بدايةً أطرح هذا المقال ضمن إطار الحديث عن (الحزب الشيوعي الصيني في هذا العصر) ويبدو هذا المقال للوهنة الأولى مبالغ فيه، ولكن سرعان ما سيتبين للقارئ أنّه منطقي وواقعي فيما لو أخذنا بعين الاعتبار خصوصية النموذج الصيني الحزبي وأسرار تميزه عن غيره من النماذج الحزبية عالمياً. لأنّ أخذ هذا الأمر بالاعتبار سيجعل من فكرة تصدير التجربة الحزبية الصينية ضمن إطار القوة الناعمة؛ أمراً جديراً بالاهتمام وقابل للتحقيق على أرض الواقع خصوصاً إلى دول العالم الأخرى المعجبة والمقتنعة بالصين ونظامها السياسي والحزبي وتجاربها المتعدّدة على الصعد كافّة.
بالطبع يندرج هذا النوع من التصدير للتجارب الحزبية ضمن سياق العولمة بطابعها الصيني الخاص ولكن هذا المرة ليس على الصعيد الاقتصادي بل على الصعيد السياسي من باب قناعة الدول بالنموذج الحزبي الصيني وليس كرها وإجباراً كما تفعل الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أعرف العولمة الصينية بأنّها جعل التجارب والنماذج الخاصة بالدولة والشعب الصينيين منتشران على المدى الدولي من حيث المعرفة والتطبيق سواء كانت هذه التجارب والنماذج اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية .. الخ. وعلى أي حال إنّ ما يجب معرفته بإطار الحديث عم العولمة الصينية وتعميم تجاربها على دول العالم حتى تنجح هذه العولمة ذات الخصائص الصينية لا بد من الإجابة على سؤال هام: من أين تنبع خصوصية النموذج الصيني الحزبي؟ وما سر تميّزه وتفوقه عالمياً؟ والجواب إنّ خصوصية النموذج الصيني الحزبي من عدّة أسباب كانت وراء تميّزه عالمياً، أنّ الحزب الشيوعي الصيني لا يعمل لمصلحته الخاصة بل يعمل لصالح المصلحة العامة ويعتبر الشعب مصدر السلطة وغاية الحكم وهو المدير للدولة، كما أن الحزب الشيوعي رغم حكمه للصين بوصفه الحزب الحاكم إلا أنّه يحكم بعقلية المؤسسات، وتمكن من النهوض بالدولة والمجتمع على الصعيدين الداخلي والخارجي والأدلة كثيرة منها تحتل الصين المرتبة الثانية بناتج محلي يبلغ 19 تريليون دولار أمريكي ، وأهم خصوصية تطوير الحزب لذاته وتبنيه مبدأ النقد البنّاء، ولكن رغم ذلك لم تدفع الصين لتعميم ونشر تجربتهم الحزبية رغم وجود فروع للحزب الشيوعي في دول العالم من منطلق إدراكهم للصعوبات التي تواجهه وأبرزها عدم تكيّف النظم السياسية للدول مع هيكلية النظام السياسي والحزبي في الصين.
ولكي نبرر فكرة إنشاء موسوعة خاصّة بالصين لتصدير التجربة الحزبية لها إلى الدول الأخرى مع أنّ فكرتي تبدو مضحكة وسيسخر منها الجميع ويقولون : “أنه مبالغة كبيرة” ، فلابد من التركيز على أمر محوري ألا وهو: الأسباب الموجبة لعولمة النموذج الحزبي الصيني لدول العالم الأخرى التي تعاني من مشاكل حزبية في إدارة وحكم الدولة والمجتمع، حيث سنركز على أمرين الأول: أسباب حاجة الدول الأخرى للاستفادة من التجربة الحزبية للحزب الشيوعي الحاكم، والثاني: عوامل الإغراء والجذب على التبنّي: إنجازات الحزب الشيوعي الصيني وبالتالي مواصفات التجربة الحزبية الصينية بقيادته.
وبخصوص أسباب حاجة الدول الأخرى لا سيما أحزاب المنطقة العربية بما أنني من سورية للاستفادة من تجربة الحزب الشيوعي الصيني:
أولاً: أغلبية الأحزاب ومنها العربية تعاني من الجمود الفكري، كما تعاني من الولاء الايديولوجي الأعمى، وعدم تطوير مبادئها وفق المستجدات العالمية مما يجعلها عاجزة عن مواكبة التطورات في العالم.
