إن أكثر الاسئلة تداولا اليوم إزاء المشهد المذهل الذي يحصل في فلسطين تدور فيما إذا ستشهد المنطقة العربية حرباً إقليمية أم لا؟! نظراً لتدخل حزب الله والدعم الإيراني والسوري الذي لا يخفى على أحد مقابل تدخل الأمريكيين إلى جانب الإسرائيليين، وبرأينا المتواضع إن لهذا السؤال الكثير من الأسئلة التي توجب طرحه من قبيل المذكور بالنقاط الأتية:
أولاً: حجم الإرباك المعنوي الذي تلقاه الكيان قادة وجيشاً ومستوطنين لدرجة أثارت الرعب بقلوبهم، إذ هو الهجود الأول من نوعه الذي كسر هيبة اسرائيل، وحطم الهالة الوهمية التي يحيطون كيانهم بها إعلامياً وعسكرياً، مما ولّد عندهم الشعور بالذل والهوان والرغبة العارمة بالانتقام وهذا ما عكسته تصريحات قادة الكيان.
ثانياً: كسر الخطوط الحمر لدى الإسرائيلي التي كانت سبب قوته ومصدرها ومنها: اقتحام المستعمرات – قتل قادة كبار – تدمير بنى تحتية – إثارة الرعب لدى المستوطنين – هذه الأمور أحرجت قيادة الكيان أمام شعبهم والرأي العام العالمي، لذا إنّ استعادتهم للتوازن وإعادة بناء الصورة السابقة في أذهان دول العالم لا سيما العرب، الأمر الذي يقتضي من إسرائيل رداً مدمراً ضد الفلسطينيين وهذا ما سيقومون به.
ثالثاً: إعلان الدعم الأمريكي والأوربي للكيان الإسرائيلي وقيام الولايات المتحدة باستقدام المدمرة جيرالد فورد مع 25 طائرة حربية، تستخدم المحيط الإقليمي العربي لفلسطين ، وتوجيه إنزار للدول المحيطة بفلسطين لعدم التدخل لا سيما دول محور المقاومة سورية ولبنان والعراق، وهذا يُفهم منه أن الأمريكي يريد حصر الحرب بين حماس وإسرائيل مع تقديم كامل الدعم، كما يفهم من تصريحات وزير الخارجية الأمريكي: “أن إيران لا دور لها بهذه الحرب” ، إرادة الأمريكيين بعدم تأجيج الوقف أكثر وعدم امتداده إقليمياً بل حصره داخلياً وأي رغبة بحرب إقليمية تشارك بها إيران وسورية والحشد العراقي وحزب الله اللبناني.
رابعاً: قيام اسرائيل بنشر دباباتها على طول الحدود اللبنانية بعد استنجاد حماس ببقية قوى المقاومة الأخرى، ورأينا مبارحة حزب الله يقصف 12 صاروخ عصر الأثنين، واستشهاد ثلاثة من حزب الله كما طلب الحزب من اليونيفل أن تخلي نقاطها الحدودية حاسماً أمره بالتدخل بالتوقيت الذي يحدده، والمناوشات بينهم وبين الحزب بدأت منذ اليوم الثاني ولكن تدخّل محدود صاروخياً، وإن زيادة قصفه لإسرائيل من وجهة نظري يعتمد على الغزو البري الإسرائيلي لغزة وبمقدار قسوته وتدميره سيكون تدّخل حزب الله، وذلك لإيجاد نوع من التوازن وتخفيف عبئ الضربات الإسرائيلية على حماس والمدنيين، لذلك يمكن القول إن كيفية ومقدار تعامل اسرائيل أثناء الاجتياح البري هو أبرز المحددات المستقبلية لتدخل حزب الله وكثافة هذا التدخل في هذه الحرب.
خامساً: بخصوص تدخل سورية ودوره في قيام حرب إقليمية فإنه غير متوقع لعدّة أسباب رغم أن قرار البدء بالحرب كان من قبل دول محور المقاومة وليس من قبل اسرائيل ومن هذه الأسباب:
- عدم المقدرة على ضبط وتوقع الرد الأمريكي في الشرق السوري.
- تبلغ أعداد المسلحين 100 الف مسلح مازالوا في الشمال السوري.
- عدم مقدرة سورية على الصمود طويل الأجل أمام كيان خصص 23 مليار دولار للإنفاق العسكري عام 2023م.
- عدم امتلاك سورية حلفاء موثوقين على مستوى الدول لدرجة أن تأمن دخول الحرب بجانبهم.
- سورية كعنصر بشري واقتصادي مستنزفة.
- الألة العسكرية السورية بحاجة لإعادة تحديث بما يتناسب مع حروب الجيل الرابع والخامس، وبحاجة أيضاً إلى اتخاذ تدابير استباقية غير موجودة بدليل كارثة الكلية الحربية.
- الانتقام من الضربة الإسرائيلي على سورية ليس سبباً كافياً لدخول حرب إقليمية بل يكون دعم المقاومة بشكل غير مباشر وهذا يكفي في الحالة التي وصل لها الشعب السوري.
سادساً: بخصوص إيران: يمكن القول إن المعركة بالأساس إيرانية – فلسطينية بامتياز دعماً وتسليحاً وتكتيكاً ومساندة سياسية وإعلامية، وهي ترهق اسرائيل بطريقة الحرب بالوكالة أكثر من حربها المباشرة لأنها تستنزفها ببطئ، وتحمل رسائل سياسية للكيان مضمونها: إنكم لستم أكفاء لمواجهة إيران.
سابعاً: بالنسبة للدول العربية التي هي بالأساس خارج معادلة الصراع العربي- الإسرائيلي، ولهم مبرراتهم بحجة البراغماتية والأمر الواقع ووسائلهم لتجنب الدمار الذي لحق بالدول المناهضة لإسرائيل، فليس كل دول المحور كإيران وليس فصائل المقاومة كحزب الله، ويعملون لإيجاد تناسب بين حجمهم من جهة وشعاراتهم السياسية وسياساتهم من جهة أخرى، وعلى هذا الأساس فإن أدوارهم تنحصر بمحاولات التوسط وتوقيع الهدنة لا غير.
بالنتيجة لا لن يكون هناك حرب إقليمية موسعة تشارك بها سورية والعراق ولبنان ككل بل سنشهد حرب جبهات القصد منها الإرباك وإرهاق العدو كما في الحالة السورية عبر قصف الجولان بصواريخ سورية في حين لا يمكن قصف اسرائيل من دمشق لأن الرد غير محسوب ولا محمود العواقب، لذا اتوقع أن يشتد الصراع بين حماس و”اسرائيل” بدعم أمريكي، وستصب إسرائيل جم غضبها ونيرانها على مدن الضفة الغربية وستكون أمام مشهد مليء بالقتل والدمار لكي تستعيد هيبتها يساعدها ترسانة اسلحتها والدعم الأمريكي العالمي مقابل مخزون يستمر بالتناقص لفصائل المقاومة التي كسرت هيبة اسرائيل، وإن أي حرب مقبلة بمثل هذا التكتيك والجرأة ستكون كفيلة بقرب زوال الكيان بالفعل وشريطة الدعم القوي من دول المقاومة اللامحدود ولا نغفل أن تكثيف حزب الله للقصف بالوقت الراهن يعني نقل المعركة لأرضه وجلب الدمار للبنان المثقل سياسياً وإعلامياً، لذا إن حركات الحرب مدروسة وبدقة وتتوقف على إحلال التوازن فقط.