رئيس التحرير : الإعلامي يعرب خير بيك
المقال بقلم : رئيس مركز الدراسات السياسية في مرصد طريق الحرير
د. ساعود جمال ساعود – [email protected]
توحي تقلّبات المشهدين الدولي والإقليمي للمنظّر الجيبوليتكي بكم هائل من النظريات التي تصلح كمقاربات نظرية للتفسير والتحليل على أساسها من منظورها في مجال الدراسات الاستراتيجية والجيبوليتيكية سواء، هنا أطلق عليه شخصياً اسم “نظرية الأثر التتابعي” على الحالة التي شهدها النسق الدولي أثناء اندلاع ما سمي مجازاً بـ “الحرب الإيرانية – الإسرائيلية”، ومفاد النظرية:” إن أي خلل بالنسق الدولي لا سيما في حالة الحروب وما ينجم عنها من تداعيات، تصيب بالضرر مصالح بقية الوحدات والفواعل الدولية، وتبقى مهددة بحالة تقلّب وعدم استقرار إلى أن ينتفي المسبب ويعود النسق الدولي إلى حالة التوازن الذي تتكفل به أليات تسوية المنازعات الدولية أو الإقليمية لأن ما ينطبق على النسق الإقليمي من منظور هذه النظرية ينطبق على النسق الإقليمي بحكم التكوين والعلاقات الحاكمة.
وبمعرض الحديث، نشير إلى أن معالم النظرية السابقة مأخوذة بالكامل من المشهد الإقليمي الذي أرتسم عقب اندلاع المواجهة الإسرائيلية – الصينية، وما أفرزته من تداعيات، أخترنا كقالب تطبيقي لإثبات جوهر فكرة النظرية مشروع الحزام والطريق وتداعيات حرب إسرائيل – إيران عليه، حيث أثرت حرب ال 12 يوماً أو الحرب الإسرائيلية-الإيرانية، من المنظور الجيوسياسي على مشروع “الحزام والطريق” الصيني (BRI)، بسبب الدور المحوري لإيران كمركز جيوسياسي واقتصادي في هذا المشروع، الأمر الذي تجلّى بعدة نواحي منها:
أولاً: تعطيل الممرات البرية والبحرية: تُعتبر إيران نقطة عبور رئيسية في الشق البري لطريق الحرير، حيث يمتد المسار من الصين عبر آسيا الوسطى وإيران إلى تركيا وأوروبا، كما أن موقعها الاستراتيجي على مضيق هرمز وبحر العرب يجعلها حيوية للشق البحري، فهذا من حيث الأهمية الجيوسياسية لإيران في مشروع طريق الحرير، أما تداعيات الحرب الإسرائيلية-الإيرانية، التي شملت ضربات جوية واسعة النطاق على منشآت عسكرية ونووية إيرانية، فقد أدت إلى:
- اضطرابات لوجستية: أثرت الهجمات الإسرائيلية التي استهدفت البنية التحتية مثل مصانع الصواريخ ومنشآت الطاقة على شبكات النقل والسكك الحديدية التي تمولها الصين، مثل مشروع الربط السككي بين إيران والعراق وسوريا.
- مخاطر الأمن: التصعيد الذي وقع وأي تصعيد عسكري مستقبلاً في المنطقة، يزيد من مخاطر استهداف البنية التحتية للمشروع، مثل الطرق والموانئ، مما قد يؤخّر تنفيذ المشاريع أو يرفع تكاليف التأمين والحماية.
- تأثير على الاستثمارات الصينية في إيران: استثمرت الصين بكثافة في إيران ضمن إطار مبادرة الحزام والطريق، بما في ذلك تطوير ميناء شهبار والبنية التحتية للنقل، والأمثلة كثيرة منها اتفاقية التعاون الإيرانية-الصينية لمدة 25 عاماً، الموقعة في 2021، عززت هذه الشراكة، لكن الحرب كحالة أو واقع مفروض، تُسبب تأخير المشاريع لأن الضربات الإسرائيلية على أهداف استراتيجية مثل منشآت فوردو ونطنز النووية، تعيق تنفيذ مشاريع البنية التحتية بسبب حالة عدم الاستقرار، إضافة إلى تراجع الثقة الاقتصادية، فقد يدفع الوضع الأمني المتدهور الشركات الصينية إلى إعادة تقييم المخاطر الاستثمارية في إيران، خاصة مع تصاعد العقوبات الدولية المحتملة بعد الحرب.
