يبدو أن وتيرة الحساسية السياسية لدى الكيان الصهيوني تتزايد شيئاً فشيئاً من الجمهورية الإسلامية التي يكفي سماعهم باسمها حتى يهرعوا لتدابيرهم العدوانية واتهاماتهم الجائرة التي تعكس هواجسهم الأمنية التي تعكس بدورها مقدار الخوف الذي تزرعه إيران ومكانتها ونجاحاتها الإقليمية والدولية في قلوب قادة الكيان وأجهزته.
في سياق الرد على الاتهامات الإسرائيلية لإيران بتحريض الجزائر ودولة جنوب إفريقيا، على طرد المبعوثة الإسرائيلية، شارون بار لي، من القمة الإفريقية، والذي على إثره وصفت الخارجية الإسرائيلية، الاتحاد الإفريقي بـ “الرهينة”، متّهمة دول الاتحاد “بالانصياع لرغبات إيران حسب تعبيرهم، إيران التي باتت بنظر الإسرائيليين عنواناً لرفض سياساتهم وممارساتهم في جميع أنحاء العالم التي تصل إليها، من منطلق خرقها للقوانين الدولية وانتهاك حرمة وسيادة الدول مستندة لغطاء دولي يدعمها بالاستمرار بمسيرتها التعسفية، وإلى هذا المعنى ذهب ما أشار إليه المتحدّث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني بقوله:” أنّه يتم اتهام إيران بأية خطوات تتخذ في العالم ضد “إسرائيل.” وفي هذا اشارة إلى كون المتضررين والمتضررين من الكيان وسياساته ليست طهران فقط بل هناك من دول العالم من هم أكثر رفضاً وتضرراً منه.
وفي إشارة دقيقة إلى كون الطبيعة العدوانية للكيان الصهيوني وممارساتهم المخلّة بالأمن والسلم الدوليين لا سيما ما يخص القضايا المصيرية بالنسبة للقضايا العربية والإسلامية والأمثلة والأدلة كثيرة هي من جعل الجزائر وجنوب أفريقيا وغيرها على طرفي نقيض مع الكيان الإسرائيلي، وهذا ما أكده كنعاني بقوله:” أن مواقف الجزائر ودولة جنوب إفريقيا، نابعة من مواقف “إسرائيل” حول العالم، وإثارتها للفتن والفساد”. وهذا توصيف لواقع الحال يؤيده تحركات وسياسيات الكيان.
كما ذهب كنعاني لتوضيح حقيقة مفادها: “أن تطبيع العلاقات لا يعني قبول الشعوب لدى الرأي العام وفي المحافل الدولية”، في إشارة على تطبيع بعض الدول مع العدو الصهيوني. وبالفعل فغالبية شعوب الدول المنخرطة في اتفاقيات إبراهام تمر بحالة رفض لما أقدمت عليه حكوماتهم، لتستمر معادلة الفرق القائم بين الشعوب من جهة وحكوماتهم من جهة أخرى في الوطن العربي.
وفي سياق الرد حول ما نشرته الصحف المعادية من قبيل “تايمز أوف إسرائيل”، بخصوص معارضة كل من الجزائر ودولة جنوب إفريقيا قرار رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، منح الكيان الإسرائيلي صفة مراقب مرة أخرى ، فقد علّق مكتب الرئاسة في دولة جنوب إفريقيا، على اتهام وزارة الخارجية الإسرائيلية، للجزائر وجنوب إفريقيا، بالوقوف خلف طرد المبعوثة الإسرائيلية، بأن على “إسرائيل تقديم أدلة تثبت صحة ادعاءاتها”. هذه الادعاءات التي خرجت لحد التهديد بالرد من قبل بعض قادة الكيان.
بالمجمل لا يخفى على الفواعل الدولية مقدار العداء الذي يكنّه الكيان لإيران التي يرون بها تهديداً وجودياً لما تتميز به من إمكانيات ومستوى عالمي، الأمر الذي يوّضح اتهاماتهم المتكررة لإيران وسعيهم لكل ما يخدم مصالحها وتقدّمها، لذا الإيرانيون براءة من التهم الصهيونية “براءة الذئب من دم يوسف النبي” ، والأهم أن رفض منح صفة مراقب للكيان الصهيوني في الاتحاد الأفريقي الذي تهدف مؤسسات الاتحاد الأفريقي الأساسية إلى تسريع وتسهيل الاندماج السياسي والاجتماعي والاقتصادي للقارة، وذلك لتعزيز مواقف أفريقيا المشتركة بشأن القضايا التي تهم القارة وشعوبها، تحقيقاً للسلام والأمن، إذ أن هذه الاتحاد تجربة لها خصوصيتها وأرضيتها المناسبة، ولا تحتمل أجساد غريبة دخيلة على غرار الوجود الإسرائيلي الذي يعمل على تجذير علاقاته مع بعض دول الاتحاد الأفريقي يهدف إلى حرمانه من التدخل بالقارة الأفريقية التي شهدت بالفترات الأخيرة دوراً غير مأمون العواقب له في بعض الأمور ذات الحساسية الأمنية على مستقبل القارة الأفريقية ومنها تدخلهم بسد أثيوبيا مثلاً، لذا إن حرمانهم من صفة المراقب التي قد تكون تمهيد لما هو أكثر من ذلك هو خطوة استراتيجية بعيدة المدى ذات أثر إيجابي نسبياً في الحفاظ قدر الإمكان على أمن القارة الأفريقية التي أصبحت اليوم قبلة الصديق والعدو.
بقلم د.ساعود جمال ساعود