ما يزال الذكاء الاستراتيجي يتجلّى يوماً بعد يوم بالمواقف السياسية والقرارات الاستراتيجية والمشاريع العالمية التي تكفل لها الريادة، الأمر الذي يعكس دقة النهج السياسي الصيني الذي يقوم على عدم الاستنزاف في الحروب – بعد النظر – الصبر الاستراتيجي – الإيمان بالنتائج على المدى البعيد – جذب الدول عن طريق إقناعها بفلسفة الذات الصينية في شتى المجالات – البعد عن التشنج في المواقف السياسية. وهذا بأجمعه ما يمكن لمسه جلياً في سائر المناسبات السياسية التي يكللها حضور الرئيس تشي جي بينغ وخطبه السياسية.
حدث عظيم تشهده الصين اليوم حيث افتتح منتدى “حزام واحد طريق واحد” في العاصمة الصينية بكين صباح اليوم، ويشارك فيه أكثر من 4 آلاف شخص من أكثر من 140 دولة و30 منظمة دولية ، وقد شهد اليوم خطاب الرئيس الصيني في الجلسة الافتتاحية، حيث كان خطاباً مفعماً بالدلالات السياسية والتي نوضح أهمها بالنقاط الأتية:
أولاً: عندما يقول الرئيس الصيني أن الصين اليوم دولة مركزية عبر الحداثة والمعاصر علينا أن نفهم أن مشروع الحزام والطريق مشروع جيوستراتيجي في باطنه ذو طابع اقتصادي، يضمن للصين مد وتوسيع نفوذها العالمي بوسائل سلمية عبر العمل على تحقيق المنفعة المتبادلة على مستوى العالم عن طريق التنمية والتعاون والاستثمار بما يعود بالنفع والاستقرار على المجتمع الدوليين.
ثانياً: إن مؤتمر الحزام والطريق في جوهره مؤتمر سياسي بامتياز رغم طابعه الاقتصادي حيث يتضح من خلال التأكيد على رفض الإكراه الاقتصادي والعقوبات ومحاولات تعطيل سلاسل التوريد، الإشارة إلى النهج السياسي الأمريكي الذي يؤثر سلباً على التنمية الاقتصادية العالمية والتعاون الدولي، كما كان المؤتمر مناسبة لإظهار الفروق بينه وبين النهج السياسي الأمريكي الذي يرفض الممارسات التي تخل بالأمن الاستقرار الدوليين سياسياً وأقتصادياً وعسكرياً.
ثالثاً: لا يمكن إغفال الخلفية السياسية لهذا الحدث الاقتصادي فمجرد القول إن الصين اليوم شريك تجاري لأكثر من 140 دولة ومنطقة، فهذا يعني علاقات سياسية ممتازة وساحات مناورة أماميه للصين ضد محاولات الأمريكيين حصارها، وهذا بحد ذاته استقطاب للعمود للمحور الصيني وحليفتها روسيا أي أن هذا المشروع الحزام والطريق هو أحد الأدوات المهمّة في نشوء عالم متعدد الأقطاب.
رابعاً: بمجرد قول الرئيس الصيني إن الصين ستدخل في شراكات تجارية مع المزيد من الدول وتزيل جميع القيود المفروضة على وصول الاستثمارات الأجنبية لقطاع التصنيع؛ أي أن العالم أمام انفتاح تجاري على دول العالم وبذات الوقت ترغيب بانضمام المزيد لهذه المبادرة.
خامساً: ينطوي مشروع الحزام والطريق على الرغبة بالتمدد الاقتصادي ويضمن لها ذلك، ويعود بالنفع المتبادل اقتصادياً وسياسياً، ويمكن للأليات الصينية في تنفيذ مشاريعها الاقتصادية التي تقوم على احترام سيادة الدول واستقلالها وتنميتها والاستثمار المتبادل الذي يعود بالنفع عليها وعلى سائر الاطراف الدولية أن يجذب المزيد من الدول وهذا له أبعاد إيجابية على المستوى السياسي البعيد المدى.
سادساً: يسعى المشروع الجيوسياسي الصيني الى تحقيق النمو الاقتصادي والازدهار للعالم وتعزيز دور الصين في النظام العالمي عبر الاستثمارات الاقتصادية والبنية التحتية والتعاون بين الصين والدول الشريكة وهذا ما يفرق سياسة الصين عن سياسه الولايات المتحدة الأمريكية.
سابعاً: وحسب تصريحات الرئيس الصيني تم إبرام اتفاقيات بقيمة 97 مليار دولار امريكي إضافة إلى ضخ 80 مليار يوان إضافية في صندوق طريق الحرير وتأسيس نافذة تمويل بقيمة 350 مليار يوان، وهذا بحد ذاته قفزه نوعيه وزياده ملحوظه مفارقه بما سبق وتعتبر هذه الأرقام مؤشرات على الواقع الراهن لدرجة تطور المشروع واحد معايير التقييم مدى نجاحه والقدرة على تحقيق المزيد من النجاحات مستقبلا.
ثامناً: إنّ تطوير الآليات بما يكفل استمرار المشروع بزخم قوي بدليل ما تحدّث عنه تأسيس إطار عمل جديد للتعاون الدولي وهذا ذاته ما شرحه فيما بعد عندما قال:
- تعزيز الانفتاح العالي المستوى في تجارة الخدمات والاستثمار العابرة للحدود.
- انشاء مناطق تجريبية للتعاون في التجارة الدولية عبر طريق الحريق.
- طرح مبادرة جديدة لحكومة الذكاء لحوكمة الذكاء الاصطناعي من أجل تنمية سلمية ومنظمة وأمنه للذكاء الاصطناعي.
- انشاء مناطق تجريبية للتعاون في التجارة الدولية عبر طريق الحرير.
- عزم مصرفين صينيين على تشكيل نافذ التمويل بقيمه 35 مليار يوان لمبادرة الحزام والطريق.
- تخصيص 1000 مشروع صغير لدعم سبل العيش ضمن مبادرة الحزام والطريق.
وبالنسبة لتوقعات الرئيس الصيني لمستقبل مشروع الحزام والطريق فقد أشار إلى جملة من الانجازات منها زيادة حجم التجارة حجم تجارة الصين في السلع والخدمات نحو 32 تريليون دولار خلال الفترة القادمة خلال عامين 2024/2028 م. وهذه بوادر خير قادمة ودلالة أن بدايات قطف ثمار هذا المشروع التي يتسائل عنها غالبية جماهير دولنا العربية بدأت تطفو على السطح، هذا ومازال المشروع في طور التكوين علمماً أن 2050م العام المخصص للانتهاء من إنجازه، لذا نقول إن أثره العالمي عموماً سيما إفرازاته السياسية وعلى المنطقة العربية خصوصاً تحتاج لوقت طويل ولكنها لا بد قادمة.
د. ساعود جمال ساعود