ثانياً: غياب الرؤية والمنهج عند كثير من القوى والتيارات السياسية وعدم تجديد أساليبها في التنافس والحكم والإدارة.
ثالثاً: الشخصنة والولاء الأعمى ولاء الجاهلين وليس المتعقلين كما في الصين فقادة الأحزاب العربية يعانون من التقوقع، وغالباً ما يعاني قادة الأحزاب من عدم الكفاءة والخبرة.
رابعاً: تعمل الأحزاب في البلدان العربية لتحقيق مصالح ومكتسبات سياسية واقتصادية لصالح شخصيات وأنصارها فقط بمعزل عن بقية شرائح وجماعات الأحزاب.
خامساً: يتم استغلال تأييد شرائح الشعب من قبل الأحزاب أثناء المعارك الانتخابية للوصول إلى المناصب، وبعد الوصول يتخلّون عن وعودهم لمن أنتخبهم وهم تجار أصوات فقط.
سادساً: الحكم بعقلية فردية ديكتاتورية لا تعرف روح الجماعة والتعاون ولا تنجح بنقل الدول إلى دول مؤسسات أي عقيلة الإدارة بالمؤسسات، والأهم أنّ غالبية الأحزاب ومنها العربية تخرج الشعب من قائمة أهدافها من حيث اعتباره مصدر السلطة والحكم وغايته.
سابعاً: تعاني غالبية أحزاب العالم ومنها العربية من ظاهرة التبعية للخارج الأمر الذي يعيق العملية السياسية ولا يساعد للوصول إلى حلول للمشاكل السياسية التي تعاني منها الدول، كما أن التبعية للخارج تمكن الخارج من التلاعب بهم والعمل لتحقيق مصالحهم ولو كانت ضد مصالح دولهم.
وبخصوص عوامل الإغراء والجذب على التبنّي المتمثلّة بإنجازات الحزب الشيوعي الصيني فإنّه يمكن إيجازها بـ:
أولاً: حكم الحزب الواحد يخدم أمن واستقرار الدول التي لها أعداء كثر، لأن التعدد الحزبي يكون عبارة عن قنوات لاختراق أمن الدولة واستقرارها وهدر طاقات شعبها وسبب لخلق تعدّد في التوجهات السياسية والفكرية، ولابد للدول التي أخذت بفكرة حزب قائد في جبهة وطنبة تقدمية من العودة إلى التجربة الصينية والاستفادة منها.
ثانياً: التقسيم الإداري أو الهيكلة السياسية للحزب الشيوعي: للحزب أربع مجموعات قيادية وهي: مجلس الشيوخ الوطني ويمثله 1,900 عضو، واللجنة المركزية، ويمثلها 300 عضو، والدائرة السياسية ويمثلها 20 عضوًا وسكرتارية الحزب ويمثلها خمسة أو ستة أفراد، وينص القانون على أن أعضاء مجلس الشيوخ الوطني وأعضاء اللجنة المركزية هم أهم الأعضاء جميعاً.
ثالثاً: السيطرة على المناخ الأيديولوجي في الصين للتأكيد على أن القيادة العليا للحزب الشيوعي لن تتأثر بالنفوذ الغربي، ووجود رؤية ومنهج في حكم وإدارة الدولة الصينية تتجسّد بفكرة الرئيس تشي جي بينغ (الديمقراطية الاشتراكية ذات الخصائص الصينية)؛ التي تعتبر بكل خططها ووسائلها وأهدافها أنّ الشعب الصيني مصد السلطة وغايتها، وهذا يطبق عملياً بصدق بدليل عام 2021م عام القضاء على الفقر في الصين.
رابعاً: الجوانب التي ركز عليها الحزب الشيوعي الصيني خلال كفاحه الممتد لمئة عام ركزت على مستقبل ومصير الشعب، واختيار الطريق لنهضة الأمة، والابتكار النظري، والتأثير العالمي، والثورة الذاتية. حسب ما أكّدته الجنة المركزية التاسعة عشرة في قرارها في 11/شباط/2021م، وهذا ما يجب أن تركز عليه الأحزاب الأخرى وأن تتعلمه وتتقنه.
خامساً: الخاصية الموجودة في دستور الحزب الشيوعي الصيني والتي تطبق بالفعل ألا وهي المادة (6) تنص : أن يمارسوا النقد والنقد الذاتي فعلا، وأن يجرؤوا على كشف وتصحيح الأقوال والأفعال المخالفة لمبادئ الحزب والعيوب والأخطاء في العمل، ويخوضوا بحزم النضال ضد ظواهر التواني والفساد.
