تتخذ الصين مساراً عالمياً قائماً على ترسيخ الأمن العالمي ونبذ الخلافات التي تهدد الأمن والسلم الدوليين، تجلّى ذلك في حرب أوكرانيا – روسيا أثناء طرح المبادرة العالمية لحل الحرب سلمياً، والتوسط لإعادة إطلاق العلاقات الإيرانية – السعودية، وما قامت به من أجل سورية وفلسطين من مشاريع قدمتها لمجلس الأمن الدولي وإن لم تحظى بالتنفيذ جراء العقبة الأمريكية التي تأخذ دفة السياسة بما يتماشى مع المصالح الإسرائيلية، وصولاً إلى يومنا هذا حيث تعتزم الصين النية على جمع فتح وحماس على طاولة واحدة لفض منازعاتهما وتسويتها بغية الوصول إلى حالة توحيد الصف الفلسطيني.
إن منطقة الشرق الأوسط مهمة بالنسبة للصين وإن شيوع الاستقرار ينعكس إيجابا على المشاريع الصينية ذات الأبعد الجيوستراتيجية كمشروع الحزام والطريق التي تمر منه ست سلاسل توريد بمنطقة الشرق الأوسط، لذا ان الخلافات وتأجيجها لا يخدم الصين ومن مصلحتها أخذ الأمور بما يحقق لها هدفين: أولهما الحرص على الاستقرار وثانيهما المشاركة بتسوية النزاعات التي تنشأ بما يتلاءم من الدور الصيني العالمي الحريص على الامن والسلم العالمي.
تستضيف الصين محادثات لمناقشة جهود المصالحة الداخلية، في مسعى صيني لافت للانتباه في غمرة الحرب في قطاع غزة بعد أن تقدمت بطلبات لمجلس الأمن بإيقاف القتال وتقديم المساعدات الإنسانية ولم تحظى للتجاوب، تقوم بحركة التقريب بين الفصائل الفلسطينية، وتدعيم السلطة الفلسطينية، ولكن نجاح الصين يتوقف على العديد من المحدّدات التي نذكر منها:
أولاً: مقدرة الصين على إقناع الطرفين على تجاوز خلافاتهما العالقة بينهما والتي توصف بالنسبة لهما بالمحورية والتي قد تقف عائقاً في طريق التقريب بينهما، وفي محاولة كانت القاهرة قد أجرت منذ عام 2018 مساعي مع “فتح” و”حماس” لإنهاء حقبة الانقسام، لرأب الصدع الذي فرق الفلسطينيين جغرافيا وسياسيا، ولكنها لم تفلح، ومن هذه الخلافات المحورية نذكر الأسس السياسية، وملف الأمن ومنظمة التحرير وغيرها.
أولاً: الثوابت الاستراتيجية لكلا الحركتين: ولا تعترف حركة “حماس” بإسرائيل ولا تؤمن بالعملية السياسية معها سبيلا لإقامة الدولة الفلسطينية، وترى أن “المقاومة المسلحة هي السبيل الوحيد لتحرير فلسطين التاريخية”.
فيما تعتقد “فتح” أن الحل السياسي السلمي والمفاوضات مع الحكومة الإسرائيلية، هي السبيل الوحيد لإقامة الدولة على حدود عام 1967 (الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة).
وللدلالة على خطورة البرنامج السياسي على مسار الحل بالنسبة لكلا الحركتين نذكر أنه في عام 2011 تم التوصل إلى اتفاق للمصالحة نص على تشكيل حكومة توافق وطني دون برنامج سياسي، تكون مهمتها الإعداد للانتخابات التي ستترك للفلسطينيين مهمة اختيار البرنامج السياسي، لكن هذا الاتفاق لم ينفذ. وذلك لأن البرنامج السياسي سوف يحدد طريقة التعامل مع الاحتلال الإسرائيلي والتي بالأصل موضع الخلاف بين الفصائل التي تستقطب غالبية الشعب.
ثانياً: الشراكة السياسية في إدارة القرار الفلسطيني: فحركة “فتح” تؤكد أن زعيمها محمود عباس هو صاحب السلطة، ويملك القرار الفلسطيني بصفته رئيس منظمة التحرير، ورئيس السلطة الفلسطينية، ورئيس دولة فلسطين..
وفي الوقت ذاته، ترفض “حماس” ذلك وتطالب بألا يتفرد عباس بالقرار الفلسطيني، وأن تكون هناك شراكة في اتخاذ القرار على اعتبار أنها جزء من الشرعية الفلسطينية.
ثالثاً: نطاق المصالحة جغرافيا: “حماس” تريد أن تشمل المصالحة غزة والضفة الغربية، بمعنى أن تستعيد وجودها ونشاطها في الضفة، وتشارك بإدارة الحالة الفلسطينية مع حركة “فتح” والسلطة الفلسطينية، لكن الأخيرة تتحدث عن تطبيق المصالحة في غزة فقط.
إن “فتح تريد تمكين الحكومة في غزة بشكل كامل، دون أن يكون لحركة حماس أي دور في إدارة القطاع”.
رابعاً: الإقصاء السياسي: فتح تقصد بالتمكين إزاحة حماس عن المشهد السياسي وعن تفاصيل الحياة الفلسطينية، ونسف كافة الوقائع التي أوجدتها الحكومة السابقة بغزة (حكومة حماس) خلال السنوات العشر الماضية”. وهذا الأساس لوحده كفيل بإفشال أية مصالحة في حال لم يتم تسوية هذا البند.
