شهور قلة تفصل لقاء وزير الخارجية السوري ونظيره الإيراني عن لقاء أمس؛ ذاك اللقاء الذي أكد فيه الطرفان على ضرورة اعتماد الوسائل الدبلوماسية لحل الأزمة مع تركيا والرفض الحاسم لأي تدخّل عسكري تركي في الشمال السوري، واليوم يأتي اللقاء السوري الإيراني في إطار السعي الحثيث لتعزيز العلاقات الاستراتيجية التي تجمع البلدين، وبحث آخر المستجدات والتطوّرات على الساحة الإقليمية والدولية وتنسيق المواقف بين البلدين.
وفي سياق التأكيد على أهمية العلاقات الثنائية، فقد أكّد الرئيس الإيراني أهمية سورية بالنسبة لإيران مشيراً أنّها باتت بعد الهزائم التي ألحقتها بأعدائها في وضع يمكنها من جلب علاقاتهما الاستراتيجية إلى مجالات جديدة من خلال التركيز على التعاون الاقتصادي بشكل رئيسي، الأمر الذي قابله وزير الخارجية السوري فيصل المقداد بالتأكيد التزام سورية واهتمامها بتوسيع التعاون الاقتصادي مع إيران.
وأوضح الرئيس الإيراني أن نفس الأشخاص الذين تورطوا سورية في الأزمة يحاولون إثارة الفتنة ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية ، وأضاف: عندما رأى الأعداء ذلك الانقلاب وفرض الحرب وسنوات من التهديدات والإرهاب، إن العقوبات لم تستطع وقف تقدّم الأمة الإيرانية ، فقد خرجت عارية تماماً وعلنا ونفذت مؤامرة لإثارة الفتن على الأمة الإيرانية.
وفي ظل الظروف الراهنة وما تشهده إيران من محاولات خارجية يتعدد القائمين عليها والمستفيدين منها، لنقل التجارب والخطط الفوضوية ذات الأهداف الخبيثة المعلنة والخفية التي طبقتها في سورية، ها هي اليوم إيران تُستهدف من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها بكل مقوماتها سواء إيران القيادة أو إيران الشعب أو إيران الدور المحوري بأحداث اليوم، وفي إشارة إلى أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ستواصل طريق التقدّم والعدالة والمقاومة بقوة ، أوضح رئيسي أنّ محاولة زعزعة استقرار إيران هي مظهر من مظاهر غضب العدو ويأسه لتحقيق أهدافه في إيران والمنطقة، معلقاً على هذه المحاولات بقوله :”هذه المؤامرات لن تجعل الأمة الإيرانية العظيمة تتردد في تحقيق أهدافها العظيمة”.
وفي إطار التعاطف مع سائر الحالات الإنسانية التي تقع فيها الشعوب ضحية للإرهاب عموماً، والصداقة والتحالف السوري الإيراني، فقد أكّد وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في هذا الاجتماع بالجريمة الإرهابية التي وقعت في ضريح شاه شيراغ في شيراز، وأكد أنّ العلاقات الاستراتيجية بين إيران وسورية ستستمر في طريقها.
ومن المعادلات الواقعية ذات الصبغة الدبلوماسية الرائعة وفي لفته من وزير الخارجية فيصل المقداد فقد قال: “من الواضح أنّه عندما يُهزم أعداء دول المنطقة في سورية، فلن يكون لديهم بالتأكيد فرصة لتحقيق أهدافهم ضد دولة إيران القوية”. وعاد وزير الخارجية السوري ليؤكد التزام بلاده واهتمامها بتوسيع التعاون الاقتصادي مع إيران.
