شهد يوم الثاني من أكتوبر 2022م إصدار الولايات المتحدة الأمريكية لاستراتيجية الأمن القومي الأمريكي التي سرعان ما حدّدت الصين بوصفها المنافس الدولي الأوّل الذي تتخوف منه بشأن إعادة هيكلة النظام الدولي، داعمة توجساتها بما لدى الصين من إمكانيات اقتصادية وعسكرية، هذه المعطيات التي تزيد من احتمال الصدام كما يخال للمراقب سيما في ظل التطورات الأخيرة التي شهدتها العلاقات بين القوتين العالميتين إثر الاستفزازات الاميركية بشأن تايوان وانتهاكاتها المتكررة لسيادة الصين و تدخلها وفي شؤونها الداخلية
علاوة على القلق الأمريكي إزاء المنافسة المحتدمة مع الصين في منطقتي المحيطين الهادئ والهندي، الأمر الذي يقلق الامريكي ويجعله يخشى على استمرارية هيمنته العالمية خصوصاً في ظل الظروف الدولية الراهنة الذي تشهد بوادر انقسام دولي بين الصين وروسيا مقابل الأمريكي وحلفائه، ولعل هذا ما يفسر جزم بعض المحلليين والباحثين بأنّ مرحلة بداية النهاية للقطبية الأحادية قد بدأت، وهذا الأمر الذي أرى أنّه من المبكر الحديث عنه.
ولقد بلغ تخوف الأمريكيين على زعامتهم العالمية ما من شأنه وضعهم لما أطلقوا عليه أدوات الصين التي تساعدها لكي تصبح القوة المهيمنة على النظام الدولي حسب التوصيف الأمريكي، والتي تتمثل في تقدمها التكنولوجي، ونفوذها الدولي والدبلوماسي على المؤسسات الدولية وغير ذلك من مقومات القوة التي تملكها الصين والتي تؤهلها للتأثير في النسق الدولي الراهن، هذه الأهمية التي تدركها الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من غيرها، ويظهر من تأكيدها على هذه الأمور الحساسة والدقيقة أنها بالفعل تخشى على زعامتها العالمية، والدليل على صحّة هذه المنطق ما تضمنته الاستراتيجية من تحديد للأساليب الممكنة الاستخدام لمواجهة الصين والتأثير بها بفاعلية من قبيل التلاعب بورقة حقوق الإنسان وتسيسها، والتدخّل بالشؤون الداخلية في هونج كونج، وتشجيع النزعات الانفصالية في تايوان، وغير ذلك من النعرات التي والتي تكفل للولايات المتحدة الأمريكية استمرار التدخل بالشؤون الداخلية الصينية تكفل للأمريكي انشغال الصين وتخبطها الداخلي مما يحول دون تأثيرها على مصالحهم حسب التصوّر الأمريكي، هذا التصوّر الذي يقابله تأكيدات صينية على منطق السلم والتعاون الدولي ، والشروع بالمشاريع التنموية عالمياً، وإقامة العلاقات الدولية على أساس احترام سيادة الدولة وعدم التدخل بشؤونها الداخلية ونبذ استخدام اللاعقلانية والعدوانية التي تسود النظام الدولي.
والمفارقة اليوم إدلاء الرئيس الأميركي جو بايدن في قمّة رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان)، بتصريح هام مفاده: ” إنّ “خطوط الاتصال بالصين ستبقى مفتوحة”، على الرغم مما بينهما من تنافس، لضمان عدم تحوّل الأمور إلى صراع”. وهذا ما يذكرنا بتصريح لوزير الدفاع الأمريكي في حكومة بايدن أن ما بين الصين وأمريكا هو إدارة صراع حيث يتم إدارة الملفات الساخنة المختلف عليها بين الطرفين بحيث لا تقود إلى صراع الذي غالباً ما يسعى الأمريكي للوصل إلى عتبته، ويكفي أن نشير للقاء الذي جمع وزير الخارجية الصيني بوزير الخارجية الأمريكي هنري كسنجر في 20/9/2022م، حيث تحدث الوزير الصيني عن ضرورة التهدئة والكف عن التدخل بشؤون الصين الداخلية هذا المطلب الذي أعاد التذكير به أثناء كلمته أمام الجمعية العمومية في الأمم المتحدة، وغير ذلك من الأدلة التي تثبت أن الولايات المتحدة الأمريكية هي من يقف دائماً وراء تأجيج المشاكل مع الصين ويسعى إلى أخذ الأمور نحو منحى التصعيد، ويكفي الصيني براءة منطقها القائل بعدم معاملة الأمريكي بمثل سياساته وإلا لكانت المنعكسات السلبية تطال دول العالم كافّة على شتى الصعيد ولكنها العقلانية الصينية مقابل العنجهيه الأمريكية.
د. ساعود جمال ساعود