رغم ما تم إشاعته عن الانقسام الداخلي الإيراني بين المحافظين المؤيدين للروس والإصلاحيين المؤيدين للإوكران بخصوص العملية الروسية في أوكرانيا إلا أنّ الموقف الرسمي للدولة الإيرانية على لسان مسؤوليها أتسم بالتناسق ووحدة الموقف، إذ كانت إيران من بين الدول التي دخلت في سياق إبداء الرأي فيما يحصل بين روسيا وأوكرانيا دون إعلان موقف حاسم “مع” أو “ضد”، حيث اعتبر وزير الخارجية الإيراني أن الأعمال الاستفزازية لحلف شمال الأطلسي هي أصل الأزمة الأوكرانية، وكتب حسين أمير عبد اللهيان على تويتر” أزمة أوكرانيا متجذرة في استفزازات الناتو” لا نعتبر اللجوء إلى الحرب حلاً، وأضاف أن “وقف اطلاق النار والتركيز على حل سياسي وديمقراطي ضرورة”. “وضرورة احترام القانون الدولي والقانون الإنساني في النزاعات العسكرية”.
وطالب أمير عبد اللهيان الإيرانيين المقيمين في أوكرانيا بالتزام الهدوء والاتصال بسفارة جمهورية إيران الإسلامية والاهتمام بالتعليمات الصادرة عن سفارة بلادنا في أوكرانيا بالبقاء في أماكن آمنة أو المغادرة والعودة إلى إيران. وحتى على صعيد المصطلحات المستخدمة في الإعلام الإيراني، فعلى عكس الإعلام الغربي والعربي الذي استخدم مصطلحات من قبيل “الغزو” و”الحرب الروسية” درجت وسائل الإعلام الإيراني على استخدام مصطلحات من قبيل “عملية خاصة” في الإذاعة والتلفزيون الرسميين.
وبناء على التصريحات الدبلوماسية السابقة الصادرة عن مختلف المستويات السياسية في إيران ، يمكن تحديد مقومات الموقف الإيراني من الأحداث الحالية بين (روس – أوكران ) بثلاث مقومات يمكن حصرها بـ:
1. عدم الوقوف مع أو ضد علانية سواء سياسياً أو عسكرياً أو إعلامياً … ألخ.
2. رفض الحرب والعقوبات الاقتصادية كمبدأ عام، وفيما يخص الحالة الروسية رفض تحركات الناتو على الدول المتاخمة لروسيا؛ الأمر الذي تفسره روسيا بأنّه تهديد لأمنها القومي بحكم العداوة التاريخية بين روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي (حلف وارسو) من جهة وبين حلف شمال الأطلسي (الناتو).
3. الدبلوماسية هي الحل فيما يخص آليات فض النزاع بينهما لأنّها تجنّب الكثير من المغبات التي تسبب بها الحرب منها مثلاُ المغبات الاقتصادية، حيث أشار رئيس مجلس الأمن القومي علي شمخاني بقوله:” انهيار الأسواق المالية والارتفاع الكبير في أسعار الطاقة بسبب الأزمة في أقصى شرق أوروبا؛ أظهر أنّ عدم الاستقرار وانعدام الأمن بجميع أشكاله في نصف الكرة الشرقي تسبب في ضرر جسيم ” في إشارة لما سيترتب على العملية العسكرية في أوكرانيا.
4. احترام القانون الدولي ودعوة الأمم المتحدة إلى تجنّب المعايير المزدوجة في التعامل مع القضايا المتعلّقة بالسلم والأمن الدوليين.
5. احترام القانون الدولي بخصوص حقوق الإنسان من التقيد بما ورد في أوقات الحروب وكيفية التعامل مع المدنيين وأسرى وضحايا الحرب، ومن الطبيعي تأييد روسيا لفتح ممرات لخروج المدنيين من الأراضي الأوكرانية.
وبشأنّ امتناع إيران عن التصويت في قرار الجمعية العامّة الخاص بأوكرانيا فلا يمكن اعتبار الموقف الإيراني علامة فارقة أو صدع في العلاقات وذلك لعدّة اعتبارات منها:
أولاً: أغلب حلفاء الأمريكان والأوربيين لم يصوتوا مع القرار منهم دول الخليج مثلاً بالمقابل أقوى حلفاء روسيا وقفوا على حياد منهم الصين وكوبا وفنزويلا والسلفادور وبوليفيا، وهي أصدقاء لروسيا مثل إيران والإيراني ذاته.
ثانياً: لو صوتت إيران مع القرار ضد الولايات المتحدة الأمريكية فإنّ ذلك سيكون بمثابة تحزب مع الروسي وسينعكس سلباً كذلك على مفاوضات فينا لا سيما بعد رفع الطرف الأمريكي بعض العقوبات الاقتصادية عن إيران بالفترة ذاتها التي أجتمع فيها الرئيسان الروسي والصيني بمناسبة افتتاح أولمبياد بكين وتوقيعهما العديد من اتفاقيات الطاقة الأمر الذي كان له (دلالاته).
ثالثاً: ولو صوتت إيران مع القرار لكان ضربة للعلاقات الروسية- الإيرانية، لأن روسيا والصين أعلنتا في عام 2018م عن قيامها بضمان المشروع النووي الإيراني السلمي، علاوة على التعويل الإيراني الكبير على العلاقات مع روسيا مقابل النبرة المتوترة مع الغرب.
بالنتيجة لقد جاء التصرف الإيراني في المنظمات الدولية بإعتباره تكتيك سياسي مدروس قائم على مراعاة الظرف الراهن لإيران وفهم لقواعد اللعبة السياسية التي تجري بين الروسي من جهة والأمريكي والأوربي من جهة أخرى. كما جاء التصرّف الإيراني في المنظمات الدولية معبّراً ومنسجماً مع المعلن دبلوماسياً بدليل الامتناع عن التصويت الذي جاء ترجمة للموقف الإيراني الوسطي بين الدعوة إلى الحوار والدبلوماسية لحل الخلافات الدولية بعيداً عن الحرب، وبين التأكيد على المخاطر المرتبطة بتوسّع الناتو شرقًا، هذه الشجب والندب الذي يصب في خانة الأهداف الروسية من عمليتها العسكرية في أوكرانيا، وعلى العموم جاء الموقف الإيراني معتدلاً وعقلانياً ظاهرة أنيق باطنه عميق لا أفهمه سوى أنّه تأييد ضمني لروسيا ليس ضد أوكرانيا بل ضد الولايات المتحدة والدول الأوربية الساعية لزعزعة الأمن الروسي.
بقلم الدكتور ساعود جمال ساعود