دراسة: تصاعد موجة معاداة السامية في الدول الأوربية
التنظير للمفهوم : معاداة الصهيونية، مصطلح يمثل رفض، أو محاربة الصهيونية بناء على موقف سياسي، أو معتقد ديني. تختلف دوافع رفض الصهيونية بين الدول والمناطق والأحزاب والحركات الإجتماعية والسياسية، وتعدد الأسباب بين رفض مشروعها الدولي في فلسطين بصفته مشروعاً استعماريًا، ورفضها في قطاعات يهودية علمانية فضَّلت الاندماج في المجتمعات التي تعيش فيها، ورفضت ربط الهوية اليهودية ببعد قومي أو دولي، وترى المعتقدات الدينية اليهودية أن العودة إلى (أرض الميعاد) مرتبطة بقدوم المسيح، حيث تتعد الأسباب تبعا لظروف ومتغيرات كل بيئة على حدة، وتكاد المعارضة للصهيونية والهيمنة الأمريكية أن يكون لها مميزات وخصائص مميزة لها، دون أن يعني ذلك أنه ليس بينها قواسم مشتركة بل العكس تماما، الفرض بالقوة واقصاء الاخر وحرمانه هويته وتطبيق الايويولوجيا الخاصه بهم وحرمان الشعوب خصوصياتها الثقافية والسياسية والاجتماعية، وتبني نبرة الاستعلاء البشري المدعومة بالقوة العسكرية، وتذكر الأدبيات أن معاداة الصهيونية تختلف عن معاداة اليهود، أو اللاسامية الأوروبية التي تعادي اليهود لذاتهم.
أولا: اللاسامية في أوربا:
”1- تعريف اللاسامية من المنظور الأوربي: اللاسامية” مصطلح متعارف عليه في أوروبا وهو كراهية اليهود وملاحقتهم على يد حكومات أو فئات من شعوب أوروبية وذلك بسبب انتماء اليهود … المختلف عن الشعوب الأوروبية.
2- السياق التاريخي لظهور المفهوم: مصطلح اللاسامية ذاته ظهر في الربع الأخير من القرن التاسع عشر من خلال كتاب نشره فيلهلم مار بالألمانية عام 1879 تحت عنوان “انتصار اليهودية على المسيحية”. وتؤكد مديرة المركز الفلسطيني للشؤون الإسرائيلية “مدار” دكتورة هنيدة غانم، إن هدف اللاسامية هو إظهار اليهود كعنصر منفرد وغريب وله مميزات خاصة به دون سواه من الشعوب الأخرى في العالم. وتتابع “تم توظيف اللاسامية كمفهوم لأهداف سياسية من قبل الصهيونية، وتم توظيفه من أجل إسكات أي صوت انتقادي للصهيونية وممارساتها بحق الشعب الفلسطيني، عبر تعميمه حيناً وتحريفه أحياناً أخرى. وتم استخدام المفهوم للابتزاز في السياقات السياسية والأكاديمية ما أخرج المفهوم عن سياقه وجعله اشكالياً ومثيراً للجدل”.
3 – عوامل ظهور اللاسامية في أوربا:ظهور اللاسامية لعدة عوامل منها:
العامل الديني: وهو عبارة عن نظرة مسيحيين أوروبيين إلى اليهود على أساس أنهم سببوا موت السيد المسيح، فعقاباً على فعلتهم هذه يجب أن يبقوا في أسفل الدرجات الاجتماعية والسياسية وغيرها. ويعزى لرجال الكنيسة الكاثوليكية لعب دور بارز في اذكاء نار هذا العامل ونشره في الأوساط المسيحية.
العامل الاقتصادي:: دخل اليهود إثر إتّباع سياسة التحرر والمساواة في عالم التجارة والاقتصاد والثقافة والمهن الحرة، فتحسنت أحوالهم الاقتصادية والمعيشية والمهنية، ما أدى لتبوؤ عدد منهم بعض المهام المركزية في الحياة السياسية والاقتصادية في بعض الدول الأوروبية. عن طريق القيام باستغلال المجتمعات المسيحية التي يقيمون فيها.
العامل القومي: اليهودي يرفض الاندماج مع المجتمع المسيحي، وهكذا فإنه يُشكّل عائقاً أمام التقدم الاجتماعي في المجتمعات الأوروبية التي تواكب التقدم والتطور بكل أشكاله.
