراع ليس أكثر لأن بقية جوانب العلاقات مستمرة فعلياً رغم التناقض السياسي الظاهر سواء حول تايوان أو العلاقة مع روسيا أو الوجود في أفريقيا و غيره من ملفات دول الشرق الأوسط.
تحليل الدكتور ساعود جمال ساعود