جرت منذ أيام مقابلة تلفزيونية على قناة الميادين مع السيد طلال أرسلان زعيم الحزب الديمقراطي اللبناني، دارت بأغلبها حول جملة المواضيع ذات البعد المحلي والإقليمي وكان أهمها ما أثاره ع الوضع الداخلي اللبناني وما يعانيه اليوم من مشكلات سياسية بين التيارات السياسية اللبنانية واصفاً بعضها بالجوهري وخصص مشكلة الاختلاف على هوية الدولة اللبنانية هذه المشكلة التي يصفها البعض بأنها ظاهرة عامّة في الدولة العربية ولكن من وجهة نظر السيد أرسلان أنّها مشكلة خطيرة وجوهرية بهذا الوقت أكثر من أي وقت مضى الأمر الذي يحتاج إلى وقفة متأنية لإدراك أبعادها ومخاطرها على واقع ومستقبل لبنان.
إن ولاء المواطن اللبناني هو للأحزاب وللطائفة وتعود أسباب ذلك إلى ما يسود الواقع اللبناني من مظاهر لا تكرس الانتماء للدولة، ولهذا أسبابه المتعلّقة بالدولة اللبنانية وأسباب أخرى تتعلق بالدور السلبي للأحزاب السياسية وإدراكها مكامن ضعف الدولة اللبنانية حاجات مواطنيها ولأسباب خاصّة في الحشد والتأييد ونذكر منها:
أولاً: ولاء المواطنين للدوائر الضيقة(الحزب والطائفة) على حساب الانتماء الأساسي للدولة ولهذا أسبابه التي تكمن بقيام الأحزاب بالأدوار التي يجب أن تقوم بها الدولة لا سيما الجانب الخدماتي، فإخضاع كل مرافق الدولة للقطاع الخاص وعدم وجود قطاع عام فعال أو عدم فعاليته لا يخلق انتماء بسبب تنصّل الدولة من وظائفها.
ثانياً: الفشل في تكريس مفهوم المواطنة وترجمته إلى واقع عملي، وللمواطنة ركنان أساسيان أولها الشعور بالانتماء لوطن وبالتالي لدولة ما، وثانيها يترجم هذا الشعور بالانتماء بعلاقة متبادلة بين الأفراد والدولة التي ينتمون إليها ويُقدّمون لها الولاء؛ ليحصلوا في ما بعد على مجموعة من الحقوق المدنية، والسياسية، والاجتماعية، والاقتصادية.
ثالثاً: شكلية المؤسسات وعدم فعالية أدوراها. وأهمها الخدمات العامة، وحقيقة نقول: الولاء الايديولوجي والسياسي في لبنان هو في عمقه ولاء خدماتي.
رابعاً: الاستقطاب الخارجي فكثيرة هي الأطراف الداخلية اللبنانية التي تدين بانتمائها لأطراف خارجية وهذا انعكس وسينعكس دوماً على مسألة الهوية. وبالطبع الاستقطاب الخارجي يؤثر على الهوية ويحتاج إلى قدر عال من الوعي الوطني من قبيل “حزب الله” الذين يتبعون بالكامل عقائديا ودينيا وثقافيا وحتى في عاداتهم الاجتماعية للجمهورية الاسلامية الايرانية، لا يطالبون لا علنا ولا سرا بالانفصال عن لبنان. عروبيو سوريا بالأمس ابان الاستقلال انتهى تماماً عندهم الشعور بالانتماء الى سوريا.
خامساً: غياب الوعي الوطني في كل هذه الازمات ثمة أطراف سياسية، حزبية وزعمائية، تتمسك بهويتها اللبنانية وتريد في الوقت عينه اسقاط تعريفها الخاص وتوجهاتها الخاصة على لبنانها. وثمة مواطنون مستعدون للذهاب “الى الآخر” في ولائهم لزعماء هذه الصراعات.
سادساً: بنية المجتمع اللبناني بأشكالها كافه السياسية والأمنية والاقتصادية حيث أزمة الهوية أزمة بنيوية وهذا الكلام لا أعتقد يوجد لبس فيه.
