لم يكن السعي الحثيث بين الطرفين الصيني والروسي لبناء شراكة بناءة وليد اللحظة الراهنة بل كان مبنياً على تخطيط وإرادة سابقتين، وبالتحديد منذ أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي هذا الانهيار الذي دشن بداية مرحلة جديدة اتجه بها الطرفين الصيني والروسي نحو المزيد من التقارب والتشبيك لعلاقتهما، التي ما كانت لتقتصر على مجال دون الآخر نظراً لما بينهما من قواسم مشتركة تجعل التقارب بينهما أمراً سهلاً ممكناً.
تعود مراحل انطلاق العلاقات الصينية الروسية إلى عام 1992م الذي أُعلن فيه عن السعي لبناء شراكة بناءة بين البلدين، ليعقب ذلك التقدّم نحو شراكة استراتيجية في عام 1996م، إذ كان حجم التجارة بين البلدين كان يقدّر بما بين 5 مليارات دولار و8 مليارات دولار سنويًا، وصولاً إلى عام 2001م، حيث وقعت الصين وروسيا معاهدة صداقة وتعاون لتبدأ بعد ذلك العلاقات مرحلة جديدة اتسمت بالنمو المتدرج لجميع الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية، دون أن نغفل ما واجهته من صعوبات مثل الأزمة المالية التي مرّت بها روسيا في عامي 2008م- 2009م، وعلى إثرها اضطرت إلى الاقتراض مفضّلة أن تكون الصين وجهتها لنيل القروض، ولتستقر على هذه الوجهة عند كل منعطف اقتصادي يواجهها.
كانت التجارة الشكل الرئيسي للتعاون في المجموعة الشاملة للعلاقات الاقتصادية بين روسيا والصين ، ففي الفترة بين عامي 2003- 2013م، زاد حجم التبادل التجاري المتبادل 7.7 مرة، وفي عام 2014، حجمها 63.6 مليار دولار في عام 2015م، حجم التجارة الخارجية لروسيا والصين 66.1 مليار دولار في عام 2016م، وهنا لا بد من التوقف عند هذا العام حيث كان الميزان التجاري مائلاً لصالح الصين، حيث بلغت الصادرات 28 مليار دولار، في حين الواردات 38.1 مليار دولار، لتميل كفة التبادل التجاري لصالح الصين، علماً أنّه العمليات التجارية الثنائية قد زادت منذ عام 2014م، عقب التدهور في العلاقات بين روسيا والدول الغربية الأمر الذي صب في خانة توسيع العلاقات الاقتصادية مع الصين.
واليوم ذكرت بيانات الجمارك الصينية اليوم أنّ حجم التبادل التجاري بين الصين و روسيا قد وصل في أول شهرين من العام الجاري 2023م بنسبة 25.9% وبلغ 33.685 مليار دولار، حيث وصلت الشحنات من روسيا إلى الصين بنسبة 31.3% لتصل إلى 18.648 مليار دولار مقابل ما قيمته 15.036 مليار دولار صادرات صينية إلى روسيا، لترجح كفة الميزان التجاري لصالح روسيا، والنتيجة أصبحت الصين أكبر شريك تجاري لروسيا، لا سيما بعد بدء العملية العسكرية الخاصّة الروسية في أوكرانيا، وما أعقبها من فرض ستّة حزم من العقوبات ضد موسكو لشل الاقتصاد الروسي، حيث كانت الصيني المعادل التجاري للأوربي والأمريكي واستطاعت إنقاذ الوضع الاقتصادي بروسيا لدرجة كبيرة عبر ما أبرمته معها من اتفاقيات من قبيل اتفاقية بين شركة غازبروم الروسية وشركة النفط والغاز الوطنية الصينية بشأن توريد 10 مليارات متر مكعب أخرى من الغاز عبر مسار الشرق الأقصى، حيث ساعدت موسكو على تعويض إقفال الأسواق الغربية في وجهها بسبب العقوبات الغربية التي فرضت عليها.
بالمجمل كان لما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية من اقامه تحالفات أمنيه وسياسية مثل الاوكس وكواد، وتصعيد تدخلّها بشؤون الداخلية للصين وروسيا أثراً إيجابيا في دفع الحليفين الروسي والصيني نحو تعميق علاقاتهما وشراكتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، حيث يولي قادة البلدين اهتماما كبيراً للمضي قدماً بالعلاقات بينهما، ويجري الحديث اليوم عن نقل الشراكة الاستراتيجية إلى مستويات أعلى في ظل ما تشهده الساحة الدولية من متغيرات تزيد من تقارب الطرفين الصيني والروسي في ظل ممارسة بعض القوى الكبرى سياسات عدائية ضدهما رغم تاكيداتهما المستمرة أن تحالفاتها تتميز بعدم الانحياز وعدم والمواجهة كذلك، وعدم توجيهها ضد أطرافها عالمية ثالثة على حد التعبير وزير الخارجية الصيني، دون أن يعني ذلك التساهل في الاستفزازات التي تمارسها بعض الدول إشارة إلى الولايات المتحدة وما تقوم به من تدخل في الشؤون الداخلية للدول سواء في تايوان بالنسبة للصين أو عبر دعم أوكرانيا ضد روسيا.
ساعود جمال ساعود