يُشير مصطلح الدورتين إلى التجمع السنوي للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، والمجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، حيث يقوم رئيس مجلس الدولة الصيني بحضور الرئيس الصيني شي جين بينغ بتقديم تقرير عمل الحكومة إلى أعلى هيئة تشريعية في البلاد، ويتم خلالهما عرض ما أنجزته الحكومة الصينية خلال عام مضى من جهة وتقديم رؤيتها وجدول أعمالها خلال عام قادم من جهة أخرى.
لم يمضي ثلاثة أشهر على نهاية عام 2021م عام الانتصار على الفقر المدقع في الصين، حيث حصل الاحتفال بمئوية الحزب الشيوعي الصيني، وكذلك بداية الخطة الخمسية في الصين للأعوام (2021-2025م) هذه الخطة المتبعة كل خمس سنوات في جوهرها بذل الجهود لبناء وترسيخ دعائم دولة اشتراكية حديثة.
هنا وأثناء دراسة هذا الموضع الهام الذي يشغل الصينيين وحلفائهم تتزاحم الأسئلة في عقول المراقبين حول ماذا ستدور أهداف الدورتين الرئيسيتين لهذا العام؟ وعلى أي أساس سيتم تحديدها؟ وما هي العوائق التي يتوقع أن تواجه الصين في تنفيذ أهدافها على الصعيدين المحلي والدولي؟
أولاً: مراجعة لأهداف الحكومة في عام 2021م:
وبالعودة إلى الأغراض الرئيسية من انعقاد الدورتين لا سيما عرض ما أنجزته الحكومة الصينية خلال عام مضى فلا بدّ من الرجوع إلى الأهداف التي حدّدتها الحكومة الصيني خلال عام 2021م عبر خطتها الخمسية الرابعة عشر والتي قسّمت إلى جزأين: المحلي والدولي وفق ما يلي:
أولاً: رفاهية المواطن الصيني والعمل على تحسين مستوى معيشته، وهو الجزء الذي يتابعه باهتمام كل مواطن في هذا البلد، ومن باب التعليق فقد كان متوسط نصيب الفرد الواحد عام 2020م من الناتج المحلي للصين(10 الأف دولار أمريكي) إذ بلغ الناتج المحلي في ذاك العام(15,42) تريليون دولار أمريكي، وعلى الأغلب أن هذا الهدف تحقق.
ثانياً: تتعهد الصين ببذلها كل مجهوداتها من أجل ضمان بقاء شعبها فوق خط الفقر وعدم العودة إلى براثين الفقر في أي منطقة في الصين، ومن باب التعليق في عام 2020م تمكنت الحكومة الصينية من تمكين (98,99) ريفي من عبور خط الفقر، الأمر الذي يوحي بتحقيق هذا الهدف في عام 2021م والتأسيس عليه.
ثالثاً: تحسين استراتيجية الحضرنة الجديدة ليس خلال خطة عام 2021م، بل على مدى فترة الخطة الخمسية الـ14 عبر توفير تنمية اقتصادية خاصّة لكل المناطق التي تخلصت من الفقر من خلال خطط هادفة في هذه المناطق، وتعهدت الصين أيضا بمزيد إنعاش الوظائف الحضرية من خلال هدف خلق أكثر من 11 مليون وظيفة جديدة في 2021م والتأسيس عليه، وبالتعقيب بلغ معدل البطالة 5,6% وهو أقل من الهدف السنوي لعام 2020م آنذاك البالغ 6% ومن المتوقع أن تصل لهدفها عام 2021م والتأسيس عليه.
رابعاً: العمل على تحسين وضمان التنفيذ القوي لسياسات خفض الضرائب في 2021م للمواطنين من أجل مزيد رفاهية الشعب، وبالتعقيب تم إيجاد أليات تمويل فاعلة مع بداية أزمة كورونا ونجحت.