العامل القومي::: مرتبط بظهور الحركات القومية في مختلف أنحاء القارة الأوروبية في أواخر القرن التاسع عشر، وظهور أحزاب وحركات سياسية اهتمت بالعنصر والقومية، يرفضون دائماً الاختلاط بالمجتمعات، وعملوا دائماً على قلب أنظمة الحكم والسيطرة على العالم.
4- مظاهرات ضد السامية وردة فعل “اسرائيل “::على خلفية مظاهر ما يعرف بـ “اللاسامية” بعث الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين برسالة عاجلة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عبر فيها عن مخاوفه من الأوضاع في فرنسا، على ضوء موجة الاعتداءات اللاسامية الأخيرة في أوروبا عموما وفي فرنسا خصوصا. وعن ذلك قال ريفلين: “أكتب اليك كصديق لي على المستوى الشخصي وأيضا باسم إسرائيل، حتى أعبر عن تقديري لزيارتك إلى المقبرة اليهودية شرق فرنسا وفي نصب المحرقة في باريس”. لافتا إلى أن تدنيس القبور اليهودية مع رموز نازية، يشكل تذكيرا بوجود اللاسامية ويتابع “للأسف، هذا ليس حادثا وحيدا، حيث شهدنا في الآونة الأخيرة اعتداءات لاسامية أخرى، مخيفة ومقلقة تشكل إهانة للشعب اليهودي، والجمهورية الفرنسية ولكل الإنسانية”. وطلب ريفيلن من ماكرون اتخاذ موقف قوي، حازم وواضح حيال هذه الأحداث، مذكرا إياه بالتزامه وتعهده أمامه خلال اجتماعه الأخير معه في فرنسا بمحاربة اللاسامية.
عام 2019 – نصف أعضاء الحكومة الفرنسية بينهم رئيسها والعديد من النواب شاركوا في تجمعات مناهضة لتزايد الأعمال المعادية للسامية بما في ذلك استهداف المفكر آلان فينكيلكرو على هامش حركة “السترات الصفراء”. وقد أحصت فرنسا في الإجمال 541 عملا معاديا للسامية في 2018 وهو رقم ازداد بنسبة 74 في المئة في عام واحد، لكنه لا يزال أدنى من أرقام سجلت في 2014 (851) وفي 2004 (974). وجاءت التظاهرات تلبية لنداء وقعه حوالي عشرين حزبا، بمبادرة من رئيس الحزب الاشتراكي اوليفييه فور.
وفي كلمته أمام رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية ساوى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، بين “معاداة الصهيونية” و”معاداة السامية”. وادعى أن “معاداة الصهيونية هي الطريقة الجديدة لمعاداة السامية” وقال إن “هناك مشكلة نواجهها، وأنتم، أيضا، ترونها، وهي معاداة السامية… نرى ذلك في الاتهامات الخاطئة تجاه اليهود، ونرى ذلك في محاولات قتل يهود بواسطة أيديولوجيات راديكالية، ومنذ قيام دولة إسرائيل نرى نوعا جديدا من معاداة السامية”.
قال بنيامين نتنياهو إن “ميليشيات تحاول محو دولة اليهود واليهود وفقط هم” وأضاف “يجب علينا أن ندعو ذلك ببساطة وبشكل واضح: معاداة الصهيونية هي الطريقة الجديدة لمعاداة السامية، بغض النظر عن مصدرها. يجب على الجميع إدانة ذلك”. وجاءت تصريحات نتنياهو على خلفية الأزمة المتفاقمة مع بولندا، والتي أدت إلى إلغاء قمة “فيشغراد” بمشاركة كل من بولندا والمجر والتشيك وسلوفاكيا، في إسرائيل ، وقرر رئيس الحكومة البولندية، ماتيوش موافيسكي، عدم إرسال مندوب إلى المؤتمر في أعقاب تصريحات القائمة بأعمال وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، الذي اقتبس تصريحات رئيس الحكومة الأسبق، اسحق شامير، الذي قال “إن البولنديين رضعوا معاداة السامية من حليب أمهاتهم”.
تصريحات نتنياهو الأخيرة وردت في مؤتمر يشارك فيه أكثر من 100 من زعماء نحو 53 منظمة يهودية أمريكية مختلفة. يشار إلى أن مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية هو تنظيم يهودي صهيوني ينشط في الولايات المتحدة، ويوحد كل المنظمات اليهودية في تنسيق وتوجيه مواقفهم ونشاطاتهم في القضايا اليهودية مقابل الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية وهيئات سلطوية أخرى. وقد انضم عدد من الوزراء الإسرائيليين لتوظيف الأعمال المعادية لليهود في بعض دول أوروبا من أجل مكاسب دعائية، فدعا وزير التعليم نفتالي بينيت المتبقين من اليهود في فرنسا للهجرة إلى إسرائيل باعتبارها دولة اليهود وأفضل ملجأ لهم في العالم لاسيما أن المخاطر ما زالت محدقة بهم في كل العالم.
