شاب روى قصة كانت لي حكمة فقال :
“كنت أشتغل على سفينة، و كان عملي يقتصر على دهان سطح السفينة لمدة محددة يومياً، خوفاً من الصدأ لحديد السفينة.
كان الوضع على السفينة ممتازاً خلال كل الأوقات، فالقبطان محافظاً على النظام،
والعاملون غاية في الانضباط،
والعلاقة بين العاملين مميزة وكذلك مع القبطان، إذ تجمعهم وحدة الحال والمصير والعيش المشترك، كنا جميعاً نعيش نعيماً بل ورخاء.
وفي أحد سفرات السفينة الطويلة، وفي وسط المحيط هبت عاصفة، بدأت خفيفة عابرة وراح القبطان يوزع المسؤوليات والتعليمات لتجاوزها بأمان، لكن الأيام القادمة زادت من هول العاصفة، فالأمواج صارت مثل الجبال والسفينة ترتطم بكل ماحولها، حتى بدا الرعب على وجوه الجميع حتى البحارة القدماء.
كل هذا والقبطان يتحكم بالسفينة بكل ما أوتي من جهد للحفاظ على توازنها، فلم يكن يغادر غرفة القيادة حتى بدأت الفوضى بين العاملين في أجواء الذعر والرعب مما هو قادم ومحتمل، ومع الأيام راحت تظهر حالات تمرد في صفوفهم من رفض العمل ونشوب الخلافات.
ومع استمرار العاصفة وظهور المضائق والجليد، تدهور الوضع إلى انفلات وعصيان، وراح يختفي الطعام وتكثر سرقاته حتى وصل بهم الحال لنهب المستودعات.
فتفاقمت الخلافات حتى بتنا
نصرخ للقبطان ليسمعنا، ويزيل الخلافات بيننا ويقمع التمرد.
مكان القبطان في مقدمة السفينة خطر جداً في مواجهة الإعصار، ومع ذلك ذهبت إليه وأخبرته بواقع الحال، وما آلت إليه الأمور من فلتان وجوع وعصيان، ورجوته أن يذهب الى سطح السفينة ويعيد النظام كما كان.
كان تعباً وعيناه مثبتتان باتجاه البحر، أجابني دون التفات بقوله: “تعال امسك عني دفة التوجيه وغرفة القيادة حتى أذهب إليهم”.
لكن ذلك مستحيل سيدي، ستغرق السفينة لا محالة، أجبته بخوف، فطلب مني أن أرسل أحدهم ليستلم غرفة قيادة السفينة بدلاً عنه ريثما يقوم بإعادة بسط النظام على ظهر السفينة، فقلت وهل من قبطان غيرك هنا؟ فلا أحد تدرب على قيادتها قبلاً، فكان جوابه المرهق حد الخذلان: “إذا دعني أوصل هذه السفينة إلى بر الأمان و نتجاوز هذه العاصفة العاتية، وبعدها لكل حادث حديث.
تعليق:
“فاتعظوا يا أولي الألباب فلكم في القصاص حياة”.
بقلم منذر صقر