خامساً: الوضعية السياسية لحركة حماس في منظمة التحرير الفلسطينية: “حماس” ترى ضرورة أن تأخذ حصة لا تقل عن حركة “فتح” بالمنظمة، وأن تكون شريكة في القرار الوطني، وأن يكون لها دور مؤثر ، ورغم تشكيل لجنة لإعادة تأهيل وإصلاح منظمة التحرير تضم جميع الفصائل الفلسطينية بعد اتفاق المصالحة الموقع عام 2011، إلا أن هذه اللجنة لم تجتمع سوى مرات محدودة، ولم يتم تنفيذ أي من قراراتها.
سادساً: ملف الأمن: تريد حركة “حماس” كما يقول المدهون، أن تكون العقيدة الأمنية للأجهزة الأمنية الفلسطينية وطنية غير ملتزمة بالاتفاقيات مع الاحتلال الإسرائيلي، بينما يريد محمود عباس أن تحافظ قوات الأمن على التزامها بالتنسيق الأمني، وتلتزم بكافة الاتفاقيات الأمنية الموقعة مع الجانب الإسرائيلي.
والتنسيق الأمني، أحد إفرازات اتفاق أوسلو الموقع بين منظمة التحرير وإسرائيل عام 1993، وينص على تبادل المعلومات بين الأمن الفلسطيني وإسرائيل.
سابعاً: سلاح الفصائل الفلسطينية: تمتلك الفصائل الإسلامية والوطنية في قطاع غزة أجنحة عسكرية، تتقدمها كتائب القسام، وسرايا القدس، الذراعان المسلحان لحركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، إن “حماس تريد أن تحفظ المقاومة الفلسطينية وحرية الفصائل المسلحة بغزة، بينما عباس يسميها مليشيات ويدعو لتفكيكها وسحب سلاحها، وقصر السلاح على الشرطة الفلسطينية التي تكون خاضعة لسيادته”.
بالنتيجة إن تجاوز الأطراف لهذه الخلافات ذات البعد الحاضر والأمد المستقبلي ذو تأثير مباشر على المصالحة، والاتفاق على تسوية خلافاتها يؤدي إلى المضي قدماً بعملية التنسيق المتبادل.
ثانياً: ظهور متغيرات جديدة طارئة على مستوى قيادات حماس، مثل اعلان المسؤول عن ملف التفاوض بشأن الأسر خليل الحيل أن حماس مستعدة لتسليم سلاحها، وقف العمليات العسكرية، والعمل كحزب سياسي مقابل انشاء دولة فلسطينية مستقلة، وكأنه يقول بأن حماس توافق على حل الدولتين الذي رفضته من قبل، ولكن المشكلة بأن إسرائيل لم تقبل بهذا الطرح ومصرة على استمرار حربها ضد حماس.
ثالثا: تقديم حماس للتنازلات سواء على الصعيد الميداني بقبولها بإطلاق الاسرى وإيقاف العمليات العسكرية من جهة، وقيامها بتقديم تنازلات أيضا على صعيد التفاهم مع حركة فتح لأن الشأن الداخلي يتوقف على التفاهم بين حماس وفتح، ورغم جنوح حماس للحل السياسي ولكن لن يكون على حساب مكانتها كفصيل فلسطيني مقاوم ألحق الأذى والضرر بالمحتل الإسرائيلي.
رابعاً: العروض الدولية المقدمة لفتح وحماس بما فيها المكاسب الدولية مقابل أمرين لا يتفرقان: تسوية الخلافات الداخلية مقابل الحصول على مكاسب دولية تتمثل بإيقاف الحرب، والتي أصبح لدى الأطراف بما فيها حماس ما يجعلها تقنع لإنهائها والرسوخ على حل سياسي بعد أن توضّح لها مدى التخاذل الإقليمي في مساندة الفلسطينيين عموماُ، وفي حال كان هناك مؤامرة إسرائيلية لتهويد القطاع فإن الجنوح للحل السياسي قد يفشل هذه المؤامرة.
خامساً: الموقف الإسرائيلي لا ننسى أن أغلب الخطط الأمريكية والإسرائيلية حول ما يسموه السلام الإقليمي بالمنطقة تنص على زرع سلطة فلسطينية ضعيفة وموالية وبتجنيد لا يذكر تكون أمينة على المصالح الامريكية والإسرائيلية وعامل أمني مساعد، وبهذا المعنى في حال كانت حماس تدركه فإن فيعني قبولها أن تكون خاضعه واستسلام غير مباشر تحت وقع الظروف التي أوصلتها اياها إسرائيل.
بالمجمل مساعي صينيية لتوحيد الفصائل ليس لتنطوي في جبهة مقاومة واحدة بل في جبهة سياسية موحده تتمثل بالسلطة الفلسطينية، هنا نسأل ما هي وضعية السلطة الفلسطينية بالنسبة لأسرائيل وهل ستتركها بدون ضغوط ومهام وظيفية؟ وكيف لإسرائيل ان تتقبل وجود جماس بالسلطة الفلسطينية الا بحال وافقت على الشروع بحل الدولتين بشكل مستقل عن بعضهما البعض.
د. ساعود جمال ساعود