لم يخلو تاريخ العلاقات بين الصين واستراليا من المرور بفترات متأزمة إلا أنّ تلك الفترات كانت تدار بحكمه لا يصاحبها إشهار بالمواقف المبطنة غير أنّ الآونة الأخيرة شهدت جملة من المؤشرات تلاها تحرّكات فعلية لأستراليا حسمت التخمينات الدائرة حول موقفها بانضمامها للمحور المعادي للصين تتوجت بانضمامه لتحالفي كواد والعيون الخمس.
لم تحظى المؤشرات الأخيرة على توتر العلاقات بالرقابة التدقيق والتحليل والتي عادت للظهور مع بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا التي كان من المخطط أتخاذها قاعدة متقدمة للناتو لضرب الأمن القومي الروسي، ورغم استراتيجية العلاقة بين روسيا والصين إلا أن الصين التزمت الحياد سياسياً وعسكرياً رغم وجود اتفاقيات وخطط اقتصادية مشتركة كانت موضع شك بنظر استراليا، الدليل في 25 فبراير 2022م فرضت مزيداً من العقوبات على روسيا فرضت أستراليا المزيد من العقوبات على روسيا ، وقالت إنه “من غير المقبول” أن تخفف الصين القيود التجارية مع موسكو في هذا التوقيت. وهذا كان تشكيك بالموقف الصيني يطرح تساؤلاً هام : ما الذي اثار استياء استراليا بالموضوع؟
إنّ السبب الذي أثار مخاوفها هو روسيا وما تملكه من مقدرات عسكرية رهيبة جعلت استراليا تشعر بالخوف وتنتقد موقف الصين رغم علاقاتهما الجيدة والتي تنظر لها بوصفها شريك لروسيا وعامل مؤثر وضامن ووسيط للدول العالم لدى روسيا، وحرصاً على تفادي المفرزات السلبية الأخرة إقتصادياً وعسكرياً، ولا شيء بنظري يثبت صحة رأي إلا ما أقدمت عليه استراليا بالشهرين الماضيين من قبيل:
1. في 2/ أبريل/ 2022م سعي حكومة موريسون إلى تنويع أسواق التصدير وتقليل اعتماد أستراليا على الصين أكبر شريك تجاري عبر توقيع اتفاقية التجارة المقرر توقيعها مع الهند التي وصفها رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون بأنها تمثل “أحد أكبر الأبواب الاقتصادية التي سيتم فتحها في العالم اليوم” وإن البلدين سيواصلان العمل نحو التوصل لاتفاق تجارة حرة كامل.
2. في 6/أبريل/ 2022م تسريع تسليح الجيش الأسترالي بصواريخ بعيدة المدى، وزيادة الموازنة العسكرية، والسبب جاء علانية على لسان وزير الدفاع الأسترالي بيتر داتون بسبب الحرب في أوكرانيا، والخطر الذي تشكّله “الأنظمة الاستبدادية” على “الديمقراطيات الحرة” حول العالم، في إشارة إلى روسيا فيما عناه بالأنظمة “الاستبدادية” حسب وصفه، لذا يمكن وصف العلاقة مع روسيا بكونه ملف عالق بين روسيا والصين، وتابع: ” قلقون مما يحدث في المحيطين الهندي والهادئ” إشارةً إلى الصين.
بالنتيجة انضمت استراليا إلى تحالف “كواد”، الذي يضم الولايات المتحدة والهند واليابان، كما انضمت إلى تحالف “العيون الخمس” الاستخباري الذي يضم بالإضافة إليها كلاً من الولايات المتحدة وكند ونيوزيلندا وبريطانيا. التحالفين اللذين يوفران فرصة مهمّة لاستخدام “المعايير الأمنية” لاحتواء الصين في آسيا والمحيطين الهادئ والهندي.
تحالف كواد بدأت المحادثات حوله منذ عام 2007م ، وشهد انسحاب أستراليا خلال فترة ولاية رئيس الوزراء كيفين رود بسبب المخاوف الأسترالية بشأن الانضمام إلى تحالف ضد الصين مع اثنين من أعدائها التاريخيين، اليابان والهند، ولكن عام 2017م شهد دخول استراليا في هذا الحلف رسمياً ضمن سياق الترتيبات الأمنية المتخذة بين أعضاء كواد في منطقة جنوب شرق أسيا وهذا مجاهرة وكشف بكون الحلف معد ضد الصين، لذا إن لهذه الأحلاف التي انضمت لها استراليا خطراً على الأمن القومي الصيني وبذلك تكون قد وضعت نفسها في خانة أعداء الصين المتخوفين منها لا المنافسين لها. وهذا يذكرنا بما حدث في 25 /مايو/ 2020م ، حين حذرت الحكومة الصينية أستراليا من “النأي” بنفسها عن الولايات المتحدة وسط التوترات المتزايدة، وقالت بكين ، متهمة الولايات المتحدة بالضغط من أجل “حرب باردة جديدة” ، إنّ أي دعم تقدمه أستراليا للولايات المتحدة سيوجه “ضربة قاضية” للاقتصاد الأسترالي. وهذا ما يمكن أن تواجهه استراليا في ظل تحركاتها الحالية ضد الصين.
بقلم الدكتور ساعود جمال ساعود