لا أدري إن كان بضعه أكاديميين ممن يتضورون جوعاً إلى الدرهم والقيمة الاجتماعية، يستطيعون حل أزمةٍ مستعصية، تسببت بنسبة كبيرة بخراب الدار والأبشار، وهم بطبيعة الحال تحت حد السيف سيلقون بالأزمة على المجتمع على أنه السبب الرئيسي للأزمة عامة ولأزمة الهوية خاصّه، علماً أن الواقع والحقيقة يقولان:” أن أزمه الهوية نتائج خلل أصاب طرفي المعادلة: السلطة من جهة والمجتمع من جهة أخرى”. وهذه هي الحقيقة المرّة التي لا ينفع تجاهلها ولا يمكن حلها إلا بتفكيك هذه الظاهرة إلى عناصرها والشروع بمعالجتها على حده؛ واحدة تلو الأخرى.
صحيح أن مشكلة الهوية تحتاج إلى الحلول، ولا نقول غير ذلك!! ، ولكن هل مؤلفات الأكاديميين التي يشبعها الإغراق في التنظير كأداة قادرة على أن تتكفل بذلك؟! .. هذه الكتب التي لا يحق نشرها عبر الهيئة العامة …. الا لفلان وبن فلان .. اي بالواسطة والنفوذ؟!
وكيف لكتب أكاديمية اقتبست من الغير الأجنبي مضامين تجربة بلاده الخاصة ومضامين شعبه الذي لديه تاريخ وشخصية وقيم ومنظومة سياسية مغايرة لما نحن فيه تماماً؟! وكيف لمن سمّى نفسه مفكراً وملئ شاشات “الخطاب الخشبي” صخباً أن ينظّر على موائد فلان وفلان من الناس مما اقتاته دماغه من أفكار، استلها ممن سميناهم معارضين و كفرناهم واظهرناهم بصورة شيطانية كرهتها الخليقة باسرها و تأففت منها؟!
إن بعض الجرأة ليكسبن الصمت، لعلة أدبيه. فها هي السياسة بنظرياتها تنادي بترتيب الأولويات لشعب جائع يسرقه الداخل والخارج، لا يرأف به أحد، ولا ينصفه أحد، فهل بلغت بكم الأريحية ونفاذ برامجكم “الحكومية” أن تنادوا بما هو رخيص وثانوي على حساب الأساسي والرئيسي؟!
أليس طعام الناس أولويه؟ ورواتبهم. ومصير شبابهم؟ وهجرة الكفاءات؟ واحترام العقول التي لا يكسر ظهر الدولة كمثلها. فعلى سبيل المثال يا “سيادة الملك” ما لكم تمددون عقود العجزة في مؤسساتكم التعليمية، وتنقضّون بقرارات أقلامكم على قوة الدولة ومصدر عزها؛ اقصد الشباب؟!
ما لكم تخرّجون الآلاف من جامعاتكم في حين طاقتكم عشرات فقط أتحسبون أنك دولة كبرى؟! أليس لهذا الوضع حل عند شيوخ السلطان؛ أهل اللمس واللحس؟! عند أركان حكوماتهم عند جهابذتكم ومؤسسات الظل التي لا تقوى إلا على الفقراء الذين نهضت على اكتافهم دولاً، واستغنت من التجارة بدمائهم حكومات؟! هنالك الكثير لنقوله، ولكن نفضل أن نبقى صامتين لعجز لا لحكمه.
تحدث بعضهم من أهل الرزانة العقيلاء عن الفتق والرتق بصورة أكاديمية جميله يحكمها التورية والكناية والاستعارة المكنية فقال:” إن الحرب فجّرت الآف الأسئلة حول الهوية في دولته، وانا أقول لك لقد اظهرت الحرب أن شعبكم شعب بلا هوية لا على المستوى الوطني ولا على أي مستوى باستثناء الديني فشعبكم لا يعتقد إلا بالهوية الدينية، وإن أردت الأخطر لا يؤمن بالأديان كخط عام لرأب الصدع لا بل نؤمن بالدين على مستوى المذهب والطائفة، وهذا ما يمثل قمه الخطر على الأمن والاستقرار المجتمعي، اذ لا أمن ولا استقلال مجتمعي في ظل هذه الهوية، لذا الزمت قلبي القوة وقلت:” ان شعبكم لا يملك هوية حقيقية” .
