من الطبيعي للصف العربي الخانع الذي عشق الذل والهوان لعقود طويلة، أن يتعجب من فعل المقاومة الفلسطينية التي هي الأخرى تكفر عن ذنوبها بحق من رباها وأحتضنها ودعمها وانقلبت عليه، أعني سورية، لتعيد ذاتها فكراً وايديولوجيا ومسار سياسيا إلى الطريق الصحيح، وبدعم الحلفاء ذاتهم، الذي اعتبروا شذوذهم ذلة ممكن تجاوزها والصفح عنها.
بداية أقول كعربي سوري خسر الكثير من رجال جيشه ودولته الأشراف: ” ياريت حماس سخرت ما سخرته لقتال الجيش السوري أثناء فترة العشر سنوات الماضية، لقتال اسرائيل، لكان العالم قد شهد منذ قرابة خمس سنوات ما شهده اليوم”. ولكي لا أطيل ، إن عبارة “عفا الله عما سبق” أتركها لثلاثة لا رابع لهم: (الله) – التاريخ الإنساني – الشعب السوري.
ان تخاذل العرب ووضع الصف العربي من خسائر 1967م كان مبرراً قويا لدى حركة فتح للتوجه نحو أوسلو 1933م وهذا كلامهم وتبريرهم ، لأننا كسوريين نراقب ما سموه ثوابت استراتيجية عمادها الكفاح المسلح فقط وليس الحل السياسي مع الكيان المغتصب.
ورغم كل شيء، انتزعت حماس التي عادت إلى رشدها احترام السوري والعرب على العموم وكل إنسان شريف في هذا العالم، على ما سطرته من بطولات ميدانية تكتيكات عسكرية غائبة عن الأذهان في البر والبحر والجو، مدعومة من دول محور المقاومة لا سيما إيران بالدرجة الأولى وذراعها الحديدي في لبنان، وسورية التي مرت قبل طوفان الكرامة الفلسطينية بجريمة تاريخية إنسانية دولية تمثلت باستهداف ضباط الكلية الحربية الجدد، ليحمل بدء العملية الفلسطينية مؤشرا الإذن والدعم السوري لبدء اقليام بها، دون أن نغفل التسلسل المنطقي لتدهور الأحداث في مدن الضفه الغربية والذي قاد إلى الإنفجار الحالي فقبل يومين بالضبط قتلت اسرائيل جنديين من حماس في طولكرم علاوة على تجاوزات المستوطنيين وانتهاك حرمة الأماكن المقدسة.
وبمعرض الحديث نقول عن شهداء الكلية الحربية : الذين لو أخذنا ثأرهم الف الف مرة ما وفيناهم حقهم، وسيبقون نجمه سوداء ثالثة نطبعها على (رايتنا) كي لا يغيب عن ذهننا فعلة الفاعلين.
وفي صدد الجواب على السؤال الرئيسي لمقالنا نوضح وجهة نظرنا في النقاط الأتية:
أولاَ: من المعيب تسمية ما جرى بأنه “عملية عسكرية” بل هي أعظم من لك أنها حرب نظامية محبوكة بشكل دقيق وتخطيط مسبق وبمشاركة قوى حليفة تحت ستار حماس ويظهر من التكتيكات المتبعة ظهور عقلية إيران وحزب الله بوضوح.
ثانياً: شرذمة الصف الداخلي نقطة ضعف لدى الفلسطينيين ولوكان هناك تنسيق مع باقي الفصائل الفلسطينية لكان الأثر أقوى عسكريا من باب تشتيت قوة العدو بأكثر من منطقة.
ثالثاً: انكشاف قوة الكيان الاسرائيلي التي تبين أنها تهويل اعلامي مبالغ فيه كثير ولكن تحسب لليهود نجاحهم بحربهم النفسية ضد العرب واقناعهم بضعفهم امامهم.
