بثّ تلفزيون “اسرائيل” الليلة الماضية فيلماً وثائقياً عن معركة قلعة الشقيف في جنوب لبنان عام 1982، وبالصوت والصورة جمع الفلم شهادات جنود الكوماندوز الاسرائيلي الذين شاركوا في المعركة، ويتضح مما كشف أن جيش الاحتلال بقيادة “شارون” وحين احتل لبنان استصعب احتلال قلعة الشقيف، فوضع خطة للتقدم نحو صيدا، وترك القلعة من شدة المقاومة فيها، واكتفى بقصفها بطائرات الاف 16 والصواريخ بمختلف أنواعها وبواسطة المروحيات الحربية دون جدوى.
ولكن وفي يوم الجمعة عاد الجيش وحاصرها بأكثر من 1200 جندي، وتموضع الاحتلال في قرية ارنون القريبة، وعند ساعات الغروب بدأ الهجوم العنيف وزحف رجال الكوماندور الاسرائيلي باتجاه القلعة، ولكن الفدائيين داخل القلعة رفضوا الاستسلام وقرّروا المواجهة، حتى قال أحد الضباط على جهاز الاتصال اللاسلكي (إنها جهنم، ارسلوا الإسعاف فوراً، لقد سقط ستة جنود قتلى وجرحى ).
وبدأ القتال فكانت معركة لم يشهد لها تاريخ المواجهة أبداً، واستخدم الفدائيون هناك الار بي جي والرصاص وحتى السكاكين في مواجهة جيش كامل.
وفيما كانت الجيوش العربية ترتعد من الخوف، وكان الناس يهربون إلى بيروت، ظلّ 27 فدائياً فلسطينياً في القلعة وقرروا كتابة التاريخ على طريقتهم.
ويقول أحد جنود الكوماندوز الاسرائيليين والدموع تنزل من عينيه، حين وصلنا القلعة كانت جثث الجنود الاسرائيليين في كل مكان والجرحى ينزفون ويصرخون، وقد فاجئني أحد الفلسطينيين أنه اقترب مني لمسافة 30 سنتم، واطلق النار علينا، كانوا يطلبون الموت كما نطلب الحياة.
ومضت الليلة، ومضى النهار ومضى يوم الجمعة ويوم السبت ويوم الاحد وكل جيش “اسرائيل” لا يتمكن من اخضاع الفدائيين، أو منعهم عن المقاومة، وفي كل مرة كان جنود الاحتلال يحملون الجثث والجرحى ويولّوا الأدبار. واستمر القتال وجها لوجه في كل خندق وكل متر في القلعة وتحت كل حجر لمدة 60 ساعة كاملة.
ثم وبعد ان استشهد 25 فدائيا خلال القتال في الخمسين ساعة الاولى، وصل الامر حد القتال وجها لوجه، وظل اثنان من الفدائيين ورفضا الاستسلام ابداً.
واستغرق الأمر 12 ساعة وجيش كامل لا يستطيع رفع العلم الاسرائيلي على القلعة، وفي النهاية وقبل استشهادهما تمكنا من قتل 7 جنود اسرائيليين واصابة 17 بجروح خطيرة .
أحد ضباط الجيش الاسرائيلي قال للتلفزيون الاسرائيلي وهو يبكي : “حين دخلت القلعة وجدت أحد جنودي ينزف ويرتجف، فطلب مني أن يشرب الماء ولكن يداه كانتا مقطوعتان وتقطران دماً”، وحين نظرت لرجليه كانتا أيضاً تنزفان ومقطوعتان ويبدو أن أحد المقاتلين الفلسطينيين كان لا يبعد عنه سوى متر وزرع قنبلة تحته، لم اتمكن من اسقائه الماء ولكنه نظر إلي وقال لي قبل أن يموت : اهربوا اهربوا اهربوا.
يوم الاثنين صباحاً استشهد اخر اثنين من المقاتلين في القلعة ، وجاء قائد الجيش ورأى الجثث فاندهش مما حدث، وبعد دقائق جاء شارون وأصيب هو الاخر بالصدمة من عدد القتلى الاسرائيليين وعدد الجرحى ولكن وقبل ان يفهم شيئا ، جاءت مروحية اسرائيلية تحمل رئيس الوزراء “مناحيم بيغن” والذي لم يكن يعرف حقيقة ما جرى.
نزل بيغن من الطائرة وقال بسذاجة: ما أجمل هواء التلال يا شارون، هل كانت معركة هنا ؟
رد شارون وهو مصدوم : “جنودنا صغار في العمر حاربوا هنا واخفى عن بيغن عدد القتلى” .
وحينها سأل بيغن الجندي امام كاميرات التلفزيون : “هل كان لديهم بنادق” ؟ ردّ الجندي :”نعم سيدي الكثير من البنادق” .
وهنا واصل بيغن اسئلته اذا كان الفدائيون استسلموا لهم ؟ رد الجندي بغضب وهو يكاد يبكي : “لم يستسلم أحد منهم ابدا . لم يستسلم أحد” .
نظر بيغن إلى أرض قلعة الشقيف فوجد الرصاص بارتفاع 20 سنتم على الارض ونظر إلى شارون وفهم ما جرى.
ناصر اللحام