تسعى الولايات المتحدة لتعزيز شراكتها الاستراتيجية مع اليابان وكوريا الجنوبية، تحسباً لأي مواجهة محتملة مع الصين في المحيطين الهادئ والهندي، تعمل في الوقت نفسه على زيادة وجودها العسكري في الفلبين، وتكتسب اليابان والفلبين أهمية خاصة نظراً إلى قربهما الجغرافي لتايوان، إذ تقع جزيرة “إيتبايات” في أقصى شمال الفلبين على بعد 93 ميلاً فقط.
الوضع العسكري اليوم بالنسبة للفلبين: أعلن وزير الدفاع الأمريكي لويد جيه أوستن صفقة لمنح الجيش الأمريكي حق الوصول إلى أربع قواعد أخرى في الفلبين، وبذلك يصل العدد الإجمالي إلى تسعة. المرة الأولى منذ 30 عاماً التي سيكون فيها للولايات المتحدة مثل هذا الوجود العسكري الكبير في البلاد، الأمر الذي يجعل من الفلبين شريكاً استراتيجياً رئيسياً لواشنطن في المنطقة في حالة نشوب صراع مع الصين حول تايوان.
احتجت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ وقالت: “من منطلق المصلحة الذاتية، تواصل الولايات المتحدة تعزيز انتشارها العسكري في المنطقة بعقلية محصلتها الصفرية، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم التوتر في المنطقة ويعرض السلام والاستقرار الإقليميين للخطر”.
كما أن المعركة الاستراتيجية للولايات المتحدة الامريكية تمتد للتنافس الصين على أندونيسسا الغنية بالموارد ذات 300 مليون نسمة والواقعة على الحافة الجنوبية للبحر الصين الجنوبي، على الرغم من أن إندونيسيا أظهرت خطاً قوياً ضد الصين في ستينيات القرن الماضي، إلا أن المصالح السياسية، فضلاً عن الاستثمارات الصين المليارية في البنية التحتية لإندونيسيا أسهم في ترجيح كفة بكين جزئياً على حساب واشنطن.
وظهرت المناكفات الأمريكية ضد الصين بالمحيط الهادئ جلية منذ توقيع الصين لاتفاقية أمنية مع جزر سليمان في عام 2022، وعلى الرغم من غياب دام أكثر من 30 عاماً، فتحت الولايات المتحدة سفارة في دولة جزر سليمان الواقعة في المحيط الهادئ، حسبما أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن مطلع فبراير/شباط الجاري، في سعي لتعزيز العلاقات الدبلوماسية في المحيط الهادئ في إطار مواجهة الصين، وفقاً لصحيفة الغارديان البريطانية.
الصين التي رأت فيه بداية “حرب باردة” جديدة: أعلنت بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا في سبتمبر/أيلول 2021 إنشاء حلف عسكري يحمل اسم أوكوس لـ “حماية مصالحها” في المحيطين الهادئ والهندي أمام النفوذ الصيني هناك، وهو ما أثار استياء على رأسها الصين التي رأت فيه بداية “حرب باردة” جديدة.
في عام 2023م: استضاف الرئيس الأمريكي جو بايدن قادة جزر المحيط الهادئ في قمة واشنطن التي تعهد فيها بالمساعدة في درء “الإكراه الاقتصادي” الصيني، ووعد بالعمل بجدية أكبر مع الحلفاء والشركاء لتلبية احتياجات سكان الجزر.
الجديد في إطار الحصار الجيوستراتيجي الأمريكي ضد الصين في عام 2024م تخطط طوكيو وواشنطن لأكبر تحديث للمعاهدة الأمنية التي تم التوقيع عليها قبل أكثر من 60 عاما، والغرض من هذه الوثيقة هو إعادة هيكلة القيادة العسكرية الأميركية في اليابان، وبالتالي، زيادة استعداد الدولتين القتالي العملياتي، حيث يجمع كلا من الولايات المتحدة واليابان شعور بالقلق إزاء النمو المتزايد لتأثير الصين، ويتفق الجانبان على ضرورة تطوير تحالف عسكري.
أن الأميركيين يدفعون اليابان إلى تحمل مسؤولية أوسع فيما يتعلق بالأمن الإقليمي، بما يتجاوز حماية الجزر اليابانية والمياه المحيطة بها.
وتعمل اليابان كقائد للجهود الرامية إلى بناء نظام التحالفات الأميركي بدليل ما يجري بمشاركة اليابانيين، من تشكيل آليات ومنصات للحوار مع دول جنوب شرق آسيا مثل الفلبين والهند، لمجرد أن طوكيو تتمتع بعلاقات أفضل مع الدول الإقليمية ومستوى أعلى من الثقة المتبادلة.
