إن من لا يعي جوهر التنافس الذي يشهده العالم لابد وأنه يعيش حالة من الضبابية السياسية المعرفية لأن هذه المبادرة أو المشروع إن صح التعبير في جوهره جزء من التنافس الجيوسي الدائر بين القوى العظمى لا سيما الأمريكي صاحب النزعة القطبية الأحادية الذي يعنيه جلياً النزعة القطبية الأحادية وأن لا ينافسه على العالم منافس مسيطر وفاعل كالصين.
أولاً: الطبيعة الجيوسياسية لمبادرة الحزام والطريق:
إن المشروع الجيوستراتيجي الصيني ذو طبيعة اقتصاديه عالمية تنموية لتشكيل علاقات الصين مع الفواعل الدولية بما فيها الأقطاب الصغيرة والمتوسطة، وجعلها من السائرين في ركابها وأدائها وأداتها الرئيسية في مشروعها تكمن بالمشاريع التنموية، كما تردف نهجها الاقتصادي بنهج سياسي يسعى للمحافظة على الأمن والسلام الإقليمي والدولي والوقوف ضد افتعال الأزمات الدولية التي تنتهك أمن وسيادة الدول، وتقوض الاستقرار العالمي، هنا تقف الصين موقفاً قانونياً شرعياً يؤكد على الأمن والسيادة لدول العالم وعدم التدخّل بشؤونها الداخلية.
من الطبيعي في ظل هذا النهج السياسي والاقتصادي، أن تشهد الصين إقبالا دولياً عليها، وذلك لنظافة سجلها الاقتصادي:
- الصين لا تستخدم الصناديق الدولية كمصيده لإيقاع دول العالم في فخ الديون.
- الصين لا تستخدم ثقلها العسكري لدعم كيانات محتله تهدد سلامه واستقرار الدول.
- الصين لا تحارب دول العالم ذات المطالب الشرعية والإنسانية بسلاح الفيتو داخل مجلس الأمن.
- الصين صديق وحليف يمكن الوثوق به لا تتخلّى عن حلفائها ولا تخدعهم للمبارزة السياسية.
- الصين تتقدّم بمساعدات طوعية وغير مشروطه للدول الناهضة.
- الصين بما تملكه من امكانيات عسكرية واقتصادية هائلة تشكّل ثقلاً استراتيجياً مكافئاً للولايات المتحدة الأمريكية، والتي تخشى من التحامه بالثقل العسكري لروسيا، ومن هنا كان السعي الامريكي لاستخدام الفخ الأوكراني لاستنزاف روسيا عسكرياً واقتصادياً وابقائها في حاله تهيؤ عسكري لمقابلة خطر الناتو في حين تعمل على المسار ذاته لأضعاف الصين والتضييق عليها بإثاره النزاعات الداخلية، والتدخّل في شؤونها الداخلية كما في تايوان وبحر الصين الجنوبي والحصار والعناية الاعتناء بفرض الحصار حصار اقتصادي حول الصين لا سيما صناعه الرئيسية للتميز فيها.
ثانياً: أهمية مبادرة الحزام والطريق:
- ثأر عام 1820: في هذا العام كان الاقتصاد الصّيني هو الاقتصاد الأكبر في العالم، لكن الثّورات الصّناعيّة في الغرب أنهت هذا التّفوق من خلال الفترة (1820 – 1978)، وتراجع بعد ذلك، لذلك تأتي مبادرة الحزام والطريق كمبادرة هامة وشكل من أشكال استعادة قوة الاقتصاد الصيني لما يتوقع أن ينجم عنها من فوائد اقتصادية تعود على الصين.
- التركيز الأول على مقومات تطوير الدول والنهوض بها وأسباب استمرارها بقوة مثل الاستثمار في البنية التّحتيّة، والتّعليم ومواد البناء، والسّكك الحديديّة والطّرق السّريعة، والسّيارات والعقارات، وشبكة الطّاقة والحديد والصّلب.
- أسواق الدول الأعضاء سوق كبير موحد والاستفادة الكاملة من الأسواق الدولية والمحلية للدول المشتركة بالمشروع، من خلال التبادل الاقتصادي الثقافي والتكامل والإنسجام، لتعزيز التفاهم والثقة المتبادلة بين الدول الأعضاء.
- تسهيل حركة الصادرات والواردات بما يعود بالنفع على الصين بالدرجة الأولى لحاتها لتصريف منتجاتها، بالتالي سيكون الحزام الطريق أحد أهم سلاسل التوريد العالمية وستنعكس إيجاباً على الأمن العالمي، وإذا نجح بخلق منافسة شريفة من ثوى منافسة سيخلق ذلك سلاسل توريد جديدة.
- عبّر العديد من رؤساء دول آسيا وأوروبا الشرقية بسرور عن اهتمامهم بالانضمام إلى هذه المؤسسة المالية الدولية الجديدة التي تركز فقط على «الأصول الحقيقية» والنمو الاقتصادي المدفوع بالبنية التحتية، لأن مبادرة الحزام والطريق تعالج «فجوة البنية التحتية» وبالتالي لديها القدرة على تسريع النمو الاقتصادي عبر منطقة آسيا والمحيط الهادئ وأفريقيا ووسط وشرق أوروبا.
- تُدرج بعض التقديرات مبادرة الحزام والطريق كواحدة من أكبر مشاريع البنية التحتية والاستثمارات في التاريخ، والتي تغطي أكثر من 68 دولة، بما في ذلك 65٪ من سكان العالم و40٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
- تقوية العلاقات الدبلوماسية مع تقليل الاعتماد على الولايات المتحدة وخلق أسواق جديدة للمنتجات الصينية، وتصدير القدرة الصناعية الفائضة، ودمج البلدان الغنية بالسلع بشكل أوثق في الاقتصاد الصيني كلها أهداف مبادرة الحزام والطريق.