أولاً: أسماء بعض الجهات المعارضة للصهيونية والهيمنة الأمريكية:
القسم الأول: أحزاب سياسية:
أسماء بعض الأحزاب السياسية المناهضة للصهيونية والهيمنة الأمريكية | |||
(La France Insoumise) | حزب اليسار (The Left) في ألمانيا | حزب الخضر (Green Party) | حزب الشيوعيين (Communist Party) |
BDS (Boycott, Divestment, Sanctions) | حركة فرنسا غير الخاضعة | بعض الفصائل داخل الحزب حزب العمال البريطاني (Labour Party) –
|
القسم الثاني: حركات إجتماعية:
بعض الحركات الإجتماعية المعارضة للصهيونية والهيمنة الأمريكية | |
حركة BDS (Boycott, Divestment, Sanctions) | الحركة المناهضة للعولمة (Anti-globalization movements) |
حركة “Stop the War Coalition” في المملكة المتحدة |
المنظمات غير الحكومية:
أطباء بلا حدود (Médecins Sans Frontières) – في بعض أنشطتها المتعلقة بالحقوق الإنسانية. |
منظمة العفو الدولية (Amnesty International) – فيما يتعلق بحقوق الفلسطينيين. |
هيومن رايتس ووتش (Human Rights Watch) – في تقاريرها عن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. |
منظمات ثقافية وإعلامية:
مركز الدراسات الفلسطينية (Palestine Studies Center) |
مؤسسة “الحق” (Al-Haq) – منظمة حقوقية فلسطينية تعمل في أوروبا. |
مجموعات طلابية:
التحالف الطلابي من أجل فلسطين (Students for Justice in Palestine) |
جمعيات طلابية يسارية في الجامعات الأوروبية. |
ثانياً: الأدوار التي تقوم بها هذه الجبهات المناهضة للصهيونية والهيمنة الأمريكية:
تقوم الحركات الاجتماعية، المنظمات غير الحكومية، المنظمات الثقافية والإعلامية، المجموعات الطلابية، والأحزاب السياسية في أوروبا بعدة أدوار مهمة تتعلق بمعارضة الصهيونية أو الهيمنة الأمريكية. إليك بعض هذه الأدوار:
- الحركات الاجتماعية:
- التوعية والتثقيف: تنظيم حملات توعية حول القضايا المتعلقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتعزيز الفهم العام حول حقوق الفلسطينيين.
- الاحتجاجات والمظاهرات: تنظيم مظاهرات سلمية للاحتجاج على السياسات الإسرائيلية أو التدخلات الأمريكية في الشرق الأوسط.
- التضامن: بناء شبكات تضامن بين المجتمعات المحلية والفلسطينيين، وتعزيز العمل الجماعي.
- المنظمات غير الحكومية:
- تقديم الدعم القانوني والإنساني: العمل على تقديم المساعدة القانونية للفلسطينيين المتضررين من الانتهاكات، وتوفير الدعم الإنساني للمحتاجين.
- البحث والتوثيق: إجراء أبحاث وتوثيق الانتهاكات لحقوق الإنسان، ونشر تقارير تسلط الضوء على الأوضاع في الأراضي المحتلة.
- الضغط السياسي: التأثير على صانعي القرار في الحكومات الأوروبية لدعم حقوق الفلسطينيين وإعادة النظر في السياسات المتعلقة بإسرائيل.
- المنظمات الثقافية والإعلامية:
- إنتاج المحتوى الإعلامي: إنتاج أفلام وثائقية، مقالات، وكتب تسلط الضوء على القضايا الفلسطينية وتاريخها.
- تنظيم الفعاليات الثقافية: إقامة معارض وندوات ثقافية لتعزيز الثقافة الفلسطينية وتاريخها.
- التوعية عبر وسائل الإعلام: استخدام وسائل الإعلام لنشر المعلومات والتحليلات حول قضايا الشرق الأوسط.
- المجموعات الطلابية:
- تنظيم الفعاليات الأكاديمية: عقد ندوات ومناقشات حول القضايا الفلسطينية في الجامعات.