يأتي هذا اللقاء في إطار تعزيز القواسم المشتركة بين البلدين الحليفين إقتصادياً وسياسياً ومجالات أخرى أثبتت صدقها خلال الفترة الزمنية الماضي عبر الوقفة الواحدة في وجهة المشاريع التي استهدفت جيبوليتك الشرق الأوسط ككل وترتيبات موازين القوى فيه، والتي لا تعد ولا تحصى ولعل أبرزها في الوقت الحالي مناصرة إيران في ظل المساعي الأمريكية والإسرائيلية لتهديد أمنها وإستقرارها، بشدة العقوبات الغربية ضد إيران، ودعم المفاوضات النووية، وفي لفتة ذكية من الوزير السورية قال: “إن العقوبات والإجراءات الغربية ليست مفاجئة ، مضيفًا: العقوبات الاقتصادية تقتل الدول وهذه العقوبات لا تستهدف الحكومات بل الدول ، حتى يضيع دعمها لحكوماتها”. وأشار إلى أهداف الغربيين في فرض عقوبات على إيران وسوريا والصين وكوبا وروسيا وغيرها ، وقال: العقوبات غير إنسانية ، وفي الحقيقة بفرضها يظهر الغرب وجهه اللاإنساني للمجتمع الدولي. والرأي العام يجب أن يتوقفوا عن فرض العقوبات لأن هذه العقوبات تدمر النساء والأطفال. في إشارة منه إلى الدور التخريبي للأميركيين في الوضع الراهن في سورية حين قال: أمريكا تنهب نفط سورية وقمحها ، والشعب السوري عليه أن يتعامل مع البرد وليس لديه وقود، وفي سياق التأكيد والثبات على النهج السياسي والعقيدة أوضح فيصل المقداد أنّه لا يجب أن يثق العالم بوعود الغربيين لأنّ هدف الغربيين هو إبقاء شعوب المنطقة جائعة. وبذلك تكون هذه الزيارة لتثبيت ركاز السياسيتين الإيرانية والسورية وتثبيت جذورهما الاستراتيجية، وتعميق مضامين التعاون الثنائي بينهما.
تأتي هذه الزيارة في السياق الذي صرّح عنه سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية لدى سورية “مهدي سبحاني” قبل عام بقوله: “نحن عازمون على تنمية ذلك، والعمل الاقتصادي ليس بعمل سهل ونحن نمهد الأرضية اللازمة لذلك” علماً أنّ هذا المجال حصراً، مؤهل لنمو التقدّم أكثر فأكثر، وبالاستناد للإحصاءات الصادرة عن منظمة تنمية التجارة الإيرانية، بلغت قيمة صادرات إيران غير النفطية إلى سوريا في عام 2021، أكثر من 217 مليون دولار، الأمر الذي أكّده السفير “مهدي سبحاني” عن نمو حجم التبادل التجاري بين الجمهورية الاسلامية الايرانية وسورية بنسبة 90 بالمائة بدأ من 21 /مارس/أذار/ 2021م.
وبخصوص التمهيد الإيراني لتنمية العمل الاقتصادي مع سورية فمن المعروف أن إيران شريكة رئيسية في الصمود العسكري السوري، ولا يمكن لقواتها البقاء على الأراضي السوري حتى لو كان شرعياً لأنها لا يمكن أن تبني أمال وتؤسس لمستقبل بناء عليه خصوصاً في ظل ما تتعرض له سورية من هجمات “إسرائيلية”، من جهة وبالنظر لما تواجهه إيران من ضغوطات داخلية أحد أسبابها وجودها في سورية، وصولاً أن سورية وإيران من المحور ذاته لذا فالمبرر مفقود لا سيما عندما تنتهي الحرب وينسحب الأجنبي لذا التمهيد لعلاقات اقتصادية وثيقة مع سورية هي في الجوهر استقادها قصوى من سورية بالدرجة الأولى موقعها الجغرافي براً وبحراً وجواً ومواردها وصولاً إلى قطاع لاستثمار، وبالمجمل سورية ليست الحل المطلق بالنسبة لإيران بل هي جزء من الحل حيث النظرة الإيرانية لسورية بوصفها منفذ خارجي لها من العقوبات الاقتصادية وتعتبر نفسها صاحبة حق أكثر من غيرها وسورية مُدانه لها بحكم ما قدموه من بشر وعدّة في التصدي للحرب على سورية، ولا يستطيع أحد أن ينكر ذلك، والجزء الصعب بالمعادلة الإيرانية السورية أن كلاهما عمق استراتيجي للأخر وورقة بيد الأخر للتأثير على أعداء محور المقاومة، وبالنهاية العلاقات السياسية والدبلوماسية غطاء لما هو أعمق ولا ضير في هذه، وحق كل دولة البحث وتثبيت عوامل القوة والبقاء.
بقلم د. ساعود جمال ساعود