خامساً: الهدف الدولي: توجّه الصين إلى تعزيز التعاون الاقتصادي مع الدول الخارجية وتطوير علاقاتها مع الأطراف الذين تجمعهم علاقات متوترة لا سيما الجانب الأمريكي في إطار “المساواة والاحترام المتبادل”، وأيضا تعميق التعاون متعدد الأطراف على المستوى الإقليمي، وبالتعقيب لقد تحقق هذا الهدف لا سيما اقتصادياً حيث دخلت اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، وهي أكبر اتفاقية تجارة حرة في العالم، حيز التنفيذ 1/يناير/2022م، وعلى هذا الأساس فالمستقبل مليء بالانفتاح والاستثمارات للصين مع الأطراف الخارجية.
ثانياً: تقييم صوابيه الإحصائيات والتقديرات:
ومن باب المراجعة والتقييم لأبرز المحاور التي تم تحديدها كأهداف للحكومة الصيني في الدورتين السنويتين للعام السابق، فقد نجحت السياسات الصينية بتحقيق كافة أهدافها، فإنني لست مع التكهنات ووضع إحصائيات اعتباطية وذلك لعدّة أسباب منها:
أولاً: إنّ الإحصائيات الدقيقة لا تملكها إلا الحكومة الصينية وما غير ذلك مجرد تخمينات وتكهنات قد تكون دقيقة وقد لا تكون.
ثانياً: البعد عن أرض الواقع الصيني هو الذي تسبب في حالات خطأ التقدير ومثال أذكر أنّه في عام 2020م نما الاقتصاد الصيني بنسبة 2,3% في حين كانت توقعات صندوق النقد الدولي تشير إلى احتمال نموه بنسبة 1,9% في ظل جائحة كورونا، ولكن توقعاتهم لم تأتي دقيقة بل فاجأت الصين العالم بهذه النسبة.
ثالثاً: أهم الأهداف الحكومية المتوقعة لعام 2020م:
أعتقد جازماً في ضوء الأهداف السابقة لعام 2021م من جهة وفي ظل الإنجازات التي حققتها الحكومة الصينية في الأعوام السابقة بأن أهم أهداف هذا العام ستتمحور داخلياً وخارجياً حول ما يلي:
على المستوى الداخلي:
أولاً: العمل على زيادة نسبة نمو الاقتصاد الصيني.
ثانياً: التأسيس تنموياً لمرحلة ما بعد القضاء على الفقر.
ثالثاً: الموازنة بين زيادة الاستهلاك وزيادة الاستثمارات بما يخدم نمو الاقتصاد الصيني.
رابعاً: المحافظة على زيادة نسبة الناتج المحلي للصين وزيادة متوسط دخل الفرد منه.
خامساً: الحفاظ على الاستقرار في سوق العمل عبر خفض مستوى البطالة وخلق فرص عمل جديدة.
سادساً: تحسين السياسات المالية (الجودة والكفاءة والاستدامة) وإيجاد أليات فاعلة للتمويل.
سابعاً: بذل الجهود في الإصلاح والتنمية لا سيما القطاعات التي تعتمد على التكنولوجيا وقطاع الصحة وزيادة الدعم المالي له.
على المستوى الخارجي: توثيق العلاقات الاقتصادية بالتعاضد مع العلاقات السياسية بنهجها المعتدل والمحايد والمسالم كثيراً إلا بما يتعلّق بسيادتها وأمنها القومي مع دول العالم أجمع سواء باتجاه الولايات المتحدة الأمريكية رغم وجود بعض القضايا العالقة بينهما أو باتجاه دول أوربا وأمريكا اللاتينية والدول شمال وجنوب أفريقيا والدول الاسيوية بجنوبها وغربها وشرقها بما فيها الدول العربية بما يخدم المشروع الصيني العالمي مبادرة الحزام والطريق التي ستبسط الأذرع الصينية في بلدان العالم أجمع بما يقود إلى تقوية المركز العالمي للصين.
