تناقلت بيانات رسمية حول الإنتاج الحالي في ظل الحرب، “” أنّ الشركات التابعة للمؤسسة الحكومية تنتج ما بين 10 آلاف و10.5 ألف طن من الإسمنت يومياّ لتغطي ما بين 60 و65 في المئة من حاجة السوق المحلية””. وهذا ما يحتاج لتصريح رسمي يطلعنا على صوابية هذه الأرقام التي لا نأخذها من أفواه أصحاب العلاقة.
وفي سبيل الاطلاع عن كثب على حال صناعة الإسمنت، فقد أجرى تلفزيون البعث (b.tv) لقاءً تلفزيونياً مع خلف حنوش رئيس الاتحاد المهني لنقابات عمال البناء ومروان غبرا مدير عام المؤسسة العامة للإسمنت ومواد البناء، تم توجيه العديد من الأسئلة الهامة كان أبرزها لمروان غبرا: لما قرار صناعة الإسمنت في سورية مبعثر وغير منظم؟ ليجيب ” إن المؤسسة العامة للإسمنت مؤسسة منتجة للإسمنت، وبالتالي حدود تعاملها مع هذا الملف يقتصر على الإنتاج، حيث نسلّم إنتاجنا لمؤسسة العمران المؤسسة المسؤولة عن التسويق لمنتجاتنا”.
كما أوضح أن سنوات الحرب قد أثرت سلباً على صناعة الإسمنت موضحاً ذلك بقوله: “إنّ 70% من صناعة الإسمنت يقوم على الطاقة”؛ وبالفعل شهدت نقصاً من حيث توفرها وارتفاعاً حاداً في أسعارها، إضافة قطع التبديل من الخارج ، وهما حساسان للتغيرات في الأسعار، فكان من الطبيعي أن تشهد ارتفاع تكاليف الإنتاج، رغم ذلك تمتلك سورية نقاط قوة منها الكادر الفني البشري.
ولقد أوضح مروان غبرا: ” إنّ أخذ أي قرار حول صناعة الإسمنت يتطلب التفاعل بين عدة محاور والتي حددها بوزارة الصناعة التي تمثل المحور الإنتاجي الأوّل، الجهات المسؤولة عن الطاقة” محور الطاقة”، ومحور التمويل، ومحور المادة الخام”.
وأما خلف حنوش رئيس الاتحاد المهني لنقابات عمال البناء فقد أوضح في سؤال موجه له عن تقييمه لأداء العمال في قطاع صناعة الإسمنت، مجيباً:” متواجدين كتنظيم نقابي بكل تفاصيل العملية الإنتاجية مثلاً التنظيم النقابي بخمسة أعضاء وهنالك لجان إدارية بالقطاعين العام والخاص” وأوضح أن مكتب النقابة بكل محافظة يتواصل مع كل شركة تواجه صعوبات.
وبالتعقيب ، إن الحالة التي عليها صناعة الاسمنت اليوم تفترض طرح المزيد من الأسئلة على المسؤولين المعنيين بالأمر لتحديد أبعاد المشكلة بكل وضوح، ويظهر من مقابلة تلفزيون البعث مدى تمتع السيدين غبرا وحنوش بالمصداقية والشفافية والصراحة، ولكن من خلال متابعة حلقة النقاش التي أجراها تلفزيون البعث، أعتقد أنه كان يتوجب على الطرفين الضيوف والمضيفين توضيح مسائل أخرى غير التي تم تناولها لأنّها تساههم بتقديم توضيح شامل عن واقع الحال بالنسبة لصناعة الإسمنت من قبيل عدد الشركات العاملة والأخرى المتوقفة، والطاقة الانتاجية لكل شركة على حدا، وتعاون القطاعين العام والخاص بهذا المجال، والحديث عن أمكانية طرح مناقصات عامة مع الدول الحليفة للاستثمار بهذا المجال، والصعوبات على الصعيدين الداخلي والخارجي، والحديث عن نسب إحصائية عن الإنتاج العام ومقارنته بالكمية التي تحتاجها الدولة، فعلى سبيل المثال قبل عام 2010م كان الإنتاج 8 مليون طن وكان هنالك نهضة عمرانية أجبرت سورية على استيراد 10 مليون طن وهذا ما أكده مدير عام المؤسسة العامة للإسمنت.
بالنتيجة ما يزال قطاع صناعة الإسمنت يعاني بشكل لا ينكر من أثار الحرب ومفرزاتها من قبيل عمليات التدمير، وعدم قدرة الحكومة على إيقاظه بسبب شح السيولة النقدية، عدم دخول المستثمرين للدخول في شراكات تعيد تأهيل القطاع مرة أخرى نتيجة للظروف العامّة التي سببها الحرب والعقوبات الجائرة، وتوقّف العديد من المصانع بسبب الحرب منها شركة الشهباء في حلب مثلاً، كما أن معظم خطوط الإنتاج باتت قديمة، وصولاً إلى القيود المفروضة على الدولة السورية بشأن حصولها على تمويلات خارجية بسبب العقوبات الأميركية، لذلك من المبكر القول بعودة صناعة الإسمنت لما كانت عليه قبل الرب من حيث سد الاحتياجات المحلية الأمر الذي يجب تداركه مع بدايات الشروع بمرحلة إعادة الإعمار راهناً ومستقبلاً.
بقلم الدكتور ساعود جمال ساعود