السؤال الأهم: هل تملكون هوية وطنيه؟ سؤال يقض مضاجعكم ولا ريب لقد سبق خلال الأربعين سنة المنصرمة أن خلقت هوية وطنية بالفعل عبر البوابة الاقتصادية، وهذا ما تجهلونه حيث كانت الأولوية للقطاع العام الذي قام بتوفير العلاج والتعليم والمأكل والملبس وغير ذلك، ما اشعر المواطن في دولتكم أن لديه جهة تحميه مسؤولة قادرة غنية اسمها الدولة. وبالفعل أصبح الناس أو كانوا يتراكضون لحيازة لقب مواطن، حيث خلق القطاع العام شعوراً بالوطن والانتماء والهوية، أما الآن فالهوية الاقتصادية مضطربة رأسمالية متوحشة بلبوس اشتراكي، لا يشعر معه المواطن بالاستقرار ولا الهدوء والانتماء. و بالضفة الاخرى دولة تتنصل من واجباتها واحدة تلو الأخرى وتشعر المواطن بضعفها وعجزها وعداوتها له تارة أخرى لدرجة أن الرباط الوحيد هو ذاك المفروض بالقبضة الحديدية التي تقف باحترام أمام الارهابي والقاضي الفاسد والخائن والوزير القذر في حين تنهال بالشتائم على من آمن بها وترجم محبته لدولته بصموده في بلده خلال العشرة العجاف او الـ (14) العجاف.
السؤال الحاسم: ما سر أزمة الهوية؟
إن الهوية هي البنت الشرعية للانتماء للوطن والانتماء بدوره قائم على معادلة مفادها: (الحقوق + الواجبات)، فاذا أخذ المواطن حقوقه قام بفعل واجباته، وهنا تتولد الهوية تلقائياً لأن المواطن هنا يبرز بصفته صاحب حق ، والدولة هنا تعيد التذكير بممارستها بالعقد الأجتماعي، ولا تضرب عرض الحائط به بحجه الظرف الضاغط أو التغييرات الدستورية أو الاستنجاد بالقبضة الفولاذية المخصصة دستورياً لحماية الأمن الوطني من المخاطر الداخلية والخارجية.
السؤال الأخطر: ما النتيجة؟
الجواب: إن المرض الذي تعاني منه هويتنا الوطنية يسمى متلازمة الهوية الانفصامية. و
الشرح: أغلب المواطنين مستقطب خارجياً لجهة ما بفعل القومية أو المذهب أو الطائفة، كما أنه داخلياً مستقطب بفعل العوامل السياسية والثقافية والممارسات السلوكية المتراكمة بهويات موازية للهوية الأساسية وعلى حسابها، وعندما يضطر المواطن للانخراط في منطقة العمل الشعبي، فإنه يمارس تلقائياً (سياسة التقية) لأنّه صاحب هوية أساسية يفضّلها على جميع الهويات، ومنها أعلاها الهوية الوطنية، فهي مصطنعة ولها أركانها التي إذا لم تتوفر؛ لم تتوفر هذه الهوية، وهذه أزمتنا.
لا يوجد هوية وطنية ملزمة وقولنا ملزمة شيء وجامعة شيء لأن الأخرى موجوده، وهي رباط ثقافي لكننا نحتاج إلى شيء أشبه بالرباط الدموي بين المواطن والدولة، ونختم بحالة حدثت في إحدى “الدول” حيث هجم معارضوها على البنية التحتية التي هي للشعب عامة رغم رفعهم شعارات كاذبة “حريه وحكم وطني” وغيرها، وتبيّن أنهم لا يفهمون ما يقولون وعلى فرض نجحوا فقد دمروا مكتسبات الدولة بأيديهم بالنهاية هم مأجورون لتدمير الهوية ذاتها، الحرب الأخيرة كانت معدّة لضرب الانتماء والهوية ولقد أثمرت جزئياَ للأسف.
بقلم : د. ساعود جمال ساعود
رئيس قسم الدراسات السياسية في صحيفة طريق الحرير.