استمرارا منها بأعمالها العدائية ضد الصين، ما تزال الولايات المتحدة الأمريكية تواصل استفزازها عبر تزويد الانفصاليين في تايوان بالدعم العسكري، الأمر الذي قابلته وتقابله بكين باللجوء إلى القنوات الدبلوماسية وتغليب لغة العقل على الحديد.
ما يزال الطرف الأمريكي يسير بالاتجاه الذي يدعم تدهور علاقاته بالصين رغم ما يجمعهم من روابط اقتصادية، وادعائهم بأن سياساتهم تنحصر في نطاق التنافس لا الصراع، إلى أن لسان الحال يقول غير ذلك، فالولايات الأمريكية تحاول عن عمد إخراج تنافسها مع الصيني إلى حد التنافس ولا ترضخ لكونه مؤهل ليكون قطباً مجابهاً لها، ودليل هذا توافد دعمها العسكري لتايوان خرقاً للاتفاقات الثلاث التي لم يعد هنالك جدوى من ذكر مضمونها لعدم التقيّد بها، حيث وافقت وزارة الخارجية الأمريكية على صفقة بيع ذخيرة لطائرات مقاتلة أمريكية من الجيل الرابع من طراز F-16 ومعدات ذات صلة بمبلغ إجمالي يبلغ حوالي 619 مليون دولار حسب وكالة التعاون الأمني التابعة للبنتاغون، الأمر الذي استنكرته بكين ودعت ممثّلة بالمتحدّثة باسم الخارجية على وقف بيع الأسلحة لتايوان، منوهة بأنّ بكين ستواصل اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية أمنها.
ولقد بات معلوماً المفرزات السلبية لهذا الدعم المتمثّلة بمخالفته لمبدأ الصين الواحدة وأحكام البيانات الثلاثة المشتركة بين الولايات المتحدة والصين، والإضرار بسيادة الصين ومصالحها الأمنية، رغم تأكيد الرئيس الصيني أثناء اجتماع اللجنة المركزية التاسعة عشر أن مفهوم الأمن القومي الصيني مفهوم متكامل لا يتجزأ، الأمر الذي يشمل الوضع في تايوان وهونغ كونغ وكل ما تنطوي عليه السيادة الصينية، ومع ذلك استمرت التجاوزات والانتهاكات الأمريكية.
أسفرت الحالة المتوترة بين الصين وأمريكا عن خلق مشهدٍ فكري وسياسي وإعلامي يتضمن الحديث في المراكز البحثية والإعلامية الأمريكية عن احتمال اقتراب مواجهة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، وأخذوا يضعون له تصورات وسيناريوهات ويأخذون بالحسبان حجم الإضرار المتوقعة.
ومن جملة هذه الأحاديث التحليلات التي أدلى بها رئيس منتدى كانبرا الاستراتيجي، روس بيبيج، إذ حدّد أسباب الحرب المحتملة بالخلاف حول لتايوان، لا سيما في ظل تأكيد الرئيس الصيني، شي جين بينغ، إن توحيد تايوان مع الصين “يجب أن يتحقق”، هذا التصريح الذي قابله الرئيس الأمريكي جو بايدن، مراراً أنّه سيدافع عن هذه الجزيرة، الأمر الذي سيقود إلى صدام شبه مؤكّد من وجهة نظره.
وحول نطاق الحرب، فقد ذهب أنّ هناك احتمال لنشوب حرب كبيرة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، منوهاً أن منعكسات الحرب في حال وقعت ستكون كارثية على أمريكا، وذلك لأن إعادة تايوان إلى الصين سيقوض موقع أمريكا الاستراتيجي في غرب المحيط الهادئ، ويؤثّر على سلاسل التوريد العالمية لا سيما في مضيق بحر تايوان الذي تمر به ثلث تجارة أمريكا وحلفائهم الأوربيين، وبصرف النظر عن تصوّره لمجريات الحرب وحيثياتها المحتملة، فقد خرج بتوصيات هامّة كان أبرزها ضرورة تجنّب القيادة الأمريكية الدخول في حرب مع الصين، واصفاً إياها بالحرب المتهورة غير المأمونة العواقب.
ومن جملة هذه العواقب ما أشار إليه عميد كلية الدراسات الشرقية في المدرسة العليا للاقتصاد أندريه كارنييف في روسيا في صحيفة أرغومينتي إي فاكتي :” ما يمنع قيام هذه الحرب منطلقات اقتصادية، فاقتصادا هذين البلدين مترابطان بشكل وثيق، ويمكن أن يؤدّي الفسخ المحتمل للعلاقات بينهما إلى خسائر فادحة لكليهما”.
ومهما يكن من أمر التحليلات والتكهنات السياسية والإعلامية حول ما ستؤول إليه الأوضاع بين الصين وأمريكا في ظل الاختراق الأمريكي المستمر للخطوط الحمر الصينية، فإن الذهاب إلى القول باندلاع حرب، ينطوي على مبالغة كبيرة بالنظر لما يمكن أن يرتب على ذلك من النواحي المتعدّدة، وانعكاساتها على بقية دول العالم، ومن غير المنطقي القول بأنّ هناك حرب محتملة متفق على نطاقها، ولحت السيطرة ومكفولة النتائج، لأن مثل هذه الحرب بين طرفين عاليين تكنولوجياً وعسكرياً براً وبحراً وجواً، وكذلك نطاق الحرب المحتملة مفتوح في حال حدثت،
أنّ جلّ ما تخشى عليه الولايات المتحدة الأمريكية يتمثّل بضرورة بقاء مضيق تايون سلسلة إمداد مضمونة ومتاحة لها ولحلفائها الأوربيين خصوصاً بعد التغيرات التي طالت الخريطة العالمية الطاقوية منذ تفاقم الأحداث بين روسيا وأوكرانيا، الأمر الذي يرجح الخضوع لطاولة المفاوضات والابتعاد عن شبح السيناريو للحرب المحتملة، والذي قدّ يكون لمجرب التهويل الإعلامي والحرب النفسية المخصصة لإرسال مضامين سياسية تعكس مطالب ومصالح الطرف الأمريكي المعتدي.
د. ساعود جمال ساعود