لا تزالُ تفاعلاتُ الساحةِ الدوليةِ وتصادمُ المنظوماتِ الفكريةِ تُسفرُ عن سلوكياتِ فاعلِه وأخرى تَمهّدُ لمراحلَ قادمة.. عنوانُها: نبذُ الممارساتِ الصهيوأمريكيةِ الشاذةِ حيالَ خصوصياتِ الشعوبِ والدولِ بمختلفِ هوياتِها .. ما ينطبقُ على الصهيونيةِ إذ هي الجسدُ الأيديولوجيُّ لإسرائيلَ يجمعُهما ترابطٌ روحيٌّ مثيرٌ للجدل .. تركَ ارتداداتٍ انعكاسيةً تُرجمت بمعاداتِها.. أهمُّ تجلياتِها مواقفُ فكريةٌ وسلوكياتٌ شعبيةٌ ودوليةٌ لها أبعادُها التاريخيةُ والسياسية.. تصاعدتْ وسطَ متغيراتٍ اكتسحت الساحتينِ الإقليميةَ والدولية.
ظاهرةُ معاداةِ الصهيونية.. وتحتَ مجهرِ التشريح .. تتكشفُ أسبابُها: تَنامي الوعيِ السياسيِّ العالمي، تطاحنُ المشاريعِ الجيوستراتيجية، محوريةُ السيادةِ في الفكرِ السياسي، رفضُ التسلطِ الدولي، كسرُ الاحتكارِ للقيادةِ العالميةِ الأحادية، الوقوفُ في وجهِ إبادةِ الصوتِ المقاومِ ليبرزَ طوفانُ الأقصى كتعبيرٍ عن الرفضِ للصهيونيةِ والتحررِ منْ أغلالِها
وبالخروجِ منَ التجريدِ إلى ساحةِ التطبيق .. تفيضُ معاداةُ الصهيونيةِ بتجلياتِها الواقعيةِ سياسياً وثقافياً واجتماعياً، والفواعلُ كثرٌ ما بينَ دولٍ ومنظماتٍ حكوميةٍ وغيرِ حكوميةٍ وحركاتٍ ثقافيةٍ واجتماعيةٍ وأحزابٍ سياسيةٍ ومجموعاتٍ طلابية ، متسلحةٍ بخطابٍ قوامُه: التأكيدُ على السيادةِ والخصوصية، والحقوقِ الدوليةِ للشعوبِ والتعاملِ بمنطقِ السلامِ والتنميةِ ورفضِ منطقِ التعاملِ بالقوة ، برامجُ عملُها ما بينَ ممارساتٍ أمنيةٍ عسكرية، ومؤتمراتٍ وفعالياتٍ واحتجاجاتٍ ترفضُ العدوانُ في عالمِ التعددِ القطبيِّ والأيديولوجي.
وبتشعبٍ يتعدّى الحيزَ الجغرافيَ للشرقِ الأوسط ، تتزايدُ “حركاتُ اللاسامية” بمناطقَ أخرى من العالم، في أمريكا اللاتينية وأوربا حتى في الداخلِ الأمريكيِّ والإسرائيلي ، حركاتٌ تتنوّعُ أساليبُها وأهدافُها تجمعُها قواسمُ مشتركةٌ منها المقاومةُ ضدَّ الهيمنةِ والتضامنِ الدوليِّ والدفاعُ عن الشرعيةِ الدولية ِوالنقدُ الثقافيُّ والسياسيُّ والمشاركةُ في قيادةِ المجتمعِ الدولي، أدوارٌ لها الفضلُ في تعزيزِ الهويةِ الوطنيةِ وتغييرِ الديناميكياتِ الإقليميةِ والدوليةِ لرفضِ الاستبدادِ بشتى مظاهره .
نجاحُ الدولِ والحركاتِ المناهضةِ للصهيونيةِ بنستختيها الأمريكيةِ والإسرائيليةِ بخلقِ واقعٍ جديدٍ على الساحةِ العالمية، يتوقفُ على عواملَ عدةٍ أبرزُها: التضامنُ الدولي، ونجاحُ الضغطِ الشعبي على السياساتِ الحكوميةِ تجاهَ إسرائيل، وتفعيلُ المؤسساتِ الدوليةِ وموضوعيتُها، وتجاوزُ الاتهاماتِ بمعاداةِ الساميةِ وفشلِ التغيراتِ الجيوسياسية ممثلةً بحركاتِ التطبيع، وآثارُ الصراعاتِ العالمية، ومقدرةُ توظيفِ الإعلامِ والتكنولوجيا لخدمةِ ظاهرةِ “اليسارية العالمية”، محدّداتٌ وتحدياتٌ يكفلُ تجاوزُها خلقَ واقعٍ دوليٍ جديدٍ قوامُه دحرُ الهيمنةِ والأيديولوجيا السامةِ والانخراطُ في عمقِ القضايا العالميةِ المحقّة.
رئيس قسم الدراسات السياسية في مرصد طريق الحرير
ساعود جمال ساعود