في ظل مجموعه من المتغيرات الدولية باتت معروفه أبرزها الحرب الأوكرانية الروسية، وانخراط الغرب العلني بها، وما اعقبها من امتلاك روسيا خاصيه التضييق على دول الأوروبية فيما يخص مصادر الطاقة، وصولاً إلى فرض كلا من روسيا والصين استخدام عملاتها الوطنية في عمليات التبادل التجاري مع الدول الأخرى، ولكن لا يمكن اعتبار هذا الإجراء ذو جدوى على الأمد البعيد وليس بالإمكان الحد من استمرار سيطرة الدولار، ما يزال الدولار العملة المهيمنة على غالبية الدول العالم لغاية الوقت الراهن لأسباب اقتصادية بحته، الأمر الذي له ابعاد اخرى تتعدى التبعات الاقتصادية من قبيل الآثار السياسية، وهذا ما لم يعد يروق للقوى الاقتصادية العالمية التي تهدد تربع الأمريكي على عرش قيادة العالم الصين والهند وروسيا وايران.
الأمر المفاجئ الذي يُحتمل أن يكون له تأثير جوهري يتمثل فيما قررته دول البريكس من اصدار عمله خاصة بدول البريكس بعد إعلان ضم الدول الجديدة لتتسع رقعة الدول المقاومة للهيمنة الاقتصادي الأمريكي وبالتأكيد لهذا تبعته السياسية المستقبلي البعيدة المدى فيما يخص تعدد الأقطاب الدولية.
مجموعه دول البركس (الصين روسيا الهند جنوب افريقيا البرازيل)، قررت إصدار عملتها الجديدة مطلع الشهر الثامن لهذا العام، والتي ستجعلها قوام اقتصادها ككل بما في ذلك الدول التي ستنضم حديثاً إلى البريكس، ولقد جاء الإعلان على لسان رؤساء كلا من الصين وروسيا والبرازيل، استجابة لتداعيات ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، وكذلك استخدام الدولار كأداة للعقوبات من قبل واشنطن.
يقول الدكتور علي العيسى معرض تحليله لهذا الحدث بأن العملة الجديدة تستمد قوتها من ربطها بالذهب على عكس الدولار الذي قام الرئيس ريتشارد نيكسون في عام 1970م بفك الارتباط بينه وبين الذهب وربطه بقوة الولايات المتحدة الأمريكية، مما يقوي من سلطة العملة الجديدة للبريكس.
كما أكد العيس أن دول البركس لا تستطيع بعملتها الوطنية منفردة مقاومة الدولار، وهذا ما يلتقي مع فكرتنا المسبقة اذ ان الدولار بكل بساطة يهيمن على 180 دولة حول العالم كعملة رئيسية للسلع والطاقة من جهة ، وأنا أتفق معه بهذا القول بدليل إنّ الاجراءات التي تمت بالعملة المحلية في الآونة الأخيرة هي اتفاقيات بينية بين طرفين ولا يمتد أثرها إلى نطاق أوسع من ذلك، كما أنّها تعاني من مشاكل داخلية مثل هذا الاتفاق البيني بين الأرجنتين والصين لدفع ثمن المستوردات بالليوان، فقد اعترض بعض المصدرين الأرجنتينين على بيع منتجاتهم باليوان، في حين ذهب بعض المحللين الى تقديم مؤشرات دولية حول عدم قدرة اليوان على منافسة الدولار في الوقت الراهن من قبيل نسبة وجود الليوان في البنوك المركزية لدول العالم بوصفه أحد عمليات النقل الأجنبي المخصصة للاحتياط لا تتجاوز 2.76% كما انه لا يساهم إلا بنسبة 2.19 % من تمويل التجارة الدولية، وعلى أساس المقارنة فلا يمكن لليوان وحيداً أن يحدث فرقاً صارخاً في مجال الحد من هيمنة الدولار.
وبرأي د. العيس ” إن الرغبة بربط العملة الجديدة بالذهب يفسر سعي دول البريكس في الآونة الأخيرة لشراء الذهب، حيث ارتسمت دائرة التأثيرات كما يلي: شراء المزيد من الذهب الذي انعكس فعلياً على أسواق البورصة خصوصاً على سعر الأونصة التي سجلت 1921 بانخفاض حوالي 40 دولار أمريكي دون أن يعني ذلك أن الذهب بطريقه الى الانهيار”.
