بناء على تسريبات من أحد الجهات الاستخباراتية العالمية، تفيد بمقربة هجوم إسرائيلي على غزة، وضرورة التحرك المسبق، ” تزعم مصادر” بأن حماس تلقفوا الخبر وعملوا عليه، فكانت الصدمة ممثلة ” بطوفان الأقصى” طوفان حصد الالاف في مده وجزه ومن الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، ولغاية اليوم تعاد الحسابات لجدواه السياسية والعسكرية والاقتصادية لتبقى موضع تساؤل.
يحيى السنوار القائد العسكري والمخطط كان له اليد الطولى في طوفان الأقصى، أشيع حوله الكثير في الرواية الإعلامية الإسرائيلية إذ قيل أنه ” حبيس الأنفاق لا يعرف للشمس نوراً “، لتأتي أحداث اغتياله وبالصدفة والتي نمّت عن عجز استخباراتي اسرائيلي، فالسنوار ” أسد الأقصى ” كان يقاتل جنباً إلى جنب مع جنوده على مرأى الإسرائيلي.
هلل الإسرائيلي وكبر لمقتل السنوار، الحدث الذي حسّن صورة نتنياهو أمام الرأي العام الداخلي الإسرائيلي بعد اتهامات بتجارته بدماء الرهائن، حيث ربط تغييب السنوار بضعف حماس ومقربة الإنجاز عليها، ما أعطاه دفعا معنوياً على غرار نشوة النصر التي إنتابتهم بعد أغتيالهم لقمر بني هاشم حسن نصر الله، وبالفعل حماس غاب قادتها، وأصبح بقائهم معلقاُ على ترسانتهم العسكرية والاستراتيجيات التي سيتبعوها في ظل التفرد الإسرائيلي بالجبهة الشمالية وصعوبة الإمداد من بقية دول المحور.
إيران قصفت إسرائيل في رد سمته بالقانوني بما يفوق الـ 200 صاروخاً ولكن لمدة 15 دقيقة فقط، لا تكفي لتغير مسار الأحداث على أرض الميدان ليتحمل العبئ الأكبر بذلك حزب الله في لبنان الذي ينوب عن الأمة الإسلامية بأكملها في حال وجدت أمه تحمل هذا الاسم، وكذلك حوكة حماس في غزة، ولكن يبقى لحزب الله ميزاته الأقوى نسبياً من حماس.
حزب الله وكلمة حق للتاريخ بحقه:” لولاه لما صمدت حماس لغاية الأن”، فطوفان الأقصى من ناحية التكتيك على المدى القصير نجحوا، ولكن استراتيجياً على المدى البعيد هي مسألة تحتاج لتقييم دقيق وتطرح تساؤلات وتقييمات كثيرة، ومقارنة صغيرة بين نوعية العمليات العسكرية التي يقوم بها وبين عمليات حماس وبين نوعية أسلحته وأسلحة حماس تكفي للحكم بقوة حزب الله، الحزب الذي انتقل من استراتيجية العمل علناً وعلى مرأى الاستخبارات الإسرائيلية إلى العمل بالخفاء مانحا العدو ما نشره وروج له إعلامياً على أنه حقائق، فالحزب ما زال بكامل هيكليته التنظيمية ووفق الخطط الاستراتيجية والأهداف المحددة يسير وبانتظام، يؤرقه عامل واحد ألا وهو استهداف المدنيين وتهجيرهم، ولكن مسألة وتلافاها بعد إعلان الأمين العام على لسان نائبه الانتقال إلى استراتيجية إيلام العدو.
سلسلة من الإخفاقات واجهت “إسرائيل” جردت أحاديثها عن تحقيق اهداف حربها المستمرة في غزة على مدار 381 يوماً من مضمونها، لتعود الى المشهد الإعلامي والسياسي بعد اغتيال يحيى السنوار رئيس المكتب السياسي لحماس الموصوف إسرائيليا بعقل حماس المدبر متجاوزاً أحاديث الأهداف إلى التخطيط ” لليوم التالي” مفترضه ان ازاحه السنوار عن المشهد السياسي والعسكري سيكون له وقعه القاسم لظهر حماس مستعيدة الافتراض ذاته عقب اغتيال السيد نصر الله، ولكن يبدو أن لوقائع الميدان رأي أخر.
بسلاحه وجعبته ووجها لوجه مع الاسرائيلي استشهد السنوار؛ مشهدٌ تضمن الاف الرسائل يقابلها الاف الدلائل، فالحرب دخلت مرحلة اللا العودة مرحله ما يسمى ” كسر العظام” ليحق وصفها بالحرب الوجودية بينما تفسّر الرواية الإسرائيلية ما جرى بكونه بداية النهاية لتاتي عمليات الفصائل الفلسطينية قائلة: إن النهاية لا تزال بعيده”.
على مدار الساعة تستمر المقاومة بعملياتها ملحقه الخسائر بالإسرائيليين محتفظة بالرهائن كورقه رابحه يعوض الاسرائيلي عجزه عن هدفه بكسبها بمجازر اودت بما يفوق الـ 42 الف شهيداً وأكثر من 99 ألف جريح واستهداف للبنى التحتية والمراكز الصحية والواقع يدون .. ومخيم جباليا يشهد، 80 شهيدا حصيلة 18 يوماً من الحصار وقطع منافذ الإنقاذ، لتتوالى عمليات الاجرام الممنهج والاستهانة بالدماء والمقدسات.
تكريس مظاهر التهويد وسلخ الجغرافيا الفلسطينية عن هويتها لا يبدو أنه محض لعبه بل حقيقه تسعى اسرائيل جاهده لها، صابغه مساعيها بأحلام توراتيه تجعل فلسطين ولبنان منطلقا لما تسميه “اسرائيل الكبرى”.
هي أوقات حساسة تمر على المقاومة الفلسطينية في ظل ظرف أقليمي متوتر وتصعيد متزايد، يجعل مستقبلها رهناً لدقة الاستراتيجيات العسكرية والسياسية واستدامة اللوجستيات لا سيما مخزونها العسكري في ظل سياسة تقطيع الاوصال وفك وحدة الساحات سياسة، سياسة يزيد من وقعها حياد عربي قاتل يكتفي بالإدانات والشجب دون مخرجات مؤثره بالواقع وسط تكشف الجهود السياسية لواشنطن على حقيقتها، وانعدام التأثير الفاعل لمجلس الأمن في ردع “إسرائيل” في حين يستعر التنديد العالمي رفضاً للأجرام الاسرائيلي ضد شعب فلسطين، لتبقى الحرب مستمرة في ظل اصرار نتنياهو على تغيير الخارطة الجيوسياسية للمنطقة، غير آبه بالمجتمع الدولي وقوانينه مستندا الى دعم امريكي مطلق كانت منظومات ” ثاد” وتصريحات الدعم على لسان مسؤولي واشنطن أكبر دلائله.
د. ساعود جمال ساعود
رئيس قسم الدراسات السياسية في مرصد طريق الحرير