- تنظر بعض الدول إلى المشروع بوصفه محرك نمو عالمي جديد من خلال ربط آسيا وأوروبا وأفريقيا معًا وتقريبهما ليس أقتصاديا فقط بل على الصعد كافة.
- إن هذا المشروع يقابل الدم بالوردة وذلك عبر سعيه للامتداد نحو الغرب من بوابة التنمية بما يعود بالنفع على الجميع، وليس باستخدام القوة العسكرية التي تعتبر قوام المشروع الجيوستراتيجي الأمريكي، ولقد أدركت بعض الدول الغربية أهمية المبادرة لذلك ساهمت بها بشكل ملحوظ ومثال هذا كانت إيطاليا الدولة الصناعية في مجموعة الدول الصناعية السبع شريكًا في تطوير المشروع منذ مارس 2019، انطلاقاً من وعيها وأهمية المشروع.
- إن المشروع لوحده فقط يؤثر اليوم على أكثر من 60٪ من سكان العالم وحوالي 35٪ من الاقتصاد العالمي، ويمكن أن تمثل التجارة على طول طريق الحرير ما يقرب من 40٪ من إجمالي التجارة العالمية، حيث يتم أغلبها عن طريق البحر.
- طريق الحرير البحري الذي يعد الطريق لأكثر من نصف جميع الحاويات الضخمة في العالم، يتم بناء مراكز لوجستية وإنشاء طرق مرور جديدة في المناطق النائية.
- برزت وستبرز الصين كواحدة من أسرع مصادر الاستثمار الأجنبي المباشر نمواً في العالم بدليل احتلالها المرتبة 17في الاستثمار بالهند عام 2016 بعد ان كانت بالرتبة رقم 35 بعام 2011م.
ثالثاً: المخاطر التي تواجه طريق الحرير:
أولاً: إن خطوط مبادرات الحزام الستة وهي الجسر القاري الأوراسي الجّديد/ ممر الصّين – منغوليا – روسيا /ممر الصّين – شبه الجزيرة الهندية/ ممر الصّين – آسيا الوسطى – غرب آسيا /ممر الصّين – باكستان/ ممر الصّين – بنغلاديش – الهند – ميانمار. تنتهي بأغلبها في البحر المتوسط، في منطقة لشرق الأوسط، التي تشهد حالات كبيرة من عدم الاستقرار السياسي والأمني والعسكري، لذلك هناك جهد مضاعف يترتب على الصين للمساهمة بإحلال الأمن والاستقرار في هذه المنطقة، وبالمقابل بمكن لإعداء الصين التلاعب بالأمن والاستقرار خصوصا بالنسبة للدول التي تتحالف مع الصين مما يعرقل أمد القيام بمشروعها إلى ما بعد عام 2049.
ثانياً: الأبعاد الاستراتيجية لمبادرة الحزام والطريق: أن مبادرة الحزام والطريق بالرغم من كونها مبادرة ذات طابع اقتصادي صرف إلا أن لها أبعاد سياسية وعسكرية لا تخفى على المحللين الجيوستراتيجيين، ولا يكن لدوائر استخبارات الدول المعادية للصين تجاهلها، حيث تظن أن جوهر المبادرة هو كونه وسيلة بشكل غير مباشر لتوسيع النفوذ الاقتصادي والسياسي الصيني، وهذا ما يحتم قيام دوائر استخبارات القوى العظمى لا سيما الأمريكية بالتخطيط بشكل أخرى من شأنه إيجاد المنافس لمبادرة الحزام والطريق على غرار طريق الهند – أوربا الذي أقترحه ودعمه بايدن الرئيس الأمريكي، والفارق بين المشروعين الأمريكي والصيني أن الأمريكي علنا يتخذ من امتداداته الاقتصادية وسيلة لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية.
ثالثاً: الثقل الاقتصادي الذي سيترتب على الميزانية الصينية من حيث الكم المخصص لهذا المشروع والسنوات التي ستمتد إليها، لغاية الان استثمرت الصين بالفعل مليارات الدولارات في العديد من دول جنوب آسيا مثل باكستان ونيبال وسريلانكا وبنجلاديش وأفغانستان لتحسين بنيتها التحتية الأساسية، مع ما يترتب على ذلك من آثار على نظام التجارة الصيني.
رابعاً: مسألة يتخطاها الأغلبية أن هذا الإنجاز الاقتصادي سوف يترتب عليه عبئ عسكري لحماية خطوات إنجاز المشروع على المستوى الذاتي أي كل دولة على حدة، وعلى المستوى الكلي خصوصا مسألة الترفيق البحري عبر خط الحزام والطريق البحري.
خامساً: مغبة الدخول في مسألة المنافسة مع القوى العظمى التي ستقوم بمشاريع منافسة لا سيما الدول التي ستدخل المبادرة ستصبح في عداد حلفاء الصين، وبالتالي الأمريكي سيتناول الموضوع من منظور المنافسة لأن مشروع الحزام والطريق هو أحد أدوات تكريس التعددية القطبية عبر توسيع دائر حلفاء المنافس الاقتصادي الوحيد للاقتصاد الأمريكي، الذي لن يبقى على حالة القطبية الأحادية في حال توفرت المصداقية لدى حلفاء الصين.
بقلم د. ساعود جمال ساعود
مدير قسم الأبحاث السياسية في صحيفة طريق الحرير