المقصود بالأمن الوطني من وجهة نظري هو الحال المعبّرة عن كيان الدولة القطرية المعاصرة من ناحيتي أمنها من جهة واستقرارها من جهة أخرى سواء داخلياً أو خارجياً في مختلف الجوانب التي تشكّل عوامل قوة الدولة، والتي لا يجوز استثناء أحدها ولا تفضيله على العوامل الأخرى، اذاً هي بالمحصلة كل متكامل، وهذا ما ينطبق على حال الوضع في سوريا، فالجانب السياسي مرتبط بالجانب الاقتصادي والثقافي والاجتماعي، وهذا ما ينطبق على الحالة في ادلب، حيث يعلم القاصي والداني حال إدلب التي غدت معقلاً للإرهابيين والملاذ الأخير الذي يتوجهون إليه عندما يحصرون في الزوايا الضيقة، أو بالأصح عندما يحصرهم الجيش العربي السوري في إنفاقهم المظلمة كفكرهم وعقيدتهم الظلامية، والتي من الواجب تحريرها وتطهيرها من رجس الإرهاب والارهابيين.
حول معركة تحرير أدلب، مازال هناك من فريق يقول بأنّ ادلب لن تشهد معركة بل سيتم تسليمها للجيش السوري وتسويه أوضاع الارهابيين وعودتهم للحياة المدنية على أساس أنهم سوريون في أغلبهم؛ هذا الكلام الذي ينتشر بدون إثبات أو تصاريح رسمية، بل استناداً إلى تحليلات أصحابها، تبقى في حيز السيناريوهات المستقبلية حول الوضع في أدلب، ولكن في حال حدوث أي التسليم والتسوية التي بها حقن للدماء، ولكن ذلك سيعرض الأمن الوطني لسورية للتهديد وهذان آمران أحلاهما مر.
من منطلق تضامن وتكامل جوانب الأمن الوطني كافة ، فإنّ التحرير العسكري و تطهير المنطقة من الارهابيين، ولا يكفي دخول منطقه إدلب دون قتال، رغم الأرباح البشرية والمادية إلى أنّه يهدد جوانب مهمة من الأمن الوطني للمجتمع والدولة السورية، حيث إنّ الأمن الوطني يقتضي تحرير ادلب بالقوة العسكرية لعدة أسباب:
الأمن الفكري: إنّ وجود العقلية المتحجّرة القائمة على التعصّب والتطرّف والانغلاق الفكري وإقصاء الأخر والتكفير والإيمان بالأحادية وعدم الإيمان بالحوار والنقد البنّاء علاوة على التحجّر الفكري وعدم امتلاك مشروع سياسي ولا ثقافي واضح، أمرٌ يشكّل تهديداً واضحاً للجانب الفكري للمجتمع السوري لأن بقائهم بهذه العقليات والفكر كفيل بتهديم المجتمع السوري من الداخل.
الأمن الاجتماعي: لا يمكن للحياة الاجتماعية أن تعود كما كانت عليه في ادلب قبل الحرب على سوريا سيما بعد القتل والذبح الذي تعرضت له بعض شرائح المجتمع السوري في ادلب على يد الشرائح التي ما تزال موجودة لغاية اليوم، فكيف سيكون الأمر فيما لو بقيت؟! على المستوى الاجتماعي سيما في ظل بقاء سلاح مخبأ بدون شك.
الجانب الأمني: إنّ وجود ارهابيين من بلدان خارجية وكمٌ هائلٌ من الأسلحة التي تتكفل عملية التسليم بتنظيفها على أكمل وجه والجواسيس ومرتزقة أعداء الدول المعادية لسوريا واستخبارات، كل هذا يهدد الأمن الوطني، ويوجب شن حملة عسكرية.
الأمن النفسي: هل سيعود سكان ادلب الشرفاء الذين رفضوا الانخراط في التنظيمات الإرهابية إلى بيوتهم؛ البيوت المجاورة لبيوت جيرانهم الإرهابين؟ الجواب: لا، هل ستعود حركة السفر بين المحافظات الى ادلب بأمان كما كانت من قبل؟ الجواب: لا مبدئياً، في ظل وضعٍ يسوده فقط تسليم الأسلحة و تسويه الاوضاع في حين، وهنا الخطورة الكبرى (بقاء القنبلة الذرية) على حالها؛ القنبلة الذرية التي هي عقل الإرهابي وما فيه من معتقدات وأفكار هدّامه للأمن الوطني أنّ هذا يوجب شن حملة عسكرية لا ترحم الإرهابيين.
انّ ما يقتضيه الأمن الوطني للحكومة والأرض والشعب السوري، سيكون له ثمناً مكلفاً على الصعيد البشري، ومن الصحيح أن سوريا ، ستشهدُ ابتسامة عريضة من جهة بعد تحرير ادلب، لكنها بالمقابل ستشهد دموعاً كثيرة وغصة في قلبها لا تزول، فكل شهيد خسارة بشرية لا تعوض.
بقلم الدكتور ساعود جمال ساعود