ما يزال الإعلام بوسائله المتعددة يركز على بعض القضايا دون غيرها من باب المبالغة والتهويل، عكس المراكز العلمية الأكاديمية ذات التعاطي العقلاني مع المعلومة، وحديثي هنا عن تشكيل تحالف بحري بين إيران وبعض أخواتها الخليجية وأفاقه المستقبلية ومدى التعويل عليه.
من المعروف تاريخياً من المنظور السياسي أنّ الوجود الأجنبي في منطقة الفارسي، كان وما يزال أحد الملفات العالقة التي قادت إلى توتر العلاقات بين إيران من جهة وجيرانها الخليجيين من جهة أخرى، إذ تعود غالبية هذه القواعد للولايات المتحدة الأمريكية؛ العدو اللدود لإيران والعكس كذلك، هذا العدو الذي وجد في إثارة مخاوف دول الخليج من إيران أرضية استراتيجية مناسبة لاستمرار وجودهم في منطقة الخليج مستنزفين في سبيل دعاءاتهم ومبرراتهم، أموال وثروات دول الخليج بحجة تولي مهمة حمايتهم في حين السبب الحقيقي اعتبارهم لهذه المنطقة منطقةً حيوية ونفوذ لهم والوجود ضروري من باب ضمان المصالح المتعددة لأطول حقبة زمنية ممكنة.
موضع المقال ما حدث منذ أيام من إعلان قائد القوات البحرية الإيرانية، الأدميرال شهرام إيراني، في مقابلة صحفية أنّه سيتم تشكيل تحالف بين البحرية الإيرانية والسعودية والإماراتية والعراقية وغيرها من دول المنطقة بعد “وصولها لقناعة بأن الحفاظ على الأمن الإقليمي”، يجب أن يتم من خلال التعاون والتنسيق المتبادل، متوقعاً – في ظل تشكّل تحالفات إقليمية ودولية جديدة في المنطقة- أن تغادر القوات الأجنبية المنطقة لأنّ وجودها لن يكون مبرراً بعد تولّي التحالفات الجديدة السيطرة على مجالها الأمني، الأمر الذي جعل البعض يتسأل عن مدى قدرة إيران وجوارها عل ضمان أمن الخليج بعيداً عن التنسيق مع الولايات المتحدة وصولاً إلى خروج العنصر الأجنبي من مياه الخليج.
السياق العام لهذا الحدث جاء مندرجاً ضمن مسارين عام وخاص، المسار العام تمثّل بالاتفاق بين إيران والسعودية ذات الثقل الأكبر خليجياً مع علاقات جيدة مع الإمارات الأمر الذي ترتب عليه إيجاد الحلول للكثير من المشاكل الجزئية العالقة؛ الجزئية أو الصغيرة ولكن جديد اليوم ظهور محلليين وسياسيين يقولون بوجود توافقات على مسائل كبرى عالقة منها الوجود الأجنبي في الخليج العربي.
وأما بالنسبة للسياق الخاص فقد تجلّى بانسحاب الإمارات من تحالف بحري دولي بقيادة أمريكا وأعقبه إعلانها عن تحالف الإمارات وبعض الدول مع إيران، الأمر الذي فسّره البعض بتقارب وجهات النظر حول الوجود الأجنبي في الخليج.
وبالعودة إلى السؤال الدائر حول مقدرة إيران ودول الخليج على تحقيق أمن الخليج بعيداً عن الولايات المتحدة الأمريكية، فإنّ الجواب البديهي لا ، لأنّ الأمر ليس متعلّق بالإمكانيات الفنية والتقنيات العسكرية والجهود المتضافرة المطلوبة، بل الأمر متوقف على عدّة محدّدات منها:
أولاً: التحالفات السياسية التي تأخذ بعين الاعتبار احتمالية تدهورها كتداعيات لأي سيناريو سلبي على أرض الواقع.