سابعاً: ضعف السلطة المركزية. الدولة اللبنانية عندما امتنعت عن تقديم الخدمات الاساسية التي هي من حق المواطن كالطبابة والعلم وضمان الشيخوخة والمياه والكهرباء والطرقات الآمنة، قلصت بارادتها ولاء المواطن لها، وتولت الزعامات المحلية هذا الدور، الدور الخدماتي، ما خلق تلقائيا شعور ولاء لدى المواطن للزعامة لا للدولة، مع احتفاظه بشعور الانتماء لهويته اللبنانية، والأمثلة كثيرة لا داعي لذكرها تجنباً…..
وبالاعتماد على المنطق القائل ” أهل مكة أدرى بشعابها” فلابد أن هناك أسباب أخرى من وجهة نظر اللبنانيين، أنفسهم ولكن هذا ما أسعفنا فهمنا الكليل للإحاطة به، وعلى أساس تقدير ما سلف لا بد من تقديم ما نحسبه حلاً للمشكلة الهوية وفق ما يلي:
أولاً: عذراً من النقاد أرى أنّه لا بد من عقد اجتماعي جديد في أغلب الدول العربية التي تعاني من أزمة الهوية، وفي مقدّمتها لبنان عبر مجموعة من الخطوات التي هي أشبه بنسف الدولة وإعادة بناءها من جديد وفق ما يلي:
1. إعادة انتخاب ممثلين عن الشعب من قبل الشعب.
2. وإعادة هيكلة المؤسسات كأنها لم تكن من قبل.
3. إعادة صياغة الدستور من جديد.
4. تدعيم نفوذ السلطان الضامنة للتنفيذ.
5. يجب أن يكون أي قرار حصيلة تشاورات داخلية وعدم السماح للخارج بالتدخل.
ثانياً: السبيل الوحيد لخلق الولاء والانتماء للدولة يتمثّل بالإصرار على كون لبنان دولة مؤسسات الأمر” الذي يتيح القدرة على تصويب وتقويم أداء المؤسّسات في مختلف قطاعات الدولة، وتطبيق القانون عن طريق الالتزام بمتطلباته، والالتزام بالقوانين الإداريّة، وضمان تطبيق الأداء الجيّد الرشيد والممارسات السليمة بما يشمل الاستغلال الأمثل للموارد، واقتناص الفرص المتاحة من أجل الارتقاء بالعمل المؤسسي” . ولا نخفي هذا كلام نظري ولكن لعل وعسى.
ثالثاً: تقوية القطاع العام جزء كبير من الحل ، لأن الغاية السياسية من جعل القطاع العام هو القطاع الرئيسي في الدولة هو خلق حالة من الانتماء للدولة حيث تتولى الدولة كل ما يلامس وجود المواطن وحاجاته واستمراه وبذلك تتولد لديه الانتماء للدولة وليس للحزب الذي يتكفل بأكثر من طاقته وليس خافٍ الولاء هاهنا ثمن لما يملئ البطون.
للأسف عبقرية السياسي اللبناني لم تنعكس على التفاهمات بين الأحزاب والجمعات التي يتزعمونها على أرض الواقع والتي من المفترض أن يسعفهم ذكائهم لأخذ لبنان إلى بر الأمان وتخليصه من مشاكله إلا أن الواقع غير ذلك حيث لبنان غارق في المشاكل التي وصلت لدرجة تضحية بعض الأحزاب والفرق بأساسيات وأركان الدولة ومقوماتها مقابل عدم التخلي عن حيزهم الحزبي الضيق وهذا ما يوحي ويثبت بأنّه لا قواسم مشتركة بين العاملين في الحقل السياسي في لبنان طبعا ليس الكل ونعني بالكل الذين يأخذون على عاتقهم حفظ وجود واستمرار لبنان من أي تهديد وجودي.
بقلم الدكتور ساعود جمال ساعود