- التعبئة والتجنيد: جذب الطلاب للمشاركة في الأنشطة المناصرة للقضية الفلسطينية.
- التعاون مع منظمات أخرى: بناء تحالفات مع منظمات أخرى لتعزيز الجهود المشتركة.
- الأحزاب السياسية:
- تقديم الدعم البرلماني: تقديم مقترحات قوانين أو قرارات تدعم حقوق الفلسطينيين وتعارض السياسات الإسرائيلية.
- التأثير على السياسات الحكومية: العمل على تغيير السياسات الخارجية للدول الأوروبية تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
- التعبير عن المواقف السياسية: تمثيل وجهات نظر معينة داخل البرلمان، والدفاع عن حقوق الإنسان في النقاشات السياسية.
تتعاون هذه الكيانات بشكل متبادل لتعزيز الرسائل والمبادرات التي تدعو إلى العدالة والسلام في المنطقة.
ثالثاً: التحديات التي تواجه هذه الجبهات في أداء أدوارها في المجتمعات الأوربية:
تواجه الحركات الاجتماعية، المنظمات غير الحكومية، والمنظمات الثقافية والإعلامية، والمجموعات الطلابية، والأحزاب السياسية في أوروبا عدة تحديات في عملها المتعلق بمعارضة الصهيونية أو الهيمنة الأمريكية. من بين هذه التحديات:
التحيز الإعلامي:
- التغطية السلبية: قد تواجه هذه الكيانات صعوبة في الحصول على تغطية إعلامية عادلة، حيث يمكن أن تكون وسائل الإعلام متحيزة أو تروج لوجهات نظر معينة.
- نقص المعلومات: قلة المعلومات الدقيقة حول القضايا الفلسطينية قد تؤدي إلى تشكيل آراء غير مستندة إلى الحقائق.
الضغط السياسي:
- الضغوط الحكومية: بعض الحكومات الأوروبية قد تكون مترددة في دعم القضايا الفلسطينية بسبب العلاقات السياسية والاقتصادية مع إسرائيل.
- التشريعات المقيدة: وجود قوانين أو تشريعات تهدف إلى تقليل قدرة المنظمات على العمل بحرية، مثل قوانين مكافحة الإرهاب التي قد تُستخدم لتجريم النشاطات المناصرة.
الاستقطاب الاجتماعي:
- التوترات المجتمعية: يمكن أن تؤدي القضايا المتعلقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى استقطاب داخل المجتمعات الأوروبية، مما يجعل الحوار صعبًا.
- التحريض ضد الناشطين: قد يتعرض الناشطون والجهات الداعمة للقضية الفلسطينية للتحريض أو التهديد من مجموعات معارضة.
نقص التمويل:
- صعوبة الحصول على التمويل: تواجه المنظمات غير الحكومية صعوبة في الحصول على التمويل اللازم لدعم أنشطتها، خاصة إذا كانت تتعامل مع قضايا حساسة.
- اعتمادها على الدعم الخارجي: بعض المنظمات تعتمد على التمويل الخارجي، مما قد يؤثر على استقلاليتها.
التحديات التنظيمية:
- إدارة الموارد: تحتاج المنظمات إلى إدارة مواردها بشكل فعال لتحقيق أهدافها، وهو ما يمكن أن يكون تحديًا خاصة في ظل نقص التمويل.
- تنسيق الجهود: تنسيق الأنشطة بين مختلف الكيانات يمكن أن يكون صعبًا، خاصة إذا كانت هناك اختلافات في الرؤى والأهداف.
المعارضة السياسية:
- ردود الفعل السلبية: قد تواجه الحركات الاجتماعية والمعارضون مقاومة من الأحزاب السياسية التي تدعم إسرائيل أو تتبنى سياسات مؤيدة للهيمنة الأمريكية.
- تحديات قانونية: قد تتعرض المنظمات لملاحقات قانونية أو انتقادات من قبل جهات حكومية أو سياسية.
تحديات التواصل:
- الوصول إلى الجمهور: قد يكون من الصعب الوصول إلى جمهور أوسع لنشر الرسائل وتعزيز الوعي بالقضايا الفلسطينية.
- استخدام التكنولوجيا: رغم أن التكنولوجيا توفر فرصًا للتواصل، إلا أن هناك تحديات تتعلق بالأمان الرقمي وحماية المعلومات.
تتطلب مواجهة هذه التحديات استراتيجيات مبتكرة وتعاونًا بين مختلف الكيانات لتحقيق التأثير المطلوب والدفاع عن حقوق الفلسطينيين.