ثانياً: الاتفاقيات والأحلاف العسكرية فيما يخص العمل البحري، وهذا بمثابة عامل ملزم يقيّد الانفكاك عن الولايات المتحدة الأمريكية.
ثالثاً: طبيعة الممرات المائية إذ هي ممرات دولية تجري عبرها ضمان مصالح دول متناقضة المصالح أحياناً. ولكنهم ملزمين باحترام القواعد الحاكمة لألية بها سواء خليج عمان أو عدن أو البحر الأحمر أو مضيق هرمز.
رابعاً: وجود حالة تبعية للأمريكي عند بعض دول المنطقة وهذا ينذر بالخطر.
خامساً: إنّ أمريكا موجودة بحكم مصالحها وقوتها العسكرية ولا تملك قوى المنطقة قوة تحييدها أو الاستقلال منها، كما أنّ الابتعاد عنها لا يعني انسحابها.
على العموم أرى أن هذا الأمر ينطوي على مبالغات وتضخيم لهذا الإنجاز في حال تحقق والحجج كثيرة:
أولاً: الانسحاب الإماراتي لم يغيّر شيء من واقع وجود ثلاث أكبر قواعد في الخليج، إضافة إلى استمرار الوجود الأمريكي في بقية دول الخليج الأخرى.
ثانياً: منطقة الخليج تندرج ضمن الاستراتيجيات الأمريكية كمنطقة نفوذ، لم تنسحب منها لا الأن ولا في المستقبل، رغم ما يشاع من تغيرات في ركائز هذه الاستراتيجية ، ورغم ظهور قوى صاعدة أخرى، فالأمر سيؤدّي لاستمرار الوجود الأمريكي من باب إحداث توازنات استراتيجية مع المنافسين لها ، هذا يعني وجود أجنبي عسكري بما فيه البحري، ولا يمكن “لحلف” مصغر- على فرض اكتمل- أن يصطدم بالأساطيل الأجنبية المتواجدة.
ثالثاً: حماية هذه الدول بحرياً لنطاقها الإقليمي وحدودها وحقوقها المائية خاضع للقوانين الدولية التي تضمن لها ما يضمن لغيرها وتحرّم عليها ما يحرّم على غيرها ومن ثم لا يوجد إنتهاكات.
رابعاً: لا يمكن الحديث عن انسحاب أمريكي لأنّ تشكيل هذا التحالف قائم على مبدأ التعاون وليس الصراع، كما أنّ الوضع حالياً ليس بوارد الصدام ولا يحتمل الصدام العسكري ولا حتى التنافس الشديد.
خامساً: الأسطول الخامس الأمريكي مستمر بالتواجد في البحر الأحمر، مما يعني أنّ أمن إسرائيل لا يوجد أي تهديد لأمن “إسرائيل” وليست مهتمة بأمره.
سادساً: دول التحالف المصغر متفاوتة القوى والتشكيل والعتاد، وهذا يخلق سوء تنسيق فني بين الأطراف.
سابعاً: إنّ هذا التحالف نصر دبلوماسي وسياسي أخر لإيران بعد الاتفاق مع السعودية، ولكن من ناحية التأثير في الواقع العملي، فإنّه عديم الجدوى من حيث أثره على الانسحاب الأجنبي من المنطقة.
إذاً، مجرد تلميع إعلامي لنصرٍ لا ننكر أنّه نصر، كما أنّ التعويل على الوجود الروسي والصيني في المنطقة هو تعويل مبالغ فيه أيضاً لأنّ المبادئ التي تقوم عليها الاستراتيجية الأمريكية بكل المناطق التي تعتبرها مناطق نفوذ متشابهة من حيث اعتماد مبدأ التوازن ووجود قوى كبرى ستعمد أمريكا على الموازنة، والأولى هنا الحديث عن دور الأحلاف البحرية في منطقة الشرق الأوسط في خلق النزاعات العسكرية لا سيما بين القوى الكبرى.
بقلم د.سعود جمال ساعود