ثلاث خطوات متناغمة متكاملة يصعب عزلها عن بعضها في طار رصد مآل تطوّر العلاقات الجزائرية مع الصين، كان أولها انضمام الصين إلى مبادرة “الحزام والطريق” الصينية في 2018، وفي مارس/ آذار 2022، أعلن البلدان التوصل إلى توافق على “الخطة التنفيذية للبناء المشترك للمبادرة ” في خطوة محورية شكّلت علامة فارقة في علاقات الطرفين.
وتجلّى ثالث الخطوات بالتوقيع على “الخطة الخماسية للتعاون الاستراتيجي الشامل بين الجمهورية الجزائرية الديموقراطية الشعبية وجمهورية الصين الشعبية للسنوات 2022-2026″، والتي تّعد الخطة الخماسية الثانية للتعاون الاستراتيجي الشامل منذ إقامة علاقة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين والجزائر في عام 2014، والتي تهدف إلى مواصلة تكثيف التواصل والتعاون بين الجزائر والصين، في كافة المجالات بما فيها الاقتصاد والتجارة والطاقة والزراعة والعلوم والتكنولوجيا والفضاء والصحة والتواصل الانساني والثقافي، إضافة إلى تعزيز المواءمة بين الاستراتيجيات التنموية للبلدين، وبالتأكيد ستكون هذه الخطة فرصةّ لتعميق التعاون العملي بين الصين والجزائر في مختلف المجالات، ومواصلة إثراء معنى الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين، بما يعود بالمنفعة المتبادلة بين البلدين والشعبين.
وأما الخطوة الثالثة فتكمن بإعلان الجمهورية الجزائرية الديموقراطية الشعبية برغبتها في الالتحاق بدول “بريكس” التي تضم كلا من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وقد أعلنت الجزائر الإثنين عن إيداع ملف رسمي لطلب الانضمام لمجموعة الكبار، وهو الطموح الذي تحاول الجزائر بلوغه، لا سيما وأن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، كان قد أفصح عن هذه الرغبة، معتبرا أن الجزائر تستوفي بنسبة كبيرة الشروط التي تخولها للالتحاق بمجموعة بريكس؛ الأمر الذي تمت قابلته برحيب كبير من قبل الصين وروسيا
الجدير بالذكر أن فرنسا كانت في 2012م أكبر مُصدر للسلع إلى الجزائر، بينما استحوذت الولايات المتحدة على لقب الزبون الأول لها بفضل وارداتها من الغاز المسال، لكن في 2013 م انتزعت الصين صدارة المصدرين إلى الجزائر من فرنسا، وتحولت بكين إلى الشريك التجاري الأول للجزائر، كما أدى استغلال الولايات المتحدة للغاز الصخري إلى توقفها عن استيراد الغاز المسال من الجزائر ليتراجع التبادل التجاري بينهما إلى 2.6 مليار في 2021م بعدما وصل إلى 19.5 مليار دولار في عام 2007م. وتبعاً لذلك فقد استفادت منه الصين لتصبح الشريك التجاري الأول للجزائر؛ الأمر الذي خفف من عبىء الشراكات الأمريكية والأوربية في سياق علاقاتهم بالجزائر.
يبقى أن نلفت الانتباه إلى أن شمولية الشراكة بين الجزائر والصين تطال طموحات الصين ببناء شراكة عالمية من أجل التنمية وكبح النزعة العدوانية اللاعقلانية في النظام الدولي، بإشارة دقيقة أن تعدد الأقطاب في حال تم فعلاً فإن الجزائر قد تكون في صف الصين وحلفائها لتفعيل بناء مستقبل تنموي مزدهر لدول العالم بعيداً عن الحروب واستنزاف الثروات دون جدوى.
بقلم د. ساعود جمال ساعود