تضج الكثير من التساؤلات بإذهان المراقبين للعلاقات الصينية – السورية حول القيمة السياسية لسورية بالنسبة لدولة كبيرة مثل الصين، وغيرها من الأسئلة التي تخطر ببال المراقبين لزيار الأسد إلى بكين بعد أيام قليلة، من قبيل الأمال المعقودة والنتائج المتوقعة؟ ولماذا الأن بهذا التوقيت؟ وماذا يعترضها من عقبات؟ وما هي مشكلتنا كعقلية سياسية؟ وما هي توقعاتنا رغم العوائق؟
مشكلتنا – كعقلية سياسية لدى بعض القيادات – أننا نستهتر بما ينشر ضد دولنا من مشاريع دولية مشروع “الشرق الأوسط الكبير” ، مشروع “الشرق الأوسط الجديد”، استهدفت حلفاء الصين في الشرق الأوسط وساحتها الجيوسياسية لذا الصين مضطرة للوقوف مع أتباعها ليس بالضرورة عسكريا بل سياسيا كما فعلت مع سوريا في مجلس الأمن مثلاً، لأن هذه المشاريع بشكل أو بأخر تستهدف قص أطراف الصين وتطويقها وحرمانها من منافذ استراتيجية وساحات مناورة سياسية، لأن الأهداف الكبرى لهذه المشاريع تركّزت على الدول البارزة والمناهضة للسياسة الأمريكية سواء سورية أو إيران ، وتوسع المشروع ليطال كل مهدد للأمريكي بما فيها الصين.
أولاً: الحاجة أم الزيارة: تأتي زيارة الرئيس الأسد في ظل ظروف اقتصادية وسياسية قاسية تعيشها سورية مختلفة نوعاً ما عما عداها رغم انما سبق لا يقل خطورة. فقد وصلت تدهور الأوضاع المعيشية لدرجة قيام احتجاجات فب المنطقة الجنوبية محور سويداء – درعا، وبباقي المحافظات لا يخفى على أجهزة الدولة أن “الجمر تحت الرماد”. من الناحية الميدانية وتبعاتها السياسية فالمنطقة الشرقية تشهد وضعاً مستجداً طارئ لا يريح الولايات المتحدة الأمريكية ولا بد لتبعاته في – حال تدحرجت الأمور نحو الأسوأ – من وضع التدابير الاحترازية بمساعدة حلفاء سورية لكون الأمر فوق طاقتها وإن نجحت استخباراتيا بتجييش العشائر وتقديم الدعم اللازم لهم، وبالطبع لا يخفى ما يجب أتخاذه على الدولة السورية التي أصبحت ذات خبرة في السياسة لا سيما” فن الرقص على أوتار التوازنات” ، لنخلص بالنتيجة أن هذه الزيارة تتم في لحظة تحتاج سرية فيها للإسعاف والنجدة السريعة.
ثانياً: الزيارة بنت التوقيت: تأتي زيارة سورية إلى الصين في التوقيت المناسب لأبعد الحدود، حيث ترتسم بهذا الوقت نزعة الصين نحو الاستقلال في نفوذها عالميا يساعدها الرغبة الدولية بإتباع خطاها ثقة بنهجها مقارنة بنهج نظيرتها أمريكا، ولقد فهم العالم رسالة الصين وروسيا من غيابهما عن قمة العشرين، والتطور الرهيب الطارئ على بريكس ووضع خط التخلص من الدولار، والإصرار الصيني بأكثر من مناسبة على بناء عالم متعدد الأقطاب ونظام عالمي أكثر عدلاً، لذا إن زيارة سورية تأتي في لحظة تفاقم العداء بين المنافسين العالميين وهذا توقيت دقيق في الحسابات الاستراتيجية السورية. وإن كنا نرى أن ثمار المواجهة مع الأمريكي تحتاج لأمد طويلة لكنها سياسة استثمار اللحظة.
ثالثاً: ما يعكر صفو الزيارة: لا يجب أن نبالغ في الأمال التي تُبنى على هذه الزيارة لأن هناك مجموعة من التحديات التي تواجه الإمداد الصيني إلى سورية أخطرها بنيوية، ورغم كثرة الأحاديث عن بدء مرحلة إعادة الإعمار في سورية إلا أن ذلك لا يتعدّى كونه جزء من الدعاية المضادة السورية، لأن إعادة البناء له شروط للشروع فيه ومتطلبات لا بد منها حتى تنجذب دول العالم ” القلة القليلة” باتجاه سورية ومنها:
- الحاضنة الأمنية المستقرة: حيث ما تزال سورية بعيدة عن الاستقرار الشرط الأساسي لإقامة المشاريع والاستثمارات لا بل وعودة المستثمرين “الراغبين”.
- المحيط الإقليمي الغير متعاون: تعيش سورية بين جيران طامعين غير متعاونين ومتقلبين وهذا عائق.
- ترابط معادلة الأمن ببعضها (الأمن الدولي بالإقليمي بالداخلي): والصين وسوريا متفقات ضمنيا على رؤية سياسية تضعها الجهة الداخلية في سورية حصراً بمعزل عن الضغوطات والأراء الخارجية المحيطة. لذا يوجد خلل بهذه المعادلة لا يروق للبعض الذين يريدون حلاً داخلياً مبنياً على التوافق السياسي السوري الجامع.
- والأمر الثاني هو تغيير بيئة العمل الاقتصادي بالانتقال إلى دورة الاقتصاد الإنتاجي الطبيعي.
- والأمر الثالث هو تغيير التشريعات الاقتصادية، بما يؤمن سهولة العمل وسرعته وانسيابيته.
بالمجمل هناك جملة من التحولات الداخلية تتطلب الجمع بين مسارات اقتصادية متناقضة ناهيك عن الوضع السياسي والأمني الداخلي علاوة على التهديدات الخارجية لسيدة الجغرافيا السورية في الشمال والشرق.
توقعات الزيارة في محاور عامة: استناداً إلى توقعاتي إلى المعلومات التالية العلاقات السياسية والاقتصادية القوية بين الصين وسوريا، الحاجة السورية إلى الدعم الاقتصادي والتجاري في إعادة إعمار البلاد بعد الحرب، موقف الصين الداعم للحكومة السورية في الحرب الأهلية السورية. نبني التوقعات الأتية للزيارة خصوصاً في ظل الظرف الراهن توقيع اتفاقيات اقتصادية وتجارية جديدة بين البلدين، إعلان الصين عن استثمارات جديدة في سوريا، دعم الصين لجهود سوريا لاستعادة الاستقرار والأمن في البلاد، مناقشة القضية السورية في المحافل الدولية.
د. ساعود جمال ساعود