هنا يقول الدكتور العيس:” انتبهوا لا تكونوا ضحية التقارب والتضارب بين الذهب والدولار ولا أقول إن الدولار في طريقه إلى الانهيار بل إلى الأفول وهذا شيء مختلف”.
بخصوص كيفية التصرف ايذاء الوضع الجديد فقد تكلم الدكتور علي العيس عن الادخار داعياً إلى اعتماد حصة الرجل الذكي الذي تقوم على الموازنة بين ادخار الدولار مستقبلاً من جهة وشراء الذهب من جهة أخرى تجنباً لأي طارئ اقتصادي مشيراً أن الدعوة لمثل هذا الطرح تنبثق من الحاجة والدقة لمعرفة تأثير السياسة على الاقتصاد.
وبالمجمل وبعد الانتهاء مما قاله الدكتور العيس ، وبخصوص مسألة التعويل على العملة الجديدة في الحد من سيطرة الدولار على المبادلات التجارية، فإن هذه المسالة تحتاج إلى الدقة لتناولها لعدّة أسباب أهمها:
أولاً: إن العملة الجديدة أمامها عدّة مراحل يجب أن تمر بها حتى تصل إلى قوة المنافسة مع الدولار، ومن ثم الحد من سلطتها، وهذا يستغرق وقتاً طويلاً كما أنّه رهن بعوامل أخرى مثل التحالفات التجارية والأزمات الاقتصادية وحجم التجارة الدولية.
ثانياً: الدولار عملة أساسية في النقد الأجنبي حتى الدول البريكس ولذلك العملة الجديد هي عملة احتياط فقط لا غير في حال تم استخدام الدولار من قبل الولايات المتحدة الأمريكية للعقوبات الاقتصادية، وقد صرّح الرئيس فلاديمير بوتين بشكل علني بحسب وكالة تاس في 22/6/2022 قائلا:” إن مسألة إنشاء عملة احتياط دولية تقوم على سلة عملات بلداننا البريكس، وهي قيد المراجعة فهو صرح بأن العملة الجديدة عملة احتياط وليست أساسية، والمراد أن لا يتم تقييد التبادلات التجارية بما يضر باقتصاديات الدول البريكس.
من الاقتراحات وإن تعدّدت، فإن الفضل الأول والأخير للصين التي تتزعم حركة إنشاء العملة الاحتياطي تبعاً لصقليها الاقتصادي بدليل قيامها في عام 2018م بتأسيس بورصة الطاقة الدولية في شنغهاي بهدف مداولة شحنات النفط والغاز من روسيا وفنزويلا وإيران باليوان الصيني حصراً في خطوة مستقبلية صينيه لتكوين نظام مالي جديد مناهض للنظام المالي الذي تقوده الولايات المتحدة بأداتها الدولار، علماً أن الصين ليست في علاقة عداء مع الدولار في مبادلاتها التجارية إذ أن الصين تسير وفق خط اقتصادي مزدوج:
الأول: التعامل بالدولار وتأمين احتياطي كبير منه.
ثانياً: تأمين البديل عن الدولار سيما أنه سلاح بيد الولايات المتحدة الأمريكية لضرب اقتصاد منافسيها واعدائها.
إن قبول الأطراف الدولية الغير منتمية للبريكس هي ما يجعل العملة الجديدة القادمة وسيطاً نقدياً منافسة للدولار، وكذلك الحال بالنسبة للصين وعملتها الخاصّة، وان نجاح الليوان في كونه وسيطاّ نقدياً منافس للدولار يعتمد على تقبّل الأطراف الدولية الغير متحالفة مع الصين حتى تكتلات أو تحالفات اقتصادية وحتى سياسية ذات اثر اقتصادي.
واستباقاً نقول:” بحال فشل العملة الجديدة في منافسة الدولار والحد من أثاره السلبية على الاقتصاد العالمي ككل، فإن ذلك سيكون له نتائج فإنّها ستكون لها نتائج ايجابية، ولكن ضمن نطاق مجموعة بريكس، وهذا يمكّن هذه الدول أن تكون قطباً عالمياً مستقبلاً، وبالمجمل أن التعددية القطبية التي يتحدّث البعض عن تبلورها الان بعد بروز قوة روسيا العسكرية للعلن والصين الاقتصادية أرى أنّها لن تكون على شكل دول فرادى مقابل دول فرادى وستكون – والله اعلم- أحلاف مقابل أحلاف.
بقلم د.ساعود جمال ساعود