يقود زعيم المعارضة السياسية تصعيداً ضد حكومة نتنياهو بمشاركه ثلاثة أحزاب بغرض تشكيل حكومة بديلة تضم عضو مجلس الحرب بيني غانتس الذي يهدد بالاستقالة حسب هيئة البث الإسرائيلية بالتزامن مع تهديد بعض وزراء نتنياهو داخل حكومته المصغرة بالاستقالة والانقلاب عليه.
تهديدات غانتس تلقفتها أحزاب معارضة أخرى محاولة استقطابه لصفها خصوصاً مع الاجتماع الذي تم يوم الأربعاء الذي ضم زعيم المعارضة يائير لبيد، ورئيس حزب “اسرائيل بيتنا” أفيغادر ليبرمان ورئيس حزب أمل جديد برئاسة جدعون ساعر، متذعرين بالبحث وتنسيق التحرّكات للإطاحة بالحكومة الحالية، وفق ما أفادت به القناة الثانية عشر الإسرائيلية مساء الاثنين ما يطرح تساؤلاً جوهرياً يبحث الجميع عن جواب له يتمثّل بما يلي: هل تستطيع المعارضة الحالية أن تطيح بحكومة نتنياهو؟
يبدو أن المعارضة تدرك أن السياسة لا تكفي للإطاحة بنتنياهو، ما يفسر دعوة ليبرمان قادة المعارضة إلى توحيد الجهود وتشكيل غرفة حرب مشتركة للعمل على تغيير الحكومة، وفي هذا تصعيد واضح فبعد أن كان العمل السياسي يأخذ شكل الاحتجاجات والنقد على الأداء والسياسات يجري اليوم الحديث عن غرفه حرب للأحزاب المعارضة التي لا نعلم فيما إذا كان لها اتباع مخلصين في الجيش والأمن والاستخبارات الإسرائيلية.
على الصعيد السياسي، يستحوذ حزب لا بيد على 24 مقعد في الكنيست من أصل 120 بينما ليبرمان 6 مقاعد في حين حزب جدعون ساعر 4 مقاعد فقط، وباعتقادنا هذه نسبة قليلة تضع الوزن السياسي لهذه الأحزاب على المحك في ظل ما تطرحه بخصوص الإطاحة بنتنياهو.
تعود أسباب استفحال الوزن السياسي للمعارضة الإسرائيلية إلى جملة من الأسباب الأمنية والسياسية والعسكرية التي وفرتها أخطاء نتنياهو القاتلة مع أركان حكومته من قبيل فقدان المستوطنين ثقتهم بقادتهم، وملف الاسرى والتراخي فيه والخسائر اليومية عسكرياً ومادياً وبشرياً، وفشل المنظومة الأمنية والاستخباراتية بردع حزب الله وحماس والتنبؤ بتحرًكاتهم، وإثاره الغضب الدولي وقناعة العالم بمظلومية الشعب الفلسطيني وأسباب أخرى وقع بها نتنياهو، أدّت إلى تصيّد أخطائه من قبل أعدائه الداخليين.
أما عن حجم الاستياء الداخلي فقد تجلّى بدعوة ليبرمان إلى تشكيل حكومة جديدة بديلة داخل الجينيات علاوة على دعوته لنواب تكتل الليكود ( 32 مقعد) للانشقاق عن نتنياهو؛ دعوةٌ من أقلية إلى أكثرية توصف بالجرأة، كما تثير الضحك، فالمعيار الوحيد لانقلاب الليكود على نتنياهو يكمن بزيادة الضغط الداخلي، وانقلاب الجيش عليه، ووقوعه بفخ تفضيل مصلحته الشخصية سياسياً على مصلحة وسمعة الليكود
ليست المعارضة الإسرائيلية بأقل قذارة من نتنياهو وحكومته، فسباقهما من أجل السلطة والحكم ليس أكثر، وليس على الأهداف الخارجية بل على الكيفية والأليات التي قد لا تنجح بها المعارضة هزاتها نظراً لأن حساباتهم الاستراتيجية خاطئة خصوصاً حول تقديرهم لقوة وخطط محور المقاومة ممثلاً بحماس وحزب الله وتكتيكاتهم ومدى قوتهم وخططهم الاستراتيجية، والدليل على قذارة المعارضة أن أحد أسباب اختلافها مع نتنياهو يعود إلى خلافهم حول “خطه اليوم التالي فيما يخص السيطرة الإسرائيلية حول القطاع بعد انتهاء الحرب”. ومن جهة أخرى، فإنّ ما تشهده حكومة نتنياهو من خلافات بين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالنت بعد هجوم الأخير عليه هي خلافات حول الكيفيات والأليات وسبل ترسيخ السيطرة الإسرائيلية، وإطالة آمد وجودها ولو أن هناك توافق على السياسات والكيفيات، لما تجرأ وزير دفاعه على انتقاده لتجنّب منح المعارضة ورقة رابحة.