ثانياً: التوازنات الجيوسياسية والصراع الصيني– الأمريكي: تعتمد الصين على إيران كحليف استراتيجي لربطها بشبكة التحالفات المناهضة للنفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط في إطار التمهيد للنسق المستقبلي الذي تحاول جاهدة مع روسيا إرسائه، عالم متعدد الأقطاب، ورغم المشهد الذي ارتست بحياد الصين ميدانيا وتدخل أمريكا، فقد شاركت الولايات المتحدة بالحرب بشكل مباشر من خلال ضربات على منشآت نووية إيرانية، ساهمت بعقيد ديناميكية الصراع بين الصين والولايات المتحدة، إذ أن:
- عامل التدخل الأمريكي: مشاركة الولايات المتحدة في عملية “مطرقة منتصف الليل” تُظهر تصعيدًاً ضد إيران، مما قد يُفسر كتحدٍ مباشر وغير مباشر بالوقت ذاته للمصالح الصينية في المنطقة.
- عامل المنافسة مع المشروع الأمريكي: تدعم الولايات المتحدة مشروعاً منافساً لربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط، مما يهدف إلى تقويض طريق الحرير الصيني، والحرب الأخيرة عززت هذا المشروع المنافس من حيث المبدأ، ولو أنها استمرت لقادت إلى إضعاف إيران كشريك للصين وبالتالي تقويض المصالح الجيوسياسية للصين على الجغرافيا الإيرانية.
ثالثاً: تأثيرات على أسواق الطاقة والتجارة: تعتبر إيران مورد رئيسي للنفط إلى الصين، وأي اضطرابات في إمدادات النفط مثّل تهديد إيران بإغلاق مضيق هرمز، سيؤثر على أسواق الطاقة العالمية، مما يرفع تكاليف النقل عبر الشق البحري لطريق الحرير، كما أن ارتفاع أسعار النفط قد يؤدي إلى زيادة تكاليف الشحن واللوجستيات، مما يؤثر على جدوى المشروع الاقتصادية.
رابعاً: رد فعل الصين وتداعيات استراتيجية: تتجنّب الصين عادةً التورط المباشر في النزاعات الإقليمية، كما فعلت بحرب حليفتها إيران مع إسرائيل، ومن المبالغ فيه القول أن الصين توظّف إيران كوكيل لتأمين مصالحها في الشرق الأوسط خلف الكواليس دون ظهور مباشر، دون أن ننكر الدعم الغير مباشر عسكرياً وتكنولوجياً، ولكن الصين ليست بمنأى عن التصعيد العسكري المصحوب بكسر قواعد الاشتباك في أي حرب قادمة، هذا ما لا ينطبق على الحرب الأخيرة التي كانت بقواعد مرسومة لحد بعيد، ولكن مستقبلاً مع تصاعد أي حرب قادمة، قد تضطر الصين إلى:
- إعادة تقييم استراتيجيتها عبر إعادة توجيه استثماراتها إلى دول أخرى أقل مخاطر، مثل تركيا أو دول الخليج، لضمان استمرارية المشروع.
- الوساطة الدبلوماسية عبر لعب دور الوسيط، كما فعلت في اتفاقيات سابقة مثل التقارب السعودي-الإيراني عام 2023، لتخفيف التوترات وحماية استثماراتها.
النتيجة، شكلت الحرب الإسرائيلية-الإيرانية تهديداً مباشراً لمشروع طريق الحرير الصيني من خلال تعطيل البنية التحتية في إيران، زيادة المخاطر الأمنية، وتفاقم التوترات الجيوسياسية، على الرغم من أن الصين استثمرت بكثافة في إيران كجزء من مبادرة الحزام والطريق، إلا أن الصراع قد يدفعها لإعادة توجيه بعض الموارد أو تعزيز الدبلوماسية لحماية مصالحها، خصوصاً أن استقرار الوضع لا يزال قيد الإختبار والمراقبة، والتأثيرات طويلة الأمد تعتمد على مدى استقرار المنطقة بعد وقف إطلاق النار في يونيو 2025.