وبالنسبة لوجهة النظر الصينية: ترى جمهورية الصين الشعبية في هذا كله خطوات عدائية؛ ومن جانبها، تحاول القيام بعمل دبلوماسي نشط بين دول جنوب شرق آسيا من أجل إقناعها بعدم الدخول في مثل هذه الأشكال من التفاعل “.
ولماذا الآن بالذات تبحث عن حلفاء لتحشدهم ضد الصين؟ حول ذلك، كتبت أناستاسيا كوستينا، في “إزفيستيا“:تحاول الولايات المتحدة تعميق التعاون مع جميع الحلفاء المحتملين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ لدعم مصالحها الخاصة واحتواء الصين. فمع أستراليا وبريطانيا، أنشأت الولايات المتحدة في السابق التحالف العسكري السياسي AUKUS، الذي يجري من خلاله توسيع الأسطول النووي.
وتقوم واشنطن بتطوير حوار أمني رباعي مع كانبيرا(استراليا) وطوكيو ونيودلهي(الهند). هذا ليس تحالفًا عسكريًا، لكن الأطراف تناقش أيضًا قضايا الدفاع. ومن الجدير بالذكر أن كلا المجموعتين تسعيان رسميًا إلى تحقيق الهدف نفسه- ضمان الأمن في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. والواقع أن هذه الصيغة تعني المواجهة المشتركة للتوسع الصيني، وهو ما يتحدث عنه زعماء الغرب بانتظام.
والآن، قررت واشنطن إقامة حوار مشترك مع طوكيو ومانيلا(الفلبين). ففي 11 أبريل، سيستضيف الرئيس جو بايدن رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا والرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس جونيور في البيت الأبيض. وستكون هذه أول قمة ثلاثية بهذه الصيغة.
وفي الصدد، قال أستاذ التاريخ بالجامعة الأمريكية في واشنطن، بيتر كوزنيك: “لقد وصلت الولايات المتحدة الآن إلى عتبة قدراتها في أوكرانيا وقطاع غزة، إنهم بحاجة إلى حلفاء يمكنهم توفير القوات والأسلحة والمساعدة في تغطية التكاليف، وعلى سبيل المثال في حال نشوب صراع بين بكين وتايبيه، تراهن الولايات المتحدة على المساعدة العسكرية من اليابان وكوريا الجنوبية. كما وعدت الولايات المتحدة بتقديم المساعدة للفليبين في بحر الصين الجنوبي واليابان في بحر الصين الشرقي. وما يحدث في المنطقتين يهدد بمخاطر.
لذا، وبصرف النظر عما إذا كان الاجتماع يعني اتفاقًا رسميًا، فإن زيارة ماركوس وكيشيدا ستؤدي إلى تفاقم التوترات وتمثل محاولة خطيرة، وإن تكن غير مجدية، لاحتواء الصين“.
وأزاء مضمون التصرفات الأمريكية ردّت الصين على هذه التحركات على لسان وزير خارجيتها: وانغ يي على هامش انعقاد مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي في بكين من أن عواقب الصراع بين الصين والولايات المتحدة ستكون كارثية، وندّد بسياسات واشنطن، وقال إنّها تستمر في محاولاتها لـ”قمع” بلاده وتوسع العقوبات الأحادية ضدها.
وقال أيضاً: “أن بلاده تعتقد أن البلدين يمكنهما إيجاد الطريقة المناسبة لتحقيق التعايش”. وأضاف “نحن نعارض بحزم جميع أعمال الهيمنة والتنمر، وسندعم بقوة السيادة الوطنية والأمن فضلا عن مصالح التنمية”.
وفيما يتعلق بقضية تايوان، حذر وانغ من أن الذين يدعمون استقلال الجزيرة سيحترقون لأنهم “يلعبون بالنار”، مؤكدا أن بلاده لن تسمح مطلقا لتايوان بالانفصال عن الوطن الأم، وتؤكد الصين أن تايوان جزء لا يتجزأ من أراضيها، وأنها ستعيدها لسيادتها بالقوة إن لزم الأمر.
وفيما يخص التوترات المستمرة في بحر جنوب الصين، قال الوزير الصيني إن بلاده ستدافع عما سماها حقوقها المشروعة في هذه المنطقة المتنازع على أجزاء منها بين الصين ودول أخرى.