د. ساعود جمال ساعود
لم يمضي زمن طويل على جلوس الولايات المتحدة الأمريكية على طاولة النقاش مع الصين في قمة العشرين ومؤتمر إيبك، في محاولة منهم لتهدئة التوترات التي نجمت بسبب سوء تقديرهم حول أهمية تايوان بالنسبة للصين إثر زيارة بيلوسي إليها وما تلاها من تصريحات أمريكية تفيد بتقديم الدعم لتايوان لا سيما العسكري، الأمر الذي قاد إلى اشتداد النبرة العسكرية عقب والتي وصلت لدرجة أجبرت الرئيس الصيني تشي شيب ينغ على إرتداء بزته العسكرية كرسالة منه عقب ما أجرته الصين من مناورات عسكرية، باستخدام الاحتمال العسكري؛ الأمر الذي صرّح به بشكل علني في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني ، إذ أن المسألة التايوانية تدخل في صلب الأمن القومي الصيني، وشأن داخلي بحت تحاول الولايات المتحدة الأمريكية بكافة الأشكال للتدخل فيه بهدف زعزعة الأمن والاستقرار الصيني، وفقاً لتقديراتها الاستراتيجية المتعلقة بمنع قيام الصين بإعادة تايوان للوطن الأم، لما سيترتب على ذلك من مخاطر تضر بالمصالح الأمريكية من قبيل حجم تجارتها الدولية في مضيق تايوان، ومنع الإضرار بمصالح حلفائها، ولا يمكن استبعاد الرغبة الأمريكية بإشغال الصين بافتعال أزمات داخلية لها تشغلها عن شؤونها الخارجية، لأن مسألة ضمان المصالح الأمريكية في الممرات المائية العالمية مسألة وجودية وحيوية بالنسبة لها، وفي سبيل ضمانها فهي مستعدّة للتنافس الحاد ولممارسة الحرب النفسية وكذلك لتلويح بالورقة العسكرية وتحديث تحالفاتها ولا أدل على هذا مما شهده يوم أمس، حيث نفذ خبراء عسكريون وأمنيون أميركيون (24) عملية محاكاة لمواجهة عسكرية بين الصين من جهة، والولايات المتحدة واليابان وتايوان من جهة أخرى.
هذا ولقد أدار المحاكاة مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية “CSIS” بإشراف مباشر من ثلاثة خبراء في مجال الأمن الدولي وكلية الدراسات البحرية، وتوصّل الخبراء إلى نتيجة واحدة على الشكل الآتي: “ستكون هناك أضرار بالغة لموقع الولايات المتحدة الأميركية لسنوات طويلة، إضافة إلى وجود اقتصاد مدمر في تايوان، فضلاً عن فقدان عشرات السفن ومئات الطائرات وعشرات الآلاف من الجنود”.
أمّا في الجانب الآخر، فقد أظهرت المحاكاة أنّ الصين ستتكبّد خسائر ضخمة تصل إلى حد زعزعة استقرار الحكم حسب تصورهم، هذا ولقد استندت المحاكاة إلى الاحتمالات المرتفعة لحصول مواجهة عسكرية بناءاً زعمهم بأنّ الصين تواصل تعزيز جيشها وتحتفظ بالحق باستخدام القوة” في تايوان، كما تم افتراض جرّ اليابان حُكماً إلى الحرب وتعرّض قواعدها العسكرية للهجوم، وسيعاني الاقتصاد التايواني أضراراً فادحة، واحتمال تطوّر المواجهة لتصل إلى حدود التصعيد النووي.
بالمجمل عكست عملية المحاكاة هذه احتمالات حصول سيناريو الصدام العسكري فعلياً بين الصين من جهة والأمريكي وحلفائه من جهة أخرى، وهذا ما يمكن فهمه كتعبير عن مستوى القلق الأميركي من أي مواجهة مع الصين، ويبقى ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها بما في ذلك سلسلة مناوراتها العسكرية يصب في بوتقة التذكير بالمصالح الحيوية وإعادة تنظيمها وضبط الاتفاق حولها، لأن تفسير ما يجري بأنه تهديد بحرب أو بداية تجهيز لها هو تفسير لا عقلاني وغير واقعي ومفرزاته الكارثية على العالم أجمع