سادساً: قوة السلطة المركزية وتماسكها حيث تعود إلب النجاحات في الإدارة والحكم في الصين إلى قوة وتماسك القيادة المنتخبة من قبل الشعب بإرادته ووعيه، والتمسك بوضع الشعب فوق كل شيء.
سابعاً: الحقيقة القائلة بأن: الحزب الشيوعي ليس كيانا سلطويا كما هو الحال في معظم بلدان الشرق الأوسط، بل هو مؤسسة سياسية رصينة ومستقرة تراكمت فيها الخبرات والقيادات واستفادت من قدرات شعبها.
واستناداُ إلى هذين المنطلقين: حاجة الدول لنموذج حزبي ناجح في إدارة الدولة وحكمها من جهة، وامتلاك الحزب الشيوعي الصيني للمقومات التي تؤهله لطرح نفسه كنموذج وتجربة سياسية للتصدير السياسية للبلدان الأخرى، فمن هنا جاءت فكرة (موسوعة المصدّر الصيني للتجربة الحزبية) .
تقوم فكرة موسوعة المصدّر الصيني على فكرة التصدير السياسي الذي يتخذ شكل انتخابات، ونموذج حكم، ونظام سياسي، وحلول للازمات، والأفكار والاستشارات السياسية، ويجب على القائمين على هذه الموسوعة القيام بالوظائف الأتية من وجهة نظري:
1. تقديم حلول للمشاكل الحزبية والسياسية وكيفية حلها بالتعاون مع شخصيات حزبية وسياسية من الصين.
2. تخصيص مردود مادي لمساعدة الدول بحل مشاكلها الحزبية والسياسية لا سيما حقول الإصلاح السياسي بالتعاون مع رجال أعمال وسياسة صينيين.
3. خلق الاستثمار الإيجابي بالقضايا السياسية للدول.
4. تقديم الخبرات والاستشارات السياسية في الشؤون الداخلية والخارجية.
5. الترويج عبر النجاحات الحزبية في إدارة الدولة للعولمة وتحريرها من الأشكال الاقتصادية.
6. إعادة تقوية التواصل مع الأحزاب الشيوعية المنتشرة حول العالم.
7. العمل على كسب مكانة سياسية ودور سياسي محترم للأحزاب الشيوعية الصديقة للحزب الشيوعي الصيني لا سيما على الصعيد التنموي.
8. نشر عقلية حكم الدولة بعقلية المؤسسات وليس بعقلية الحزب المحصور بجماعة محددة.
9. إبراز أهمية تركيز السلطة في يد جماعة معينة وأهميتها بالنسبة للدولة المستهدفة خارجياً من قبل أمريكا وحلفائها تجنباً للانشقاقات الداخلية.
10. حل المشاكل الإدارية في مؤسسات الدول الصانعة للقرار السياسي، وتقديم آليات كفيلة بتقييم الإنجاز السياسي للمؤسسات الصانعة للقرار والعاملة في الحقل السياسي للمؤسسات الصانعة للقرار والعاملة في الحقل السياسي والاقتصادي و…الخ.
بالختام، انا صاحب هذه الفكرة أرى فيها مبالغة وصعوبة ولعل الكثيرين سيرفضونها وسيسخرون من أفكاري، لعدة أسباب منها أن لكل دول نظامها السياسي والحزبي الخاص بها، ولها هيكلية خاصّة بمؤسسات صنع القرار، كما أن بنية مجتمعاتها تختلف من دولة إلى أخرى، ولكن سلبيات الممارسة الحزبية للدول تجعلهم يحاولون استنساخ ايجابيات التجربة الحزبية في الصين لدورها المهم في قيادة الدولة والمجتمع، كما أن هذا التكييف السياسي سيقود إلى تكييف اقتصادي وثقافي واجتماعي ، بهدف الانضمام إلى القطب الذي تقوده الصين والذي سيتفوق بالمستقبل على القطب الأمريكي، وحتى في حال رفض فكرة موسوعة المصدر الصيني ، فإنها ستبقى دلالة على نضج تجربة الحزب الشيوعي الصيني في إدارة الدولة الصينية وحكمها كنموذج عالمي متفوق على مثيلاته نظراً لمنجزاته التي حققها للصين والصينين والإنسانية جمعاء, أتمنى قبول مقالي واحترام فكرتي لأن غالبية الدول لا تحترم الأفكار الإبداعية.
بقلم الدكتور ساعود جمال ساعود