ما تزال ظاهرة الوقاحة السياسية في استفحال مستمر لدى السياسي الأمريكي بشكل عام، حيث يذهبون برمتهم جمهوريهم وديمقراطيهم إلى توظيف الإعلام والدبلوماسية والأدوات العسكرية لتحقيق مصالحهم مستندين للقوة العسكرية وفنون التحايل بالمنطق السياسي القائم على أساس:” ما يحق لنا ؛ محرمٌ على غيرنا” ،ولوكان الحق وجودي ومشروع، ولا حق وجودي ومشروع أكثر من ضمان الأمن والاستمرار.
منذ بداية الأحداث في بين أوكرانيا ورسيا، والأمريكي يحرض ويبث أفكاره برأس الأوكراني ، متوعداً بالدعم المتعدّد الأوجه، مقابل الموافقة على كونه رأس حربة للناتو ضد روسيا، لتجري الأمور عكس المتوقع من المنظور الأوكراني من حيث مدى التسليح وحجمه، ليقع بذلك فريسة لا تملك سوى الاستمرار عن مضض، ولعل الزيارة الأخيرة لبايدن تكشف ذلك، الذي خرج أركان إدارته ليوضحوا أن ما يجري هو استنزاف لروسيا عبر إطالة آمد الحرب قد الممكن مع رفض التسويات السياسية التي تخالف مخطط الاستنزاف، الأمر الذي يتناسب مع الضغط على الأوربيين لإمداد أوكرانيا بالأسلحة، والتوعد الأمريكي( الكاذب حتماً) بإمدادهم بالأسلحة النووية والتي رد عليها الرئيس بوتين شخصياً بانسحاب روسيا من ستارت 2 ، ليبقى مجال الاحتمالات مفتوحاً أمام الأمريكي حول أمكانية استخدام الروسي النووي للدفاع عن نفسه.
وأمام الدعم الأمريكي ممثلاً بالناتو لأوكرانيا، فقد هرعت لاستنكار واستهجان أي علاقة دولية تربط روسيا، وبقية الفواعل الدولية لا سيما المؤثرة في النظام الدولي كالصين، التي تجمعهم بالروسي علاقات استراتيجية متعددة الأبعاد والمستويات، على النقيض من علاقة الروسي بالأمريكي الذي يطبعها التوتر والقلق، ولقد وصل الأمر بالأمريكيين إلى حد الطلب بتقييد العلاقات الروسية الصينية تخوفاً من الجانب العسكري لهذه العلاقات منطلقين بذلك من تخوفهم على “الزعامة العالمية” ، المصطلح الفضفاض الي لا يخرج عنه تفسير ما يحدث.
اليوم ، أكدت الخارجية الصينية أن الولايات المتحدة ليس لها الحق في تقديم تعليمات لروسيا والصين بشأن كيفية تطوير علاقاتهما الثنائية، وأن بكين لن تقبل ضغوط واشنطن، ومنبع هذا خشيتهم من التقارب ومنعكساته على واقع الحال في ساحة الحرب الراهنة، فالهدف الأن تفكيك عرى الالتصاق الروسي الصيني ، وهذى دون جدوى.
وقالت المتحدثة باسم الخارجية الصينية ماو نينغ في إفادة صحفية تعليقاً على التحذيرات التي أطلقها عدد من المسؤولين الأمريكيين لبكين بشأن عواقب قيامها المحتمل بتزويد روسيا بالأسلحة: “لا يحق للولايات المتحدة التصرّف في العلاقات الروسية الصينية، ولن نقبل الضغوط والتهديدات من الجانب الأمريكي”. ببساطة لأنها الصين، ورضوخ بايدن بقمة العشرين ، ودعوته لحصر الأمر بالتنافس دون الوصول لعتبة الصراع، إقرار غير مباشر بالصيني كقطب لا غير.
وأشارت ماو إلى أن الولايات المتحدة لا ترسل أسلحة فتاكة إلى ساحة المعركة في أوكرانيا فحسب، بل وتنتهك كذلك بنود ثلاثة مذكرات صينية أمريكية مشتركة من خلال استمرارها في ببيع أسلحة متطورة لتايوان، مضيفة أنّ بكين تعمل بنشاط على دفع محادثات سلام وإيجاد حل سياسي للأزمة الأوكرانية.، وبالفعل قواعد حربية بالفلبين، ودعم لتايوان، ونشاط غريب في بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان، واليوم تسليم 400 صاروخ توما هوك لليابان، ومناورات دورية، لها إشاراتها، فالأمريكي متورط ينكر على المتورطين فعلتهم لوقاحته وخوفاً على مصالحه.
وذكرت أنّ الصين قدمت احتجاجاً شديداً على العقوبات الأمريكية ضد الشركات الصينية “لعلاقاتها مع روسيا”، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة تنشر معلومات كاذبة حول “إمدادات الأسلحة الصينية لروسيا” كذريعة لفرض عقوبات على الشركات الصينية، وعلى ما يبدو أن أمريكا تخطط لإيصال العلات مع الصين إلى نقطة الصدام الامر الذي نستنتجه من استغلال أي خطأ لتضخيمه واتخاذه منفذ لتوجيه العقوبات ضدهم.
والصين حذره رغم قوتها، وقوية رغم حذرها، أي لا تريد الصدام ولكنها ترد من جنس الفعل وضمن حدود المعقول حيث قالت: “سنتخذ اجراءات مضادة قوية رداً على العقوبات الأمريكية غير المبررة ضد الشركات الصينية”.
الجدير بالذكر أنّ مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك ساليفان قال في وقت سابق:” إن على الصين أن تقرر بنفسها ما إذا كانت ستساعد روسيا في “الصراع” في أوكرانيا، مع الأخذ في الاعتبار “التكاليف الملموسة” التي ستتحملها بكين إذا قامت بذلك، بالإضافة إلى تحذير وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في وقت سابق بكين من عواقب إمداد موسكو بالأسلحة.
بالنتيجة، ضرب من السخافة تصريحات الأمريكيين، ومجرد مسرحية هزلية، ومثيرة لضحك الرئيسين الصيني والروسي وكذلك الشعبين، ولم يعد بالإمكان تجاهل القطبين الصيني أقتصادياً والروسي عسكرياً والمتوفقين في الوجه الأمريكي.
بقلم د.ساعود جمال ساعود