تُعد نظرية الصدمة والرعب (Shock and Awe) واحدة من أبرز الاستراتيجيات العسكرية الحديثة التي تهدف إلى تحقيق السيطرة السريعة على العدو، من خلال الجمع بين القوة المادية والتأثير النفسي. على الرغم من أن جذور هذه النظرية تعود إلى مبادئ الحرب النفسية القديمة، فإن تطورها الحديث جاء مع الحروب عالية التقنية في أواخر القرن العشرين، حيث أصبح من الضروري ليس فقط التفوق العسكري، بل التأثير النفسي المكثف على العدو لإجباره على التراجع أو الاستسلام بسرعة. تم صياغة النظرية بشكل أكاديمي على يد جاي غروسمان وآرثر كبلر، وركزت على إمكانية تحقيق سيطرة شاملة على ساحة المعركة خلال ساعات أو أيام معدودة، بدلًا من الحروب الطويلة. ولعبت الحرب العراقية عام 2003 دورًا مهمًا في تطبيق النظرية عمليًا، حيث اعتمدت القوات الأمريكية على ضربات مكثفة للبنية التحتية الحيوية ومراكز القيادة والاتصالات لفرض السيطرة السريعة. نظرية الصدمة والرعب تقوم على ثلاثة عناصر أساسية تعمل معًا بشكل متكامل:
أولها: التفوق العسكري والتكنولوجي الذي يظهر منذ اللحظة الأولى للهجوم، حيث يتم استخدام قوات ضخمة وأساليب متطورة تشمل الأسلحة الدقيقة، الطائرات الحديثة، أنظمة الاستطلاع والمراقبة، والقدرات السيبرانية لتعطيل اتصالات الخصم وشل قدرته على التنسيق. هذا التفوق لا يهدف فقط إلى تدمير القدرات المادية للعدو، بل إلى إقناعه منذ البداية بأن المعركة خاسرة.
أما العنصر الثاني: فهو إحداث الصدمة النفسية التي تجعل العدو يشعر بالعجز والارتباك، وذلك عبر الضربات المركزة التي تستهدف مراكز القيادة والسيطرة والبنية التحتية الحيوية، بالتزامن مع بث رسائل إعلامية وحرب نفسية تعزز الانطباع بانهيار منظومته الدفاعية.
ويأتي العنصر الثالث ليكمل المعادلة: وهو الإجبار على الاستسلام أو الشلل، إذ تؤدي قوة الصدمة وسرعة الضربات إلى تعطيل القدرة على اتخاذ القرار، ودفع القيادة العسكرية والسياسية إلى فقدان السيطرة أو القبول بشروط الطرف المهاجم، بما يحقق الحسم السريع للنزاع قبل أن يتحول إلى حرب استنزاف. وتتمثل آليات التنفيذ في ضربات سريعة ومركزة على مواقع القيادة والاتصالات والدفاعات، واستخدام القوة النارية المكثفة لتدمير البنية التحتية الحيوية، مع مراعاة تقليل الاشتباك المباشر إلا عند الضرورة. كما تلعب العمليات الإعلامية والنفسية دورًا مهمًا في تضخيم تأثير الهجمات، بما يعزز شعور العدو بالعجز والارتباك.. وقد شهد النزاع الأخير بين إسرائيل وإيران تطبيقًا واضحًاو لهذه النظرية، حيث نفذت إسرائيل ضربات جوية دقيقة على البنية التحتية العسكرية الإيرانية، ومخازن الأسلحة، وأنظمة الدفاع، مع التركيز على عنصر المفاجأة لإرباك القوات الإيرانية وإحداث حالة من الفوضى النفسية.
رافقت هذه العمليات حملات إعلامية مركزة لتضخيم حجم الهجمات وإظهار قدرة إسرائيل على الوصول إلى أهداف استراتيجية بسرعة وبدون تحذير مسبق. ورغم شدة الهجمات، استطاعت إيران مواجهة تهديد الصدمة والرعب عبر مزيج من الاستعداد النفسي والعسكري والإعلامي. فعلى المستوى النفسي، عززت إيران روح الانضباط لدى الجنود، وركزت الحكومة والإعلام على تهدئة الرأي العام، مما حدّ من تأثير الذعر. أما على المستوى العسكري، فقد تم تحريك الاحتياطي وتأمين المدن والمناطق الحيوية، مع تنفيذ ضربات مضادة محدودة، بينما لعبت الاستخبارات دورًا محوريًا في تقليل عنصر المفاجأة. كما اعتمدت إيران على الإعلام والدبلوماسية لإظهار قدرة الدولة على الصمود، وتقليل القيمة النفسية للضربات على الخصم. وبهذه الإجراءات، نجحت إيران جزئيًا في احتواء نظرية الصدمة والرعب، وحماية الروح المعنوية للجيش والمواطنين، رغم اضطراب بعض المناطق الحدودية مؤقتًا . تكشف حرب الـ12 يوم بين إسرائيل وإيران عن حقيقة جوهرية في تطبيق نظرية الصدمة والرعب؛ فبرغم ما حققته إسرائيل من نجاحات تكتيكية على صعيد إلحاق أضرار مادية ملموسة وإحداث حالة ذعر نفسي في المراحل الأولى، فإن هذه النتائج بقيت محدودة ولم تؤدِّ إلى شل القدرات الإيرانية أو إجبارها على الاستسلام.
لقد شكّلت القدرة النفسية والتنظيمية العالية لإيران عامل الحسم، حيث تمكنت من امتصاص الصدمة وإعادة ترتيب صفوفها بسرعة، مما أجهض الأهداف الاستراتيجية للعملية الإسرائيلية. وتبرز هذه التجربة أن فعالية الصدمة والرعب ليست مطلقة، بل ترتبط ارتباطًا وثيقًا بضعف العدو في التكيف والاستجابة الفورية. لذلك، فإن مواجهة مثل هذه الاستراتيجيات تتطلب إعدادًا نفسيًا وتنظيميًا يضمن المرونة والاستمرارية، وهو ما أظهرته إيران في هذه المواجهة.
بقلم الباحث والدكتور حيدر الخفاجي – كلية العلوم السياسية – جامعة بغداد – العراق الشقيق.