رابعاً: التحديات المحتملة :
ومن باب أخر، فإن أهم التحديات التي قد تواجّه أهداف الحكومة الصينية في طريقها إلى التنفيذ أغلبها ذو منشأ سياسي تحكمها عدّة محددات منها العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية التي وصل التبادل التجاري بينها وبين الولايات المتحدة الامريكية خلال الستة الأشهر الأولى من عام 2021م إلى مليار دولار أميركي، وهذا مؤشر إيجابي ينافي توترات السياستين بكثير من المواضيع، والأهم أن الصين تلتزم باحترام وسيادة وسلامة أراضي الدول والالتزام بمقاصد ومبادئ الأمم المتحدة هذا ما ترجمته عبر موقفها من الحرب الروسية الأوكرانية الراهنة، الأمر الذي يمكنها من إقامة علاقات سلمية وودية مع دول العالم تنعكس على الاقتصاد الصيني بصورة مباشرة.
أرى واستنتج أنّ أهمية الدورتين خلافاً للعديد من القراءات والتحليلات المختصة بالشأن الصيني للموضوع تكمن في العديد من الأبعاد نذكر منها:
أولاً: بالنسبة للبعد السياسي: يعكس حضور الرئيس الصيني مقدار المتابعة والمسؤولية والمحاسبة التي يوليها لأعمال الحكومة المكلفة بتسيير شؤون البلاد بالمالات كافة. كما يعكس تقديم تقارير عمل الحكومة وأهدافها أمام أعلى سلطة تشريعي في الصين محورية الشعب من حيث الأهمية والدور في العملية السياسية الصينية، حيث يمثّل الشعب المنطلق والهدف بالوقت ذاته من حيث هو مصدر السلطة وغاية مؤسساتها عبر سياساتها التي تستهدف تسيير شؤونه على الصعد شتّى، وهذا بعد ديمقراطي واضح، ولطالما أنّه مضمن دستورياً فلا يمكن الحكم على الصين إلا بأنها دولة ديمقراطية، فالشعب يحكم نفسه بنفسه
ثانياً: البعد الإيديولوجي: أرى أن الأكثر وضوحاً هو البعد الايديولوجي الذي تأخذه الدورتان، فحضور رئيس الدولة ورئيس الراعي والمراقب لمؤسسات الدولة وآلية عملها والحكومة الموظّفة لخدمة الشعب الصيني وأعلى هيئة تشريعية تضم نواب الشعب، هو بنهاية المطاف تجسيدٌ للديمقراطية الاشتراكية التي هي إيديولوجيا سياسية تدعو إلى تدخل اقتصادي واجتماعي من قبل الحكومة لترسيخ العدالة الاجتماعية، هذه الديمقراطية التي تتغنى بها الصين في ظل الحكم الشيوعي الصيني.
ثالثاً: البعد الإداري: يتجلّى هذا البعد بالقرارات والرؤى التي يتم الكشف عنها خلال الدورتين خاصّة على المستوى الداخلي، حيث تشهد الدورتان في كل عام تقديم عدد هائل من المقترحات التي تمس جميع جوانب إدارة شؤون الدولة الصينية.
رابعاً: البعد الشعبي الإنساني : على اهتمام نواب الشعب بجل الجوانب التي تمس الإنسان الصيني والحكومة الصينية، إذ تهتم المقترحات في أغلبها بالجوانب التي تهم حياة المواطن الصيني بشكل مباشر، وعلى رأسها توفير حياة رغيدة للصينيين.
خامساً: البعد الدولي: إنّ مستقبل الصين وازدهارها يعود بالنفع ليس على مواطني الصين فحسب، وإنما أيضا على العديد من الدول الخارجية التي تربطها معاملات ومصالح مباشرة مع الصين. كما أن الصين لها دور حاسم في إنعاش الاقتصاد العالمي.
بقلم الدكتور ساعود جمال ساعود