بقلم : ساعود جمال ساعود
التفاصيل:
لا تزال مجريات الأحداث بين الصين والولايات المتحدة تندرج ضمن مساري الصراع وإدارة الصراع، في ظل ما تشهده من تصعيد أمريكي عسكري واقتصادي يرافقه دبلوماسية المراوغة لضبط التصعيد ضمن حدود لا يتطور معه لنتائج غير مرغوب بها، ولعل ما أعلن عن زيارة مرتقبة لمستشار الأمن القومي جاك سوليفان إلى الصين، يندرج ضمن هذا السياق قبيل الانتخابات الامريكية التي شهدت مواقف متشددة من الديمقراطيين والجمهوريين ضد الصين.
زيارة سوليفان وصفتها شينخوا بكونها فرصة جديدة للبلدين لاستقرار العلاقات الصينية الأمريكية وسط تزايد حالة عدم اليقين العالمية، دون أن يغيب عن أذهان وسائل الإعلام السياسية الصينية أن الأسباب الكامنة وراء تدهور العلاقات تعود أغلبها للممارسات الأمريكية. ولو أن جو بايدن نفذ تعهداته والاتفاقيات التي توصل لها مع تشي جي بينغ خلال لقائهما في سان فرانسيسكو العام الماضي، لما كان هناك داع لزيارة سوليفيان، لكن يستمر القادة الأمريكيين بالتهويل وتضخيم الخطر الصيني، واعتباره تهديداً لأمنهم، ومنافسا لهم، واستخدام ذلك ورقة لاستقطاب الناخبين، مستطردين ممارساتهم بعقوبات تجارية وتضييق الخناق على الصادرات والواردات الصيني من وإلى أمريكا، ناهيك عن شبكة التحالفات التس تضرب سرادقها النارية حول العنق الصيني بسلسلة أحلافها العسكرية مع كوريا الجنوبية وأستراليا والفلبين وتغذية تايوان عسكريا والتلاعب بها سياسياً وعسكرياً رغم علمهم اليقيني أن الأمريكي لا يخوض حرباً من أجل تايوان مع الصين.
ملفات عالقة ومتنازع عليها بين الطرفين الصيني والأمريكي لا تزال تتصدر المشهد الدولي، خلافهما في بحر الصين الجنوبي، ومنطقة المحيط الهادئ، والتدخل الأمريكي في جنوب غرب أسيا وشرقها، والدعم الأمريكي للانفصاليين في تايون، التي تعتبرها الصين جزء لا يتجزأ من أراضيها مصنفة إياها كمسألة أمن قومي وسيادي، لا تسمح بالعبث به، ملفات أدخلت الطرفين في خضم توترات سياسية حادة، لم تنجح المحادثات السياسية ومظاهر التعبير عن الغضب الصيني عبر المنظمات الدولية والمناورات العسكرية في محيط تايون عن ردعها، ليثبت السعي الأمريكي لإثارة المشاكل الأمنية للصين للحد من تطورها وردعها اقتصاديا وعسكريا وسياسيا.
استراتيجيات الأمن القومي الأمريكي اعتبرت الصين منافسا شرسا يجب تطويق وتأخير تقدمه، ومنع اهتزاز بنية النظام الدولي، وظهور عالم متعدد الأقطاب بزعامة الصين وأمريكا، وهو المشروع الذي أعلن عنه الرئيس الصيني ونظيره الروسي في شتى اللقاءات التي جمعتهما، ما جعل الساسة الأمريكيين يصعدون نبرتهم الحادة وممارساتهم ويفرض عقوبات أقتصادية وسياسية تجاه الصين، التر تصر على لسان رئيسها أن نشاطاتها وتحالفاتها ليست بالعدائية وغير موجهة ضد حلف أو دولة ما.
تطورات الأحداث توحي أن الصين ممثلة برئيسها ومسؤليها لم تنجح في القمم التي جمعتهم بالأمريكيين بتحطيم أوهامهم ومخاوفهم منها، بل أصروا على إحلال المنافسة والعدائية مكان التعاون، ليثبت هذا المعتقد في القناعات والاستراتيجيات الأمريكية تجاه الصين، وليستمر التوتر سيد الموقف بين الصين والولايات المتحدة، لتتحمل دول العالم تبعات هذا التوتر ومفرزاته.
بالنتيجة ، لا ترى الصين بالولايات المتحدة تهديداً ولا تعمل لتطويقها بالأحلاف أو التدخل بشؤونها الداخلية، بل تصر على سلمية مساعيها أقتصادياً وسياسياً، وتبرر دائماً مواقفها الدولية كما في مسألة الاتهامات الأمريكية للصين بدعم روسيا بحربها ضد أوكرانيا منكرة عليها حقها بالتحالف على غرار التحالف الأمريكي مع بقية دول الناتو، لذلك أن زيارة سوليفان تؤتي ثمارها في حال تقيدت الولايات المتحدة ذاتها بعدم التصعيد وفتحت قنوات التفاوض والمناقشة المستمرة للمستجدات على غرار قنوات الاتصال العسكري بينها، حتى لا يصلا إلى نقطة التصادم، ولن يصلا باعتقادي، فهناك روادع وإدارة صراع وضوابط ومصالح وما بينهما من تصعيد هو إعلامي بامتياز وما يجري على الواقع هو ترسيم حدود المصالح وتثبيتها ومن يتحدث عن صدام عسكري فهو قد تجاوز الواقع كثيراً.