رابعاً: سيكون لها انعكاس على حركات التطبيع مع اسرائيل بالنسبة للدول العربية التي تلهث للتطبيع بعد أن تبين لها ضعف هذا الكيان.
خامساً: التكامل والتنسيق بين قوى محور المقاومة فلا يمكن استبعاد ما حصل في سوريا كعامل غير مباشر في اندلاع هذه الحرب.
سادساً: العامل النفسي: تم إعادة بناء الثقة بالنفس لدى المقاتل الفلسطيني الذي أثبت تفوقه هذه المرة والغريب ان هذه القوة لم تظهر سابقاً رغم امتلاك الاسلحة اللازمة.
سابعاً: كسر حاجز الخوف لدى الشعب الفلسطيني بعد الاستهتار بقوة الكيان وجيشه // اسر جنود – اعتقال قادة كبار – اقتحام ثكنات – السيطرة على دبابات حديثة …
ثامناً: الحدود الوهمية التي تم تجريفها واقتحامها وفتح ثغرات بها وعدم وجود مقاومة تذكر من قبل جيش الكيان، الذي لولا قصف الصواريخ لما كان لهم أي أثر.
تاسعاً: يحكى عن فشل استخباراتي تجلى بعدم امتلاكهم معلومات لتحركات حماس وتكتيكاتها المتطورة وعدم امتلاك معلومات دقيقة عن مخزونا العسكري وخطأ تقدير مقدرتها على الصمود.
عاشراً: مقدار الصدمة التي تكونت لدى الكيا وقادته ستؤدي إلى تقييد تحركاتهم مستقبلاً أخذين بالحسبان ردة الفعل الغير متوقعة، ولو قدر للطوفان أن يتسع وتشارك به دول مقاومة اخرى ولو بستار خفي فإنها ستكون كفيلة بقصم ظهر اسرائيل.
حادي عشر: المستوطنون نقطة ضعف لدى الكيان الاسرائيلي يسببون له المشاكل مع الفلسطينيين وبالوقت ذاته مقدار الفوضى الأمنية التي يحدوثونها مع انفجار أي حدث أمني كفيلة بخلق حالة إرباك لدى الداخل الاسرائيلي ولهذا تبعات أمنية وعسكرية.
ثاني عشر: أثمرت سياسات الكفاح والصمود بعد سئم الشارع السياسي العربي منها وقطعوا امالهم، وهاهي قد أثبتت أن تثمر على المدى الطويل، وان حرب طوفان الاقصى تثبت بدون شك ان الصمود عل المدى الطويل سيثمر وستتحقق أهداف الفلسطينيين باستعادة أرضهم.
الثالث عشر: إن وجود المقاومة في الداخل الفلسطيني اليوم يغني دول محور المقاومة عن دخول حرب مباشرة معها، لأن استنزاف اسرائيل وإرهاقها يكمن بتغذيه ودعم الفصائل الفلسطينية المسلحة وتوجيهها بالكيفية والتوقيت المناسبين، مما يشكل عامل ردع ضد اسرائيل يقيد حركتها ويجعلها بموقع المحاصر.
إن ما حدث سيعيد الحسابات الاستراتيجية للكثير من الدول التي ماتزال تضع ذاتها بموقع التابع والمرهون لإسرائيل، وسيزيدها شعورا بقوتها ووزنها الاقليمي أو الدولي، حيث ثبت في ظل توالي سلسلة الاستفزازات ورود الفعل ، مدى السعي الحثيث الامريكي لبقاء ودعم الكيان قائما وقوياً، أن اورشليم أسرائيل الصغرى تساوي لا شيء ، وامريكا هي اسرائيل الكبرى، وهذا الأمر يمكن تجاوزه مستقبلاً عبر الانخراط بالمعسكر الصيني الروسي، وحتى الاوربيين متضايقيين ضمنيا من التبعية للأمريكي .
بقلم د. ساعود جمال ساعود