في كل عام تحتفل الدول التي ماتزال تأخذ القضية الفلسطينية على عاتقها بالذكرى السنوية ليوم القدس العالمي؛ هذا اليوم الذي نترجم فيه تضامناً مع فلسطين الدولة، فلسطين القضية العربية المصيرية، فلسطين الشعب المقاوم الذي ما يزال منذ عام 1948م يزوق الويلات ويتجرع المر جراء العدوان الإسرائيلي وممارساته التي خرقت سائر العهود والقوانين الدولية دون أي رادع دولي يجبر العدو الاسرائيلي على التزام القوانين والاتفاقيات الدولية التي تحرم هذا الاحتلال الغاصب، دون أي رادع من شأنه إيقافها عند حدودها، الحدود التي تفضح حقيقة وجودها في فلسطين وأرضها المقدسة على أنّه وجود غير شرعي قام على الاستنجاد بالقوى الكبرى صاحبة المصالح في المنطقة العربية، والتزود بما لديها من أسلحة متطورة ضد شعب أعزل جابه الصاروخ بالحجر في كل انتفاضة مشرفة قادها ضد غاصب الديار الصهيوني الأمريكي.
أننّا في سورية إذ نحيي هذه الذكرى العظيمة المترسّخة في عقيدتنا الايديولوجية، فإنّ هذا كان وسيبقى تجديداً لعهدنا دولة وشعباً بوقوفنا مع قضايا أمتنا العربية الإسلامية هذه الوقفة المشرفة التي بنينا عليها أغلب توجهاتنا السياسية في المجال الخارجي وتم دفع ثمنهاً، ولا نبالغ إذا قلنا أننا سخرنا قسماً من مواردنا لترجمة مواقفنا عملياً، مصممين خلال هذه التصرفات على تكوين طابعٍ مميز لسياساتنا ومواقفنا تفردنا عن غيرنا من الدول العربية التي تخلت عن القضية الفلسطينية وقدسيتها لا بل ومقدستها لتنتزعها من فكرها السياسي لا يذكرهم بها إلا تشدق وتمسك شكلي، كذبته عمليات التطبيع مقابل السعي للحصول والوصول إلى رضا الأمريكي الصهيوني، طامعين بسلام الأذلاء الخانعين، وكيف لنا أن نلومهم، فطوال سنين الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين لم تألف هذه الدول روح المقاومة والكرامة اللتان تكفلان رفضها لكل ما يخل بأمن ووحدة الدولة والشعب الفلسطيني.
لا بد من التحدّث عن بعض المواضيع المحورية التي تصب في صلب إحيائنا ليوم القدس العالمي، ألا وهي يهودية الدولة و حركات التطبيع الواسعة والعلنية مع العدو الصهيوني وواقع محور المقاومة وتعامله مع مستجدات المرحلة الراهنة، ولتكن البداية بالاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة “لإسرائيل”.
ففي 6 /ديسمبر/ 2017م اعترف الرئيس ترامب رسمياً بالقدس عاصمة “لإسرائيل”، وذكر أن السفارة الأمريكية سيتم نقلها من تل أبيب إلى القدس، وقد شكّل هذا تحوّلاً بعيداً عن ما يقرب من سبعة عقود من الحياد الأمريكي في هذا الشأن، هذا الإعلان الذي جعل بنيامين نتنياهو بأنّه «حدثٌ تاريخي» يعكس التزام ترامب بتعهداته، ولا عجب فما يهمه مصلحة كيانه ضارباً عرض الحائط بالقرارات والاتفاقات الدولية والثنائية، التي خالفتها صراحة وعلناً، لكونه يمنح شرعية دولية لعمليات التوسع والاستيطان الاسرائيلية، ويثبت نفوذها بالمنطقة، ويمثل دعوة صريحة لاعتبارها لكيان الاسرائيلي فاعلاً دولياً كما يريده الأمريكيون، والأهم والأخطر هو حسم الصراع العربي – الصهيوني من وجهة نظر الطرف الأمريكي لصالح “اسرائيل” عبر إنهاء مسألة التشكيك بكونها دولة أو كيان مغتصب، ونظراً لأنّ الولايات المتحدة الأمريكية كانت قد رفضت القيام قبل عام 2017م أن تقوم بنقل سفارتها إلى القدس، وانتظرت إلى التوقيت المناسب
( أحداث الدمار العربي التي زرعت الرعب في قلوب العرب من الصهيوني الأمريكي وأدواته) لإعلانها غير المباشر بأن “اسرائيل” من وجهة النظر الأمريكية هي أحد دول الشرق الأوسط، وما على الدول المحيطة بها إلا أن تستسلم لهذا الواقع وتباشر برفع أعلام الذل والإهانة والشروع بعمليات تطبيع مع العدو الذي دنس عروبتهم ومقدساتهم التي أتضح جلياً عدم إيلائهما أي أهمية في سبيل العيش برغد وسلام بعيدين عن الصدام مع الاسرائيلي، وهذا ما حصل عبر ما يسمى بإتفاقيات إبرهام التي هي اتفاقيات تطبيع ومهادنة بين بعض الدول مع اسرائيل.
لقد نتج عمّا سلف، قيام مجموعة من الدول العربية بالدخول بعمليات تطبيع مع اسرائيل رغم التشكيك بحقيقة العلاقة بينهم وبين “اسرائيل” بكونها كانت قبل إعلان التطبيع كما هي الآن بعد التطبيع، ولم يبقى في ميدان الصراع العربي والاسلامي ضد العدو الصهيوني الأمريكي سوى دول محور المقاومة وعلى رأسها سورية صامدة متمسكة بإسلامها وبعروبتها وبشرفها وكرامتها لا تحيد عن مبادئها وقناعاتها الراسخة التي تأسست عليها أيديولوجياتها ومنها التمسك بالقضية الفلسطينية ودعم شعبها الشعب الفلسطيني ورفض التطبيع نهائياً، وتفعيل مبدأ الأرض مقابل السلام ومبدأ ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة تفعيلاً أبدياً، ولا عجب هذا نهج أسود الأمة وحماة ديارها.
بقلم الدكتور ساعود جمال ساعود