شهد أمس قيام أحد المواقع الكترونية التي تطلق على نفسها أسم “إيران انترنشال” نشر أخبار منسوبة إلى أحد الجمهوريين الأمريكيين وهو السناتور جوني إرنست، والتي كشف بها حسب ادعائه الكثير من الأمور ذات الحساسية العالية، ولعل أهم ما نشره فيما يتعلق بإيران قوله في مقابلة مع مراسل إيران الدولي أراش علوي إلى أن:” النفط الإيراني يتم تكريره في دول مثل كوريا الجنوبية واليابان ثم بيعه للجيش. الأمريكي”، وهذه المعلومة تحتاج التدقيق في ظل أمرين يعلمهما القاصي والداني أولهما العداء العلني والخفي بين الطرفين الأمريكي والإيراني، وثانيهما خضوع اليابان وكوريا الجنوبية للأمريكي، الأمر الذي ينعكس بالضرورة على علاقتهما بإيران.
من بديهيات هذا التصريح أن هناك تعاون أمريكي – إيراني غير مباشر أو سري عبر الوسطاء ومنهم كوريا الجنوبية كما يحاول هذا السناتور أن يروج، وهنا لن نقدم كلام بلا إثبات، عبر تكذيب قيام علاقات بين أمريكا وإيران، بل سنحاول تقصي التعاون الاقتصادي بين كوريا الجنوبية وإيران سيما في مجال النفط، لنأخذه معيار للحكم على مصداقية هذا الخبر المرو أمريكياً من عدمه وفق النقاط الأتية:
أولاً: لتحقيق في هذا الخبر نذكر أن كوريا الجنوبية واليابان قد تقيدت بالحظر الذي فرضته الولايات المتحدة الأميركية على الصادرات النفطية الإيرانية اعتباراً من 2 مايو/ أيار 2019م، كان حظراً تاماً في إطار رزمة العقوبات التي فُرضت على إيران بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي عام 2018م، ومن جملة منعكسات هذا الانسحاب السلبية، كانت طاولت العقوبات جميع مفاصل الاقتصادية الإيرانية وقلصت إيرادات إيران المالية إلى حد كبير.
ثانياً: نقلاً عن موقع جادة إيران فقد وصل إجمالي واردات كوريا الجنوبية من إيران في النصف الأول من عام 2020 إلى 5 ملايين دولار أمريكي فقط، في حين قدّرت قيمة الصادرات النفطية الإيرانية لكوريا الجنوبية نهاية 2019م، قبل انتهاء الإعفاءات الأمريكية، بنحو 3 مليارات دولار. في تتبع للإحصائيات والبيانات التي تعرضها منظمة التجارة العالمية ، لم يلحظ النفط في قائمتي الصادرات والواردات خلال الأعوام الممتدة من (2019م- 2020م- 2021م) بين إيران وجمهورية و كورية الجنوبية أي استيراد أو تصدير للنفط ولا مشتقاته، (يمكن المراجعة والتحقق والتدقيق)، بل كانت الصادرات والواردات أغلبها سلع استهلاكية.
ثالثاً: زمن الخبر في الثلاثاء 2021/12/14 : “كوريا الجنوبية هي خامس أكبر مشتر للنفط الخام في العالم، وقد استوردت في المجمل 10.8 مليون طن من النفط الخام شهر سبتمبر/2021 ليس من بينها نفط إيراني”.
رابعاً: رفضت كوريا الجنوبية عودة التعاون مع إيران لاستيراد النفط في ظل استمرار العقوبات الأمريكية على إيران، خوفاً من السطوة الاقتصادية الأمريكية، وكمشاركة مبطنة بجانب أمريكا لفرض حصار خانق ضد إيران، التي تتبع نهجاً دبلوماسياً برغماتياً ذو وتيرة عالية، وهذا الكلام مثبت، حيث قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة بتاريخ 16 فبراير 2022م: ” أن وفداً إيرانياً متخصصاً من المجالات النفطية والمصرفية سيزور كوريا الجنوبية بهدف بحث إمكانية استئناف تصدير النفط والمكثفات الغازية إلى كوريا الجنوبية”.
خامساً: في 23/6/ 2022م، أظهرت بيانات أولية من هيئة الجمارك الكورية أن كوريا الجنوبية لم تستورد نفطا إيرانيا، مواصلة الاستغناء عن واردات الخام الإيراني التي تخضع لعقوبات أميركية.
سادساً: بتاريخ 23/6/2022م نقلاً عن المصدر إيران إينترنشانل، وفقًا لصحيفة وول ستريت جورنال، استناداً إلى وثائق الشركات والبيانات المصرفية ، وكذلك نقلاً عن دبلوماسيين غربيين ومسؤولين استخباراتيين ، تم تناقل أسماء بعض البنوك ومكاتب الصرافة يتم عن طريقها التحايل على العقوبات الأمريكية، في خمس دول لم تكن كوريا الجنوبية من بينها بفرض هناك تعاون سري بين إيران وكوريا الجنوبية، وهذه الدول هي تركيا والصين والإمارات وهونج كونج وسنغافورة
ولكن رغم ذلك، أظهر استطلاع موثوق شمل 26 من التجار والمسوقين ومسؤولي المصافي في كوريا الجنوبية توقع 23٪ من المستطلعين عودة كاملة لإمدادات النفط الإيراني بنهاية عام 2022م، وللعلم كوريا الجنوبية أكبر مشترٍ آسيوي لمكثفات الغاز من حقل بارس الجنوبي الإيراني.
وبالنهاية إن مصداقية هذا الخبر الذي روجه السناتور الامريكي ضعيفة وغير قابلة للتصديق، وللعلم إن هذا التحقيق بمثابة تحقيق وتقصي، وليس تحزب لطرف دون الأخر، رغم أنّ نتيجة هذا التحقيق تصب لصالح إيران، ولسنا بصدد تكذيب أو إثبات بدون أدلة ، بل نحن بصدد البحث والتحقيق للوصل إلى نتيجة مدعمة بأدلة، وهذا ما نبتغيه، وإلى هذا المسعى يذهب المحلل السياسي إن كان من المحققين المدققين.
بقلم الدكتور ساعو جمال ساعود