تأسيساً على ما سبق، يمكننا القول بأن المعارضة الحالية لا يمكنها إزاحة نتنياهو من رئاسة الوزراء لعدة أسباب نجملها بخمس نقاط وفق ما يلي:
- حكومة نتنياهو المتشكّلة منذ نوفمبر 2022 أغلبها من اليمين الديني والقومي اللذان يشكلان غالبية المجتمع الإسرائيلي، لذا يصعب إزالة نتنياهو في حال قرروا كيمين ديني وقومي أن يساندوه.
- حكومة نتنياهو تستغل ظروف الحرب للتحكم بمقاليد الحكم في “إسرائيل” تحت ذريعه طوفان الأقصى، وما تسبب به بدليل قيامهم بتشكيل مجلس حرب وحكومة الطوارئ، وهذا توسيع وتشرعه لحكومة نتنياهو وبسط لسيطرته ايضاً، مما يعني أنه يمر بحالة من” التعسف السياسي”.
- السند القانوني لنتنياهو يكمن بأن الإنتخابات التشريعية مقرره عام 2026 ونتنياهو مستمر بحربه لأن إطالة آمدها يحقق منفعة سياسية لحزبه إلا في حال تم اجراء انتخابات مبكرة ولطالما أنه يستغل رده الفعل، فإنّه لن تجري انتخابات مبكرة إطلاقاً، إضافة إلى ذلك إن عدم تحقيق أهداف الحرب على غزه رغم ضراوة الحرب يمنح نتنياهو سبباً أخر للبقاء السياسي الأمر المعروف عند منافسيه.
- سياسات الليكود بقيادة نتنياهو مدعومة غربياً بدليل تجاهل قرارات مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية حول إدانه اسرائيل ومطالبتها بوقف الحرب على غزه، وما يرافق ذلك من دعم عسكري ومادي لإسرائيل.
- الأهم لا يمكن للمعارضة التغلب على حزب الليكود إلا إذا توافقت إرادتين وهما:
أولاً: إرادة الجيش الذي بدا جنرالاته يعلنون استيائهم من سياسة نتنياهو وما يرافقها من اعلانهم إنه سيأخذهم إلى الهاوية، إضافة إلى خساراتهم العسكرية والبشرية المتزايدة.
ثانياً: إرادة المستوطنين والمجتمع الاسرائيلي حيث بدا احتجاجات أهالي الأسرى تتزايد متهمة نتنياهو بالتواطؤ بملفهم، ولكن لغاية الان لم يشكل هذا الملف ضغطاً على نتنياهو لأنه مضبوط أمنياً.
بالنتيجة إن توافق هذه القوى (جيش – مجتمع اسرائيلي – معارضه) ضد حكومة نتنياهو واحتمال خروج بعض أعضاء الليكود من سيطرة تكتلهم يضع “إسرائيل” أمام وضع أمني جهنمي لأن الموقف هنا يتطلّب قوة عسكرية أمنيه خارج نطاق التحزب والمتحزبين هدفها حماية الكيان بعيداً عن الأشخاص والأحزاب مع افتراض بقاء العمل بالقوانين المفعلة لذلك لابد أن القوى الخارجية مستقبلاً ستتدخل لضبط التنافس الداخلي في اسرائيل بما لا يقود لإدخال هذا الكيان في فوضى داخلية تهدد وجوده واستمراره في منطقه الشرق الأوسط عموماً والمنطقة العربية خصوصاً.
د. ساعود جمال ساعود