منذ الحرب العراقية الإيرانية، وسورية وإيران في خندق سياسي وعسكري واقتصادي واحد، ولا أثر بالغ على مسار العلاقات لما يقوله أعداء الدولتين حول وجود عداء بين (أيديولوجية القومية العربية) و(سياسة الوحدة الإسلامية لجمهورية إيران الإسلامية)، إذ أن هذه المقولة تنطوي على قدر من عدم الدقة إذ لم تقارن أو ترادف بين القومية الفارسية والعربية من جهة ولم تدقق على الجذور الإسلامية الراسخة للدولة السورية، علاوة على مفهوم الفرس الايرانيين والعرب السوريين للعلمانية ذاتها والتي لم تعتنقها بمعناه الغربي الليبرالي المتحلل من الصبغة الفكرية الدينية والقومية لكل البلدين بما لديهما من خصوصيات تميزهم وما تزال أحد معالم وجودهم.
وفي سبيل المضي قدماً بوتيرة العلاقات تحمّلت سورية في مراحل متعددة عزلة الدول العربية “الشقيقة” مقابل تمسكها بتحالفها مع إيران، حيث القواسم المشتركة الكبيرة وأهونها التنسيق ضد الولايات المتحدة و” إسرائيل”، وتعزيز نشر ايديولوجيا المقاومة لدى دول وأحزاب العالم، رغم هذه العبارة الفضفاضة إلا أن لها وجودها ومناطقها بدليل اعتناء بتنمية قوة حزب الله والمقاومة في فلسطين وتعزيز وجودها.
في الحقيقة إن إيران عمق استراتيجي لسورية والعكس صحيح أيضاً إن سورية عمق استراتيجية لإيران ، ويمكن لسورية أمنياً وعسكرياً وبدرجة تالية سياسياً واقتصادياً أن تعوّل على إيران أكثر من الدول العربية التي لم تتجرأ على أخذ موقف حقيقي مع سورية ضد ما واجهته خلال حربها حذار أن تحافظ على مصالحها، لذا لا يعول عليها وإن أبقت تواصلاتها سرية وأرسلت وفود أمنية ، فالسوري لا تخدمه المواقف الضعيفة ويعلم ملياً أن العرب لا يمكن أن يكون لهم جدار موحد إزاء ما يهدد الأمن القومي العربي الذي أصبح معدوم الوجود.
اليوم زيارة لوزير الدفاع السوري إلى إيران، ولقاء من رئيسها ، وتأكيد على أسس العلاقات وتمتينها بما يمهد لمستقبل أكثر أنفتاحاً واستمرارية على المجالات شتى، مهما ارتسمت معادلات إقليمية ودولية جديدة، تصب في صالح إعادة الاستقرار إلى سورية بجغرافيتها وعلاقاتها مع الوسط الإقليمي والدولي، ولو على حساب بعض العادات التي درج عليها الحال بين البلدين خلال السنوات السابقة.
وبالنقل عن وكالة تسنيم ، فقد أكد الرئيس الإيراني آية الله ابراهيم رئيسي “أن إيران ستقف إلى جانب الشعب السوري في مرحلة إعادة الإعمار من خلال تعزيز التعاون الاقتصادي “، إشارة إلى تعزيز الوجود الاقتصادي لإيران الذي سيكون البديل عن أنواع الوجود الأخرى.
ووصف رئيسي خلال استقباله، وزير الدفاع السوري علي محمود عباس العلاقات بين البلدين بانها استراتيجية، وقال: ” إن العلاقات بين ايران وسوريا تقوم على اساس الايمان والعقائد المشتركة وكذلك روحية الصمود والمقاومة لشعبي البلدين”. ومجرد كلمة استراتيجية يعني مدى بعيد للعلاقات استناداً إلى القواسم المشتركة والإمكانيات المتاحة والتأسيس استناداً إليها لتشعب التعاون في المجالات المختلفة.
واعتبر رئيسي دفاع القوات المسلحة السورية عن شعب وحكومة هذا البلد في مواجهة مثيري الفتن، بانّه مبعث أمل لمستقبل سورية حكومة وشعباً، وقال:” إن الجمهورية الاسلامية الايرانية هي الصديق الحقيقي للشعب السوري لأنّها كما وقفت الى جانب سورية حكومة وشعباً في مرحلة التصدّي للإرهاب، فإنّها مستعدة ايضاً خلال مرحلة إعادة الأعمار ايضاً أن تقف إلى جانبهم عبر تعزيز التعاون الاقتصادي الشامل .ولعل هذا حق من حقوق إيران في رقاب السوريين لأن التضحيات المادية والبشرية التي قدموها بالتأكيد لها مقابل، وحتى من باب البراغماتية إن شئنا أو من باب القيم فإن لإيران دين بعروقنا، فقد عملت لأحداث توازن على الساحة السورية داخلياً وخارجياً والتفاصيل متشعبة وكثيرة لا داعي للدخول بها.
بدوره قال وزير الدفاع السوري: ” إن سورية تمكنت في ظل دعم الاشقاء والاصدقاء الحقيقيين من الانتصار في الحرب على الارهاب، وستمارس دورها بشكل أكبر اقتدارا من ذي قبل باعتبارها حلقة من محور المقاومة، وتابع: “إن محور المقاومة سيلعب دوراً مهماً في بلورة العالم الجديد”. وبالفعل لقد أبدع وزير الدفاع في انتقاء كلماته من حيث دقتها وصدقها، وأبدى حرصاً يعكس وجهة نظر القيادة والشعب بخصوص التمسك بإيران وتحالفنا معها بالشكل الذي يحفظ ويضمن السلامة والاستقرار لكل منهما.
كما أوضح وزير الدفاع السوري:” أن العدو يتربص دوماً الفرص للمساس بالعلاقات الصلبة والأخوية بين سورية وايران، ولكن العلاقات بين البلدين متجذّرة وراسخة أكثر من أن يتمكن أحد من المساس بها، وأن هذه العلاقات تتطوّر وتترّسخ يوماً بعد يوم أكثر من ذي قبل.
اليوم يذكرنا العماد علي محمود وزير الدفاع السوري الذي وصف علاقات إيران بسورية بالراسخة والمتجذرة باللواء مصطفى تشمران وزير الدفاع الإيراني في عهد مهدي بازركان وقائد الحرس الثوري الإيراني الذي دعا إلى تحالف إيراني مع سورية، عن ثقة منه بهذه الدولة والدور الذي يمكن أن تلعبه بتقوية محور المقاومة، وذلك بعد تجربته التي خاضها في لبنان. ولعل نظرته جاءت صائبة جداً في ظل ما شهدته السنوات الماضية منذ عام 2010م لغاية اليوم.
بقلم